لا تزال صحة المصريين - وخاصة الغلابة - في خطر؛ بسبب القرارات الانقلابية المتوالية برفع أسعار الأدوية والعلاج والخدمات الصحية بصورة تفوق دخول 99% من أبناء هذا الشعب الذي يعيش أكثر من 60% منه تحت خط الفقر.

كانت حكومة الانقلاب قد أعلنت عن رفع أسعار جميع خدمات الإسعاف غير الطارئة بنسب كبيرة بلغت خمسة أضعاف، تزامنًا مع فرض رسوم جديدة مقابل الإبلاغ في أقسام الشرطة عن المفقودات.

كما أعلنت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب عن تعديل اللائحة الخاصة بأسعار خدمات الإسعاف غير الطارئة التي بدأ العمل بها عام 2008، ومن بينها التعاقدات وتأمين الفعاليات المختلفة ونقل الحالات المرضية بأجر، وساعات الانتظار مع الحالات المرضية وخدمات المصاحبة وإيجار أسطوانات الأكسجين للجمهور.

ومن أبرز الخدمات التي تم رفع أسعارها تأمين المنافسات الرياضية لأندية الدرجة الأولى التي وصلت تكلفتها إلى 1500 جنيه لمدة 3 ساعات، مع زيادة 500 جنيه عن كل ساعة إضافية، وتأمين ومتابعة الوفود مقابل 7500 جنيه، وتوفير سيارات الإسعاف لتأمين الحفلات الجماهيرية مقابل 25 ألف جنيه، على أن يتم تحديد عدد السيارات المشاركة وفقًا للدراسة الإسعافية، وبالتنسيق مع الجهات الأمنية.

أما نقل الحالات المرضية غير الطارئة بين المحافظات فهو مقابل 5 جنيهات لكل كيلومتر، وبحد أقصى 5 آلاف جنيه، ويتم احتساب ساعة الانتظار بمبلغ 100 جنيه، كما يتم احتساب قيمة خدمة المصاحبة داخل المدينة بمبلغ 500 جنيه.

وتم رفع قيمة خدمة إيجار أسطوانات الأكسجين للجمهور ليصبح سعر التأمين 2700 جنيه، وغرامة 50 جنيهًا عن كل يوم تأخير بعد اليوم العاشر.

أمراض مزمنة

التأثيرات السلبية لقرارات الانقلاب تتزايد، خاصة أن تقارير طبية صادرة عن وزارة الصحة بحكومة الانقلاب تشير إلى أن عددًا كبيرًا من المصريين يعاني من أمراض مزمنة، من بينها الثالوث المدمر "الفشل الكلوي وأمراض السرطان والكبد"، وتعدّ نسبة مرضى السكري كبيرة في مصر، في وقت يعاني كثيرون من الضغط وأمراض القلب، كما تزداد نسبة الأمراض التنفسيّة، خصوصًا بين الشباب.

وتؤكّد التقارير أنّ الأمراض المزمنة تحوّلت إلى مشكلة كبيرة تواجهها يوميًّا المستشفيات الحكومية والخاصة، ويؤكد مصدر مسئول بوزارة الصحة أن تلوث المياه يعدّ خطرًا رئيسًا في مصر، موضحًا أن 38 مليون مصري يشربون مياهًا ملوثة، مطالبًا بضرورة تحرّك المسئولين لحماية المواطن من الموت المحقق بعد تفشي الإصابة بالأمراض المتوطنة الكبدية والكلوية؛ بسبب تلوث مياه الشرب، ويشير إلى أن هناك أكثر من 300 منشأة حكومية، وخاصة تصبّ مخلفات كيميائية في نهر النيل يوميًّا، وتقدر بـ4.5 ملايين طن سنويًّا؛ ما يؤدي إلى زيادة نسبة تلوث المياه ثلاثة أضعاف معدّل التلوث العالمي.

وتُكشف التقارير أن هناك 30 مليون مصري مصابون بأمراض مزمنة، منهم 15 مليونًا يعانون من أمراض الكبد، إضافة إلى 300 ألف مريض كل عام.

ويحلّ السرطان في المرتبة الثانية ثم الفشل الكلوي كما يؤدّي التلوّث إلى زيادة أمراض العقم، ومن جهة أخرى، تزداد نسبة الاضطرابات النفسية بين الشباب، نتيجة القلق العام والاكتئاب؛ ما قد يدفع بعضهم إلى الانتحار.

ويواجه عدد كبير من المرضى نقصًا في الأدوية؛ ما يهدّد حياتهم، ويجد آخرون أنفسهم عاجزين عن شراء الأدوية في ظلّ غلاء أسعارها، ولا يبقى أمامهم غير الشكوى؛ بسبب تردّي الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.

مخصصات الصحة

في المقابل قررت دولة العسكر تقليص مخصصات "الصحة"، في موازنة العام المالي 2019- 2020، إلى 73 مليارًا و62 مليون جنيه، مقسمة بواقع 35 مليار جنيه للأجور وتعويضات العاملين، و27 مليار جنيه لمديريات الشئون الصحية، ومليار و500 مليون جنيه لدعم الأدوية وألبان الأطفال، و6 مليارات و622 مليونًا لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، ومليار و176 مليون جنيه لأمانة المراكز الطبية المتخصصة.

ويثير تراجع مخصصات الصحة بالموازنة التخوف بعد تقليل الدعم المخصص لشراء ألبان الأطفال المدعمة والأدوية الحيوية، وبالتالي استمرار معاناة فئات كثيرة من المواطنين في العلاج والبحث عن الدواء الناقص في السوق المحلية.

وكانت "المنظومة الصحية" قد واجهت خلال الأعوام السابقة عدة أزمات، بدأت بنقص لبن الأطفال المدعم، وسيطرة السوق السوداء، ثم أزمة نقص المحاليل الوريدية (محاليل الملح والجفاف والجلوكوز)، على خلفية توقف عدد من الشركات والمصانع الإنتاجية عن التوريد المحلي؛ بسبب زيادة سعر صرف الدولار، وبالتالي تزايد سعرها بنسبة 60%. ثم زيادة أسعار 3 آلاف صنف دوائي من أصل 12 ألف دواءٍ بالسوق المصرية مرتين خلال أقل من عامين، وهو ما أدى إلى معاناة المواطنين لعدم توفر عدة أنواع من الأدوية تجاوزت 1650 صنفًا دوائيًا، من بينها 250 صنفًا دون بدائل.

معدل الإنفاق

ومع تراجع مخصصات الرعاية الصحية بهذا القدر، فإنها لا تتناسب على الإطلاق مع حجم التحديات التي تواجه القطاع الصحي؛ فطبقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام ٢٠١٦، فإن ٢٧٫٨% من المصريين فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية؛ ما يشمل بالطبع الاحتياجات الصحية.

كما كشفت نتائج المسح الصحي القومي لعام 2017 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن أن 85% من الوفيات في مصر سببها الأمراض غير المعدية، كالضغط والسكر والسمنة، وأن 90% من المصريين مهددون بالإصابة بها.

ورصد تقرير صادر عن مؤسسة "كوليرز إنترناشيونال" أن نصيب المواطن المصري من النفقات الصحية بشكل عام (إنفاق حكومي وخاص) في عام 2014 بلغ 2992 جنيهًا.

وأشار إلى تذيل الإنفاق بمجال الرعاية الصحة معدل الإنفاق عالميًّا؛ حيث بلغت النفقات الصحية في سويسرا - وهي الأعلى على مستوى العالم - 9674 دولارًا لكل فرد، بينما بلغت 3935 دولارًا في المملكة المتحدة، واحتلت مصر عام ٢٠١٤ المركز رقم ٩٧ من ضمن ١٤٤ دولة في تحقيق المتطلبات الأساسية من الصحة، كما جاءت مصر عام 2016 في المركز ١٨٦ من ٢٢٠ دولة من خلال إحصائيات موقع "نومبيو" المختص برصد رفاهية الدول.

خدمة مجانية

وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أعرب العديد من النشطاء عن غضبهم من لائحة الأسعار الجديدة لخدمات الإسعاف، وانتقدوا سلطة الانقلاب العسكري التي تقوم برفع الرسوم والضرائب باستمرار منذ تسلط السيسي على الشرعية قبل خمس سنوات.

وقال نادر فرجاني: "الآن لو أصاب مواطنا طارئٌ، واستدعيت له الإسعاف لنقله إلى المستشفى، وهي في جميع بلدان العالم خدمة مجانية، فرضت الحكومة على المواطن دفع مبلغ كبير ربما مئات الجنيهات، ولا تنسوا الرسوم والتكاليف المفروضة على الوفاة والدفن، لا قدر الله".

وتساءلت رشا صالح: "حتى الإسعاف؟ يعني اللي لا قدر الله يحصله حاجة مش هيقدر يدفع لعربية الإسعاف ولا يدفع للمستشفى، للدرجة دي البني آدم بقى رخيص؟".

وكتب محفوظ عبدالحليم: "طول عمر الإسعاف خدمة مجانية، حتى حكم مصر رجل شعاره مفيش حاجة ببلاش، حتدفع يعني حتدفع".

وقال مصطفى محمد: "اللي بيحصل ده صعب ومستفز جدا، هل ده بيحصل في أي دولة تانية في العالم ولا هنا في مصر بس؟".

وأضاف عبدالله حسن: "يا جماعة اللي مش معاه فلوس يموت عشان مبقاش في دعم لا نفسي ولا مادي".