استنكر خبراء وحقوقيون مصادقة قائد الانقلاب العسكري الخائن عبدالفتاح السيسي على قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي للمرة الثانية، مؤكدين أن القانون يستهدف تقنين كل الإجراءات التعسفية، التي كانت تمارسها السلطة الانقلابية تجاه المؤسسات والجمعيات الأهلية.

وقال الخبراء: إن سلطات الانقلاب أصبح لها الحق - وفق قانون الجمعيات الجديد -  في منع أي نشاط أو عمل يتعارض مع الأجندة الأمنية لسلطة الانقلاب أو ما يراه العسكر كذلك، وحذروا من أن مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية أصبحت مهددة بالغلق، خاصة المؤسسات التي تكشف انتهاكات نظام الانقلاب.

كان قائد الانقلاب العسكري قد صادق للمرة الثانية على قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، الذي يعد أكثر التشريعات المثيرة للجدل، وكان السيسي قد صدّق على نسخة سابقة من القانون في مايو 2017، ثم أعاده للبرلمان للتعديل في نوفمبر 2018، إثر انتقادات، في سابقة هي الأولى من نوعها خلال عهده الانقلابي.

 وفي 25 يوليو الماضي، دعا بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية السيسي إلى عدم التصديق على القانون، الذي قالت إنه "يفرض قيودا ويقوض استقلالية عمل المجتمع المدني في مصر".

ويحظر القانون ممارسة أنشطة للجمعيات الأهلية بدعوى إخلالها بـ"الأمن القومي"، دون تحديد إطار لهذا المفهوم، كما يمنح السلطات الانقلابية صلاحية حل المنظمات جراء وقوع "مخالفات"، ويفرض غرامات تصل مليون جنيه، على المنظمات التي تعمل دون ترخيص أو التي ترسل وتتلقى الأموال دون موافقة حكومة الانقلاب.

منظمات أجنبية

ويحظر القانون ممارسة الجمعيات أي أنشطة تتطلب ترخيصا من جهة حكومية، بالإضافة لمنعه إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها، أو إجراء الأبحاث الميدانية، أو عرض نتائجها على الرأي العام، دون مراجعتها مع سلطة الانقلاب، وهو ما اعتبره محللون منعا غير منطقي.

وبشأن المنظمات الأجنبية العاملة بهذا المجال في مصر، يجرم القانون التعاون مع أي منها أو أي خبراء أجانب، ويفرض نظاما صارما بالموافقة المسبقة للمنظمات الأجنبية للعمل بمصر، ويسمح للحكومة الانقلابية بمراقبة ورصد الأنشطة اليومية لها.

وحسب القانون، فإن من تلقى أو أرسل بصفته رئيسا أو عضوا أو عاملا بجمعية أو مؤسسة أهلية، أو أي كيان يمارس العمل الأهلي، أموالا من جهة أجنبية أو محلية أو قام بجمع التبرعات؛ يُعاقب بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه.

ويوجد في مصر نحو خمسين ألفا و572 جمعية ومؤسسة، ينشط منها نحو ثلاثين ألفا و402 جمعية، وغير النشطة نحو 1106، بينما تم حل 5594، وحظرت السلطات الانقلابية 414، وأوقفت نشاط نحو 81 جمعية، وفق تقرير رسمي في يناير 2019.

إجراءات تعسفية

وحول ما سيترتب على إقرار السيسي المنقلب للقانون، أكد خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن "إقرار السيسي للقانون سيترتب عليه تقنين كل الإجراءات التعسفية، التي كانت تمارسها السلطة تجاه المؤسسات والجمعيات الأهلية".

وأوضح أنه "أصبح للسلطات بنص القانون الجديد، الحق في منع أي نشاط  أو عمل يتعارض مع الأجندة الأمنية لنظام الانقلاب أو ما يراه العسكر كذلك".

وأشار بيومي - في تصريحات صحفية - إلى أن خطورة الأمر تكمن في عدم "وجود معيار واضح أو تعريف منضبط لمصطلح الأمن القومي"، واصفا القانون بشكل عام بأنه "أحد القوانين سيئة السمعة؛ التي تضاف للسجل الحافل لنظام العسكر في تقنين تصرفاته غير القانونية".

وحول ما سيواجه منظمات المجتمع المدني من عقبات وعقوبات أوضح  أنه "سيترتب على نفاذ القانون إطلاق سيف العسكر بالحبس والغرامات المبالغ فيها لكل نشاط ولو كان استطلاع رأي"، مؤكدا أنه سيتبع تنفيذه "تهديد بالغلق لكل المؤسسات التي تكشف انتهاكات نظام السيسي".

وحول الوضع القانوني ومدى إمكانية الطعن بعدم دستورية القانون، أكد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن "الطعن بعدم الدستورية متاح، ولكن يتطلب الأمر وجود نزاع قضائي أمام إحدى المحاكم، وفي أثناء نظر النزاع يتم الطعن بعدم دستورية القانون"، موضحا أنه رغم ذلك فالأمر "يتوقف على تجاوب المحكمة مع الطلب".

ديكتاتورية العسكر

وقال الدكتور عبد الموجود الدرديري، المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة: إن الأمر بشكل عام يتعلق بتطبيق "الديمقراطية"، التي تعني حكم الشعب، وأكد أن وجود الجمعيات الأهلية، وتسيير عملها ضرورة من ضرورات الدولة الديمقراطية.

وأضاف الدرديري، في تصريحات صحفية: "إن نظم الحكم العسكرية عدوة للديمقراطية الحقة"، مؤكدا أنها لذلك "لا ترحب بعمل الجمعيات الأهلية، التي يعد تقوية الشعب في مواجهة الاستبداد من بين أدوارها".

وتابع : "أما الديكتاتورية العسكرية، فتؤسس لإفقار الشعب ظنا منها أنها ستلهيه في لقمة عيشه؛ ولكن التاريخ يقول إن للصبر حدودا وإن الشعب إذا ضاقت حياته يثور ويتخلص من ظالميه".

مناورة

وعبر صفحته بـ"تويتر"، اعتبر الباحث والكاتب عمرو مجدي أن موافقة السيسي على قانون الجمعيات الأهلية، هو محاولة ومناورة من دولة العسكر لتخفيف الضغط الدولي عليها فقط، لكنها ليست جادة في السماح للمنظمات المستقلة بالعمل بحرية

وقال مجدي: إن دولة العسكر تهدف من وراء قانون الجمعيات ملاحقة العاملين بالمجتمع المدني وسحقهم.