في شتاء عام 1975، أصدرت الأمم المتحدة القرار 3379، الذي ينص على أن "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". كانت الهند واحدة من بين 72 دولة، معظمها مستعمرات سابقة، أسهمت في ظهور هذا القرار التاريخي، الذي يرى أن الصهيونية أيديولوجيا قائمةٌ بشكل أساسي على الإقصاء السياسي، وأنها مسئولة عن فصل الفلسطينيين بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية. وفي ذلك الوقت كانت الهند جزءا من حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، وأدت دورا هائلاً في عزل جنوب إفريقيا، المعاون الوثيق للكيان الصهيوني.

لكن الهند الدولة الثانية الأكثر تعدادا للسكان في العالم شهدت خلال العقود الماضية تحولات كبرى على مستوى التوجهات والسياسات؛ ففي منتصف القرن العشرين وحتى نهايته كانت من أشرس المدافعين عن القيم الإنسانية.

 أما اليوم وتحت حكم حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني القومي المتطرف، الحاكم، بقيادة رئيس الوزراء نارندرا مودي. فقد باتت الهند دولة عنصرية تتسم بأعلى درجات الكراهية والتمييز ضد الأٌقليات من المسلمين على وجه التحديد، وباتت الهند التي كان تحارب الصهيونية باعتبارها شكلا من أشكال التمييز والكراهية تقوم بالدور القذر نفسه ضد المسلمين الذي تقوم به الصهيونية ضد المسلمين في فلسطين.

عنصرية ضد المسلمين

وتتجه الهند تحت حكم "بهاراتيا جاناتا" اليميني القومي المتطرف نحو مزيد من التوتر الطائفي؛ فبعد المادة 370 من الدستور في الشق الهندي من إقليم كشمير التي كانت تمنحه حكما ذاتيا، اتجهت الأنظار إلى ولاية آسام في شمالي شرق البلاد، على الحدود مع بنغلادش وميانمار، مع إعلان الحكومة استبعادها نحو مليوني اسم من قائمة بأسماء المواطنين في الولاية نُشرت مؤخرا، وذلك بعد عملية ضخمة تحت مسمى حملة "توثيق الجنسية" بدأت عام 2013 لفحص أوضاع المهاجرين "غير الشرعيين".. هذه الخطوة يقول منتقدوها إنها استهدفت الأقلية المسلمة في الولاية، وسط مخاوف من إمكانية أن يصبحوا من دون جنسية.

وبحسب وكالة الأناضول، فإنه بموجب الحملة، يتعيّن على جميع سكان الولاية البالغ عددهم قرابة 33 مليون شخص تقديم وثائق تثبت أن أجدادهم كانوا مواطنين هنودا قبل 24 مارس 1971، أي قبل قيام دولة بنجلادش. لكن منسق السجل الوطني في الولاية، براتيك هاجيلا، أوضح - في بيان - أن القائمة النهائية للسجل شملت 31.1 مليون مواطن، وهو ما يعني استبعاد 1.9 مليون اسم.

وأضاف: "على كل من يعترض على نتيجة فحص الطلبات والتظلمات أن يطعن عليها أمام محاكم الأجانب"، مضيفا أنه سنحت للجميع فرصة استماع كافية. وأمام المستبعدين 120 يوما لإثبات المواطنة أمام مئات الهيئات شبه القضائية في الأقاليم، والمعروفة باسم محاكم الأجانب. وإذا قضت هذه المحاكم بأن الشخص المعني لاجئ غير شرعي فبإمكانه الطعن أمام محاكم أعلى درجة.

ويمكن إعلان من رفضت استئنافهم المحاكم واستنفدوا جميع السبل القانونية الأخرى، كأجانب، ويجري نقلهم نظريا إلى واحد من ستة مراكز احتجاز، تمهيدا لترحيلهم المحتمل، علما أن بنجلادش لم تعلن بعد عن تعاونها مع الحكومة الهندية في هذا الصدد، وأعلنت الحكومة الهندية عن العمل على افتتاح عشرة مراكز احتجاز أخرى مماثلة. ويجري بناء مركز يتسع لثلاثة آلاف شخص في غوالبارا غرب غواهاتي، أكبر مدن آسام. وتضم المعسكرات حاليًا 1135 شخصا، وفق حكومة الولاية، وهي عاملة منذ سنوات.

ويتهم منتقدو الحزب الحاكم مسئوليه بإذكاء مشاعر الاستياء من المهاجرين واستغلال عملية التسجيل لاستهداف المسلمين، حتى وإن كانوا مواطنين. وخشية اندلاع أحداث العنف، قال مسئولون في الولاية: إنه لن يكون هناك إبعاد فوري لأي شخص.

وأشاروا إلى أن عملية استئناف قضائية طويلة زمنيًا ستتاح للجميع، على الرغم من أن ذلك يعني أن تعيش ملايين العائلات معلقة من دون وضع قانوني حتى اتخاذ القرار النهائي لحسم أوضاعهم القانونية.

وفي الهند حوالي 170 مليون مسلم، ما يعادل 14 في المائة من السكان، وهو ما يجعلها أكبر دولة تضم أقلية مسلمة في العالم. وبحسب إحصاء سكاني أجري في عام 2011، فإن 34.22% من سكان آسام هم من المسلمين؛ ما يجعلها ثاني أكبر الولايات من حيث نسبة المسلمين، بعد جامو وكشمير.

وبحسب الناشط البنغالي نازرول علي أحمد، فإن مكتب السجل الوطني يخدم أجندة أخرى مختلفة تماما، وقال لمحطة "بي بي سي" البريطانية: "ليست سوى مؤامرة لارتكاب فظائع"، مضيفا: "أنهم يهددون علنا بالتخلص من المسلمين، وما حدث لمسلمي الروهينجا في ميانمار، قد يحدث لنا هنا".

ورطة للحزب الحاكم

لكن التطورات الأخيرة لعمليات توثيق الجنسية، عصفت بالخطة الانتخابية لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم؛ حيث أظهرت تقديرات أولية جمعها متطوعون أن 1.9 مليون شخص تم إدراجهم على قوائم "الأجانب"، وهم نحو 1.1 مليون هندوسي و800 ألف مسلم؛ الأمر الذي يعني أن أكثر ضحايا هذا التوثيق هم من الهندوس الذين يمثلون قاعدة انتخابية للحزب الحاكم.

وحاليًا، يطالب الحزب بإعادة التحقق من حوالي 20% من سكان سبع مناطق في وادي "براهمابوترا"، هي: "دهوبري" و"غولبارا" و"بونغايغاون" و"باربيتا" و"دارانغ" و"ناغاونغ" و"موريغاون"، وكذلك منطقتين من مناطق وادي "باراك" الثلاث، وهما: "هايلاكاندياند" و"كاريم غانج".

ويقول كاليان باروا، خبير سياسي، بحسب "الأناضول": إن عدد المتخلفين عن تقديم أوراقهم الرسمية في تلك المناطق ذات الغالبية المسلمة أقل من المناطق الأخرى؛ بفضل دعم قانوني مجاني تلقاه السكان من منظمات مجتمع مدني إسلامية وجماعات دينية، مثل "جمعية علماء الهند".

إذا، الحزب الحاكم دعَّم بشكل كبير تحديث سجلات المواطنين وترحيل من فشلوا في إثبات جنسيتهم، لكنه أدرك الآن أن العديد من البنجاليين الهندوس المقيمين في وادي باراك، فشلوا في استخراج الأوراق المطلوبة، وبدأ الحزب باستهداف العملية بأسرها.

وأمام هذه التطورات العاصفة، يسعى الحزب الحاكم لإنقاذ الهندوس الذين تم إعلانهم أجانب ومنع ترحيلهم، عبر إعادة طرح مشروع قانون المواطنة المثير للجدل (بعد التعديل)؛ بهدف منح الجنسية لغير المسلمين من بنجلاديش وباكستان وأفغانستان.

وتم تمرير المشروع من جانب مجلس النواب (لوك سبها)، عام 2017، لكنه فشل في اجتياز مجلس الشيوخ (راجيا سبها)، في 2018. ووفقًا لمسودة المشروع، يتم منح الجنسية للهندوس والسيخ والبوذيين من بنجلاديش وباكستان وأفغانستان، بعد ست سنوات من إقامتهم في الهند، حتى لو لم يكن لديهم أي وثيقة.

لكن تلك الخطوة تستهدف إثارة مزيد من المشكلات في شمال شرقي الهند؛ حيث تتصارع العديد من الجماعات القبلية والسكان الأصليين للحفاظ على هويتها.

 وقال أخيل غوغوي، وهو كاتب: في آسام، كانت التحركات تستهدف الأجانب بغض النظر عن دينهم، ومن ثم تقرر إعلان أي شخص جاء إلى آسام بعد مارس 1971 على أنه مهاجر غير نظامي، سواءً كان هندوسيًا أو مسلمًا.

وبحسب سمير بوركاياثا، محلل سياسي، فإن الدين ليس هو المشكلة، إنها مسألة حماية السكان الأصليين من أن يغمرهم الأجانب في أرضهم، هذا هو الشعور السائد في معظم المجتمعات الأصلية؛ المهاجر غير مرحب به، بغض النظر عن الدين، لكن حزب بهاراتيا جاناتا فشل في فهم نبض المنطقة؛ لأنه يرى كل شيء من منظور الدين. في إشارة إلى عنصرية الحكومة الهندية واضطهادها للمسلمين.