الأسبوع الماضي تمكن قطاع من الصهاينة من اقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك في ظل حماية كبيرة من قوات جيش الاحتلال، وهي الجريمة التي باتت تتكرر كل أسبوع دون أي رد فعل من جانب الأنظمة العربية (المطبّعة)، ومساء يوم الاقتحام، اقتحم رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو ورئيس كيان الاحتلال رءوبين ريفلين الحرم الإبراهيمي، في ظل إجراءات عسكرية مشددة فرضتها قوات الاحتلال في البلدة القديمة بالخليل؛ حيث يشارك في طقوس رسمية لإحياء ذكرى أحداث جرت عام 1929.

اقتحام نتنياهو ورفلين الحرم الإبراهيمي جرى في ظل إجراءات عسكرية مشددة؛ حيث أغلقت قوات الاحتلال، منذ ساعات الصباح، المحال التجارية في البلدة القديمة بمدينة الخليل، وأخلت جميع المدارس فيها؛ تمهيدًا لاقتحام نتنياهو وريفلين.

وقف نتنياهو في باحات الحرم الإبراهيمي، قائلا: "لن تكون هذه المدينة خالية من اليهود، لسنا غرباء عليها، وسنبقى في الخليل إلى الأبد"، وقعت الجريمة إذًا، دون رد فعل عربي أو حتى إدانة أو تنديد أو مجرد شجب، واكتفت السلطة الفلسطينية بإصدار بيانين عن الخارجية والأوقاف يصفان ما جرى بـ"الزيارة العنصرية" و"التصعيد الخطير".

وبحسب البيانين، فإن نتنياهو يستهدف بذلك الدعاية الانتخابية لحزب الليكود قبيل معركة الانتخابات في 17 سبتمبر الجاري، في محاولة لاستمالة الأصوات من اليمين واليمين المتطرف لصالحه، وحذر بيان الأوقاف الفلسطينية من أن الزيارة تمثل تصعيدًا خطيرًا، وحذرت من جرّ المنطقة إلى "حرب دينية" ستكون لها عواقب كبيرة.

ومنذ عام 1994م، يُقسّم المسجد الإبراهيمي - الذي يُعتقد أنه بُني على ضريح النبي إبراهيم عليه السلام - إلى قسمين: الأول خاص بالمسلمين، ويمتد على 45% من مساحة المسجد، وآخر خاص باليهود على المساحة المتبقّية (55%)، وجاء التقسيم على خلفية قتل مغتصب يهودي 29 فلسطينيًّا أثناء تأديتهم صلاة الفجر يوم 25 فبراير من العام ذاته، ويقع المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، التي تقع تحت السيطرة الصهيونية، ويسكن بها نحو 400 مغتصب يحرسهم نحو 1500 جندي من قوات الاحتلال الصهيوني.

شكر صهيوني للإمارات والبحرين

وتتزامن جريمة اقتحام الحرم الإبراهيمي مع توجيه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الشكر الجزيل لكل من الإمارات والبحرين على مواقفهما الداعمة للاحتلال الصهيوني خلال الاشتباكات الأخيرة التي وقعت مع حزب الله مؤخرًا.

ورحَّب نتنياهو بتصريحات وزيري الخارجية البحريني والإماراتي ضد حزب الله وشكرهما على الوقوف بجانب الكيان الصهيوني. نتنياهو قال في مستهلّ جلسة الحكومة الصهيونية الأسبوعية: "الوزيران أدانا قلة حيلة الدولة اللبنانية التي تسمح لتنظيم حزب الله بالعمل من أراضيها ضد إسرائيل". ذلك يُظهر تحولًا جوهريًا في الشرق الأوسط؛ لقد أدرك العالم العربي أيضًا أن "العدوان" الإيراني لا يهدد الصهاينة وحدهم بل المنطقة بأسرها. نتنياهو شكر كذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو "اللذين أخرجا البنك الذي يزود حزب الله بمعظم أمواله، وأدرجاه في لائحة العقوبات؛ هذا شيء مهم جدًا"، وفق تعبيره.

التحالف العربي الصهيوني

لم يأت اقتحام نتنياهو ورفلين لباحات الحرم الإبراهيمي والاقتحام المتكرر من جانب قطعان المغتصبين من فراغ؛ ذلك أن الاحتلال يدرك أن الأنظمة العربية باتت إما عاجزة أو عميلة بشكل تام ومطلق، وتعمل لخدمة المشروع الصهيوني، مثل تحالف الثورات المضادة، وهو أيضًا المحور ذاته المتحالف مع الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل على تمرير ما تسمى بـ"صفقة القرن"، وهي الصفقة الأمريكية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتمكين الكيان الصهيوني من القدس وتصفية قضية اللاجئين للأبد.

وكانت دراسة صهيونية نشرت نتائجها الخميس الماضي 29 أغسطس 2019م، قالت: إن "إسرائيل ترتبط بمستويات تعاون أمني واستخباري وسياسي مباشر مع كل من السعودية ومصر والأردن والإمارات"، مشيرةً إلى تعاون صهيوني سعودي إماراتي في مواجهة الاتفاق النووي الإيراني.

الدراسة التي أعدها "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية" (ميتفيم) تؤكد أن السعودية والكيان الصهيوني "يرتبطان بتعاون أمني سري هدفه مواجهة البرنامج النووي الإيراني وتدخلات طهران في المنطقة"، ونوّهت الدراسة إلى التقارير التي أشارت في السابق إلى موافقة السعودية على أن يستخدم سلاح الجو الصهيوني غلافها الجوي لضرب المنشآت النووية الإيرانية.

وبحسب الدراسة التي نشرت نتائجها صحيفة "هآرتس"، فإن القضية الفلسطينية "لم تعد عائقًا يحول دون تطور التعاون الأمني بين الرياض وتل أبيب"، مشيرة إلى أن هناك "مصلحة مشتركة لدى الطرفين في استقرار الأنظمة القائمة إلى جانب مواجهة تعاظم قوة إيران".

ولفتت إلى أن السعودية "لا تملك روافع ضغط يمكن أن تسهم في دفع تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قدمًا، باستثناء إمكانية إقدامها على تقديم مشاريع تسوية، على غرار المبادرة العربية".

وحول العلاقة مع مصر، نوهت الدراسة إلى أن "هناك مستوى كبيرًا جدًّا من التنسيق السياسي بين نظام السيسي وإسرائيل"، مشيرةً إلى أن الأجهزة الأمنية والاستخبارية في الكيان الصهيوني والقاهرة "هي التي تتولى إدارة هذا التنسيق وتطويره"، ولفتت إلى أن التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب تطور بشكل كبير مقارنة بالماضي، مشيرةً إلى أن ما يقلص من نجاحه هو الفارق الشاسع في التقنيات المتقدمة التي يعتمد عليها كل من الجيش الصهيوني والجيش المصري.

وأوضحت الدراسة أن "تطورًا ملحوظًا طرأ على التعاون الاقتصادي مع مصر، لا سيما عبر منظومة المناطق الصناعية الخاصة (QIZ)؛ إلى جانب تعاظم التعاون في مجال الطاقة"، معتبرةً أن تشكيل "منتدى غاز الشرق الأوسط" عزز من فرص هذا التعاون، وأشارت إلى أن ارتفاعًا كبيرًا طرأ على عدد السياح الصهاينة الذين يتوجهون لمصر، واستدركت الدراسة أن التطبيع مع الصهاينة يواجه بمعارضة كبيرة من قبل النخب المصرية.

وحول العلاقات الصهيونية الإماراتية، تقول الدراسة: "إن هناك تعاونًا أمنيًّا سريًّا بين تل أبيب وأبوظبي يستهدف القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني، وإن الإمارات ترتبط بإسرائيل بتعاون استخباري سري إلى جانب شرائها تقنيات أمنية، فضلاً عن مشاركتها في مناورات عسكرية يشارك فيها الجيش الإسرائيلي".

وحول التعاون الاقتصادي بين الكيان الصهيوني وأبوظبي، لفتت الدراسة إلى أنه يتعلق بالاتجار بالماس والتقنيات الأمنية، مشيرة إلى أنه بالإمكان زيادة مستوى التعاون عبر توظيف قطاع الأبحاث والبيئة والسياحة الطبية.

وفيما يتعلق بالأردن، قالت الدراسة: إن "العلاقة مع نظام الحكم الملكي في عمان تكتسب أهمية استراتيجية لإسرائيل"، مشيرة إلى أن هناك تعاونًا أمنيًّا مكثفًا وتنسيقًأ سياسيًّا كبيرًا بين الجانبين يهدف بشكل أساسي إلى استقرار المنطقة ومواجهة تحديات مشتركة، لا سيما الإرهاب، والتوسع الإيراني.

وشددت الدراسة على أن التعاون الاقتصادي مع الأردن يكتسب أهمية كبيرة للجانبين، مشيرة إلى أن الأردن "باتت محطة لنقل البضائع التي يتم استيرادها عبر ميناء حيفا لصالح دول خليجية، إلى جانب اتفاق بيع الغاز الإسرائيلي لعمان".