في 8 نوفمبر 1917 صدر "وعد بلفور" الشهير الذي منح بمقتضاه من لا يملك "الاحتلال البريطاني" لمن لا يستحق "عصابات الصهاينة" حقا بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين المباركة. واكتملت فصول المؤامرة بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وبعدها بيوم واحد تم الإعلان عن قيام "دولة إسرائيل" في 14 مايو 1948م.

كان رد الفعل العربي والإسلامي عشوائيا وكان الاختراق الغربي الأوروبي للنظم العربية وقتها كبيرا إلى الحد الذي أدى إلى هزيمة كل الجيوش العربية أمام عصابات الصهاينة المدعومة من الغرب.

وفي القمة العربية التي عقدت بالخرطوم سنة 1964، أجمع العرب على توصيات مهمة حازت على إعجاب الشعوب العربية وأهمها اللاءات الثلاثة (لا صلح لا اعتراف لا تفاوض) واعتبر من يخرج عن هذه اللاءات خائنا مهما كان وضعه أو منصبه أو مكانته.

وفي 5 يونيو 1967م، تعرضت الأمة العربية لهزيمة ساحقة؛ حيث تمكن الصهاينة من هزيمة مصر وسورية والأردن وفلسطين في 6 أيام فقط، واحتلوا سيناء وهضبة الجولان والقدس وألحقوا خسائر كبيرة بالجيوش العربية.

حريق الأقصى

ثم وقع "حريق المسجد الأقصى" الذي تمر حاليا ذكراه الخمسون؛ ففي 21 أغسطس 1969، أقدم أسترالي متصهين يدعى دينس مايكل على إحراق المسجد الأقصى بمادة سريعة الاشتعال، فشبّ الحريق في الجناح الشرقي للمصلى القبلي، وأتت النيران على واجهات المصلى وسقفه وسجاده وزخارفه ومحتوياته.

وفي الجريمة ذاتها، احترق منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي عند فتح القدس عام 1187 من مدينة حلب، في حين قطع الاحتلال الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، فهرع الفلسطينيون إلى إخماد النيران بملابسهم والمياه الموجودة في آبار الأقصى.

وكان من أبرز ردود الأفعال على الحريق، أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 271 لسنة 1969 وأدان فيه الكيان الصهيوني، في حين عمّت حالة غضب الدول العربية والإسلامية، واجتمع القادة في الرباط يوم 25 سبتمبر 1969 وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وصندوق القدس عام 1976.

وفي عام 1970، تم إنشاء لجنة القدس برئاسة ملك المغرب الراحل الحسن الثاني. وبعد عام واحد من الحريق بدأت أعمال الترميم فيه بتشكيل لجنة إعمار الأقصى، واستمرت أعمال الترميم حتى عام 1986. وفي عام 2006، أعد الأردن منبرا بديلا يماثل منبر نور الدين زنكي ووضع في الأقصى.

كامب ديفيد والهرولة نحو التطبيع

وبعد عشر سنوات فقط من حريق الأقصى، حدث أوسع اختراق في صفوف المنظومة العربية، حيث أقدم الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات على الخروج على الإجماع العربي، بالتوقيع على ما تسمى باتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، سنة 1979، وذلك بعد زيارة السادات المفاجئة للكنيست سنة 1977م، ثم معسكر كامب ديفيد 1978م الذي مهد الأجواء للتوقيع على الاتفاقية وسط احتفال كبير وترحيب دولي واسع أغوى السادات وتم منحه جائزة نوبل للسلام مشاركة مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني وقتها مناحم بيجن.

وبمقتضى هذه الاتفاقية المشئومة، اعترفت مصر بالكيان الصهيوني وأقرته على ما اغتصبه من الأراضي العربية، الأمر الذي واجهه النظام العربي وقتها بالرفض العارم، واعتبرت مصر رمزا للخيانة وفقا لتوصيات مؤتمر القمة العربية بالخرطوم فقد انتهك السادات اللاءات الثلاث، فتصالح وتفاوض واعترف بالصهاينة.

ومنذ أن سن السادات هذه البدعة، بدأت الهرولة العربية نحو الكيان الصهيوني، وفي 13 سبتمبر 1993م، انتهكت منظمة التحرير الفلسطينية اللاءات الثلاثة لمؤتمر الخرطوم ووقعت اتفاقية "أوسلو" برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومشاركة إسحاق رابين رئيس الحكومة الصهيونية وقتها.

وبمقتضى هذه الاتفاقية، اعترف ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بحق الكيان الصهيوني في الوجود وأقره على ما اغتصبه من الأراضي العربية مقابل حكم ذاتي لم يحقق للفلسطينيين الدولة المنشودة، بل جعل من السلطة الفلسطينية جهازا أمنيا يقوم على حماية أمن الكيان الصهيوني. وبذلك اعترفت السلطة بالصهاينة وتفاوضت وتصالحت وألقت بقرارات قمة الخرطوم في سلة المهملات.

ودخلت الأردن إلى حظيرة التطبيع والاعتراف بالصهاينة، ووقعت في 26 أكتوبر 1994م، اتفاقية "وادي عربة" واعترفت بالكيان الصهيوني وأقرته على ما اغتصبه من الأراضي العربية حيث وقع عن الأردن رئيس الحكومة عبدالسلام المجالي وعن الصهاينة رئيس الحكومة إسحاق رابين. فيما ظهر الرئيس الصهيوني عيزرا وايزمان والملك حسين بمصافحة تاريخية. وكان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ووزير الخارجية وارن كريستوفر حاضرين خلال التوقيع. وأرسلت آلاف البالونات إلى السماء في ختام الحفل البهيج على جثة فلسطين المحتلة وشعبها في الشتات.

الخليج إلى فراش الصهاينة

وحاليا، لا يقف قطار التطبيع والاعتراف بالصهاينة عند حد، فتقريبا معظم النظم والحكومات العربية تربطها علاقات سرية غير رسمية مع الكيان الصهيوني، وتحولت دول عربية عريقة مثل مصر والسعودية والإمارات إلى عرابين للتطبيع وخدامين للأهداف الصهيونية وفق معادلة ترتبط بنظم هذه الدولة وحرصها على البقاء على حساب الأمن القومي العربي وإهدار الحقوق الفلسطينية.

وبمقتضى هذه الهرولة العربية تحول الكيان الصهيوني من عصابات "جارت" علينا إلى دولة "جارة" لنا، والحرص على العلاقات معها يدفع جيوشا عربية إلى قتل الآلاف من شعوبها حفظا وحماية لهذه العلاقات التي اعترف النظام العربي الرسمي في مؤتمر الخرطوم أنها تمثل أعلى صور الخيانة!

واليوم، يبدو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حريصا كل الحرص على حماية أمن الكيان الصهيوني وتربطه به علاقات ودية عميقة كما أبدى هو ذلك في حوارات مع صحف أجنبية، ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي هو عراب الصهاينة في النطقة ورجلهم الأول ويشن حربا ضروسا على الإسلاميين من أجل حماية الكيان الصهيوني وتزلفا له وللأمريكان.

وقابوس عمان استقبل نتنياهو في بلاده معربا عن سعادته وترحيبه بعلاقات ودية مع تل أبيب.

والبحرين تبدي عشقا وغراما كبيرا بالصهاينة .. فلماذا كل هذه الهرولة نحو الصهاينة؟!

هذه العلاقات السرية التي تشبه العلاقات المحرمة، دفعت مندوب الصهاينة لدى الأمم المتحدة داني دانون، الثلاثاء، 21 أغسطس الجاري ، إلى دعوة الزعماء العرب إلى المجاهرة بعلاقاتهم مع الاحتلال، قائلا: “يجب على الزعماء العرب أن يقولوا صراحة إن تعاوننا هو مصلحة مشتركة”.

جاء ذلك في جلسة خاصة لمجلس الأمن تتعلق بمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط، بمشاركة الكيان الصهيوني، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ونظيره البولندي ياكاك تشابوتوفيتش.

وتطرق دانون الى التقارب بين الكيان الصهيوني والدول العربية على خلفية التوتر في مياه الخليج، قائلا: “لقد نجحت طهران في مكان واحد، وهو تقريب إسرائيل من العالم العربي. خلف الأبواب المغلقة، يعترف القادة العرب بأن التهديد الرئيسي للشرق الأوسط هو إيران، ويدركون أن إسرائيل هي القوة الرائدة التي تكافح الإرهاب الراديكالي”.

وأضاف أن “التحديات المشتركة تتطلب من القادة العرب أن يقولوا علانية إن تعاوننا بمثابة مصلحة مشتركة”!.