أكد الباحث جريجوري أفتانديليان، زميل المركز العربي بواشنطن دي سي أنه رغم الأرقام الوردية التي يتحدث بها صندوق النقد وتقارير مجلة "إيكونوميست" التي تعدّ مصر سوقًا ناشئة الأكثر سخونة عالميًّا! وأنها نفذت إصلاحات اقتصادية صعبة، إلا أن "المصريين يعانون".

وفي إجابة مختصرة عن "اتجاهات الاقتصاد الكلي في مصر وأنه في حالة جيدة" كان تحليله للنمو الاقتصادي الإيجابي: "على الورق".

وفي ورقة بحثية أعدها "أفتانديليان" للمركز العربي بواشنطن دي سي، بعنوان "النمو الاقتصادي الإيجابي في مصر يواجه مشاكل متزايدة"، قال إنه على إثر مؤشرات المؤسسات الدولية "كان هناك القليل من التأثير على الأسر المصرية المتوسطة"، موضحا أن التأثير كان انخفاض القوة الشرائية فعليًا بفعل انخفاض قيمة الجنيه، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الغذاء في مصر التي تعد واحدة من أكبر مستوردي الأغذية في العالم، وأن تخفيض الدعم أدى لزيادة حادة في سعر البنزين.

وأضاف: لتأثير المؤشرات الدولية فإن زيادة الأجور لم تواكب معدل التضخم، الذي بلغ حوالي 30% في عام 2017 ورغم انخفاضه إلى 11% في نهاية عام 2018.

وارتفع معدل الفقر من 28% في عام 2015 إلى 32% في عام 2018 (لأولئك الذين يكسبون أقل من 45 دولارًا شهريا).

وخلص إلى تقييمات أخرى ترسم صورة أكثر قتامة للوضع في مصر، ومنها تقييم صدر في أبريل الماضي، قدر البنك الدولي أن 60% من المصريين "إما فقراء أو ضعفاء".

مجمل المؤشرات

وفي نقاط محددة أشارت الورقة إلى أنه مع تزايد عدد سكان البلاد المزدهر بأكثر من 100 مليون ومدفوعات الديون العالية التي لا تترك مجالاً كبيرًا لتحسين الخدمات الاجتماعية، تحتاج حكومة الانقلاب إلى تغيير نهجها القائم على الجيش.

وفيما يتعلق بالبطالة، أشارت إلى أن ما لا يقل عن 700000 شاب يدخلون سوق العمل كل عام، والكثير منهم يحملون شهادات في التعليم العالي وطموحات كبيرة.

أما عن الحريات، فقال الباحث: إنه يبدو أن السيسي يعتقد أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه المخلوع حسني مبارك كان التسامح مع المعارضة إلى حد ما في السنوات التي سبقت مباشرة ثورة 2011.

وعن الإرهاب الذي لم ينته، قالت الورقة: إنه عند تنصيبه لأول مرة في عام 2014، تعهد السيسي بأن هزيمة أولئك الذين يعدهم إرهابيين كانت أولويته الأولى.

وعن أسباب الرضا الدولي عنه رغم ديكتاتوريته، قال إن لدى السيسي الكثير من المنتقدين في مصر والغرب بسبب سياساته القمعية، فإن لديه أيضًا العديد من الأصدقاء المؤثرين في جميع أنحاء العالم.

انتهى زمن الوظيفة

وفي تفنيد للمؤشرات التي تعتد بها المؤسسات، أشار زميل (المركز العربي بواشنطن دي سي) إلى أن "الحكومة" تدعي أن البطالة انخفضت، من 12.6% في عام 2016 إلى 8.1% في الربع الأول من عام 2019، كانت معظم الوظائف الجديدة في القطاع غير الرسمي، مما يشير إلى أن العمالة الناقصة تمثل مشكلة خطيرة.

وقال الباحث: إن معدل بطالة الشباب انخفض بشكل طفيف فقط، من 34.7% في عام 2015 إلى 32.6% في عام 2018، وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة الانقلابية تقترض بكثافة من الخارج؛ يمثل إجمالي ديونها 87% من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل مدفوعات ديونها ما لا يقل عن 38% من إنفاق الميزانية.

واعتبر أن هذا يعني أن حكومة الانقلاب لديها أموال أقل للإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى التي تحافظ على عدد كبير ومتزايد من السكان.

ونبّه إلى أن توظيف القطاع العام في حالة توقف تام، وأن القطاع الخاص لم يتحمل الركود، والسبب أن أيدي الجيش في عدد من المؤسسات، ولكنه اعتبر أن تحديد نسب الاستحواذ "هي أمر صعب لتحديد العدد".

جنون العظمة

ورأت الورقة أن "السيسي مصاب بجنون العظمة على المعارضة، وأن النظام السياسي يصور المعارضة على أنها جريمة ضد الدولة"؛ حيث يتعرض الصحفيون والمدونون الذين تجرأوا على انتقاد النظام إما للمضايقة أو الإلقاء في السجن.

وأشارت ورقة المركز العربي بواشنطن إلى تقديرات المنظمات غير الحكومية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش، من أن 60 ألف شخص سجناء سياسيون في مصر. غالبيتهم  من جماعة الإخوان المسلمين أو متعاطفون معها، والتي تم حظرها رسميًّا كمنظمة إرهابية في أواخر عام 2013، كذلك فإن الكثير من المعتقلين هم من الليبراليين العلمانيين ونشطاء المجتمع المدني الذين كانت جريمتهم هي انتقاد حكومة الانقلاب.

وقالت: إن السيسي مصمم على سياسة عدم التسامح مع المعارضة إلى حد ما في السنوات التي سبقت مباشرة انتفاضة 2011.

وأشارت إلى اعتقال عضو بحزب قال "إن النظام منح رشاوي للمواطنين ليخرجوا ويصوتوا "نعم" على التغييرات الدستورية التي تفضل السيسي ومؤسسة الجيش، لكنه أشار إلى تقرير للجارديان يكشف صحة مزاعمه من تقاضي الكثير من المصريين 150 جنيهًا مصريًا من السلع الغذائية للتصويت للاستفتاء.

وقالت: إن "التعديلات" في فترة الرئاسة ستسمح للسيسي بالبقاء حتى عام 2030. كما أنها تمنحه سلطات واسعة على القضاء وتمكن الجيش من التدخل في السياسة إذا كان هناك تهديد للحالة المدنية المصرية.

انقلاب عسكري

وقال جريجوري أفتانديليان: إنه على الرغم من أن السيسي سمح للعسكريين بإدارة أعمال تجارية أكثر من السابق، إلا أنه يشعر بالقلق أيضًا من احتمال حدوث انقلاب أو أن تكون شعبية بعض المتقاعدين الذين يمكن أن يتحدوه في الانتخابات.

وتابع: خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2018، احتجز المرشح الرئاسي سامي عنان، رئيس أركان الجيش في عهد مبارك، وأرغم أحمد شفيق، الرئيس السابق للقوات الجوية ورئيس الوزراء السابق لمبارك، لإسقاط محاولته الرئاسية بعد أن عاد إلى مصر من منفاه الاختياري في الإمارات.

وإزاء تخوفاته أشار إلى أن إقرار "برلمان" السيسي في 2018، مشروع قانون يمنح العسكريين حصانة عن أي أعمال تم تنفيذها بعد الانقلاب في يوليو 2013، وسمح للسيسي بمنح وضعية للضباط الاحتياط إلى "كبار ضباط الجيش" بعد قيامهم التقاعد من الخدمة الفعلية. ومنعهم من الترشح للمناصب العامة!.

الإرهاب اللامنتهي

وعن أبرز المشكلات في مصر، استغرب "أفتانديليان" أن مع السيسي جهاز استخباراتي وعسكري واسع تحت تصرفه، ولكنه لم ينجح في مسعاه إنهاء الارهاب في 2014 كما وعد.

وأشار إلى استغلال "ولاية سيناء" التضاريس الصعبة في شمال سيناء والمظالم البدوية القديمة ضد الدولة، في مواصلة ضرب الجنود، مشددًا على أن الإجراءات الحكومية المشددة ضد بدو سيناء عملت أحيانًا على تحديث صفوف الإرهابيين.

وعند هذه النقطة تحديدًا، كشف "أفتانديليان" عن أنه في أواخر يوليو 2019، حث مسئولو وزارة الدفاع الأمريكية نظراءهم المصريين على اتباع "نهج يركز على السكان" بدرجة أكبر، لاكتساب ثقة السكان المحليين في مكافحة "التمرد".

ووضع الباحث "حسم" و"لواء الثورة" اللتين قال عنهما إنهما انفصلا عن جماعة الإخوان المسلمين، ضمن المجموعات الارهابية ولكنه قال إنهم "أعضاء أصغر سناً لم يوافقوا على اعتراف شيوخهم بالسلمية، منتقدا ما نسب إليهما من استهداف علاوة على قوات الأمن؛ "السياح الأجانب والمسيحيين الأقباط".

غير أنه استدرك في تلك النقطة وأوضح أن نهج إدارة السيسي لم يشمل اعتقال المشتبه فيهم فحسب من جراء تلك الجرائم، بل انتزع اعترافات قسرية بعد التعذيب ومارس القتل خارج نطاق القضاء وكثف من استخدام عقوبة الإعدام ضد من تثبت إدانتهم بعد محاكمات سريعة بحسب جماعات حقوق الإنسان.

وأشار إلى أن مثل هذه التكتيكات القاسية والافتقار إلى حيز سياسي للتعبير عن المعارضة يكاد يكون من شبه المؤكد أن ينضم المزيد من الشباب الساخطين إلى هذه الجماعات، وأن الحكومة ساهمت في "تهيئة جو يعتقد بعض الشباب فيه أن العنف هو ملاذهم الوحيد".

أصدقاء السيسي

وفنّدت الورقة مؤشرًا آخر يعتمد عليه السيسي، فقالت إنه لدى السيسي الكثير من المنتقدين في مصر والغرب بسبب سياساته القمعية، ولكن لديه العديد من الأصدقاء المؤثرين في جميع أنحاء العالم.

وأشارت إلى الدعم السخي من السعوديين والإماراتيين للانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، وشن حملة على جماعة الإخوان المسلمين في صيف عام 2013، "أغدقوا على مصر مليارات الدولارات من المنح والاستثمارات".

وذكرت أن داعمي السيسي الدوليين منهم الرئيس ترامب؛ الذي قال إن السيسي يقوم "بعمل رائع"، كما يتجنب ترامب انتقاد حكومة السيسي؛ بسبب العدد الكبير من السجناء السياسيين.

في حين تحدث رئيس فرنسا ماكرون عن ضرورة أن تحترم حكومة السيسي المنقلب الحريات الفردية، لكن هذا لم يمنع باريس من أن تصبح بائع أسلحة كبيرًا إلى القاهرة في السنوات الأخيرة.

وكذلك فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو زعيم استبدادي يعتبر نفسه حقوق الإنسان مؤامرة غربية، متحمسًا لإعادة الروابط العسكرية والاقتصادية إلى مصر وباع أسلحة بمليارات الدولارات للقاهرة خلال السنوات الأخيرة.

خلاصة التقرير

"عدم الاستقرار ونموذج غير مستدام" كانت توصيفات ورقة "جريجوري أفتانديليان" لهذه الفترة في مصر، فرأى أنه من المرجح أن يتمسك السيسي بالسلطة، على الرغم من أن غالبية المصريين يواجهون ضائقة اقتصادية، وأن الناشطين السياسيين تحت الحصار، وأن القمع والدعم من اللاعبين الخارجيين هو صيغته للحفاظ على نظامه الانقلابي واقفًا على قدميه.

ولكنه حذر من أن استمرار هذه السياسة ليست استراتيجية رابحة على المدى الطويل، محددًا لذلك ضوابط لتغيير استراتيجيته منها تخفيف القيود التي ستسمح للقطاع الخاص بالازدهار، وليس فقط رجال الأعمال المرتبطين بالنظام الانقلابي، والحد من سيطرة الجيش على مختلف الأعمال التجارية، والسماح بتدفق حر للأفكار المعارضة.

وحذر من أنه بدون هذه الضوابط السيسي لن يكون قادرًا على توليد مئات الآلاف من الوظائف الجديدة اللازمة لتوظيف الشباب الذين يدخلون سوق العمل، كما أن خنق المعارضة وندرة فرص العمل، من المحتمل أن يتوصل الشباب إلى استنتاج مفاده أن الهجرة أو العمل في الشوارع أو العنف قد تكون هي طرقهم الوحيدة للمضي قدمًا.

وتوقع ثورة جديدة قائلاً: قد يكون هناك "إرهاق ثوري" الآن بعد أن تحملت مصر عدة سنوات فوضوية بعد خلع حسني مبارك في عام 2011، ولكن الظروف التي أدت إلى انتفاضة عام 2011 ما زالت قائمة ويمكن القول إنها أسوأ الآن، مرجحًا أن يستمر عدم الاستقرار.