تصاعد الغضب الثوري بين أبناء الشعب المصري وداخل مؤسسات الدولة حتى بين ما يسمى "الأجهزة السيادية" ضد قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي في أعقاب الكشف عن فضائح تتعلق بالفساد وتورط زوجته انتصار في إهدار أموال الدولة في مصالح شخصية وبناء قصور وفيلات خاصة.

ويرى مراقبون أن "الجيش" اتخذ قرار تنحية السيسي، ولكنه يتدارس سيناريو وطريقة التنحية، وهل ستكون بنفس طريقة التخلص من المخلوع حسني مبارك أم بانقلاب عسكري جديد؟!

وأكد المراقبون أن هناك تذمرًا وسخطًا داخل المؤسسة العسكرية بسبب تشويه صورتها وإثارة انتقادات ضدها من جانب قطاع كبير من الشعب المصري.

وقالت مصادر مقربة من دوائر صناعة القرار: إن ما تشهده البلاد من تصاعُد الغضب ضد السيسي والمطالبة برحيله ليس بالأمر العشوائي غير المدروس، مضيفة "يمكن وضعه في إطار صراع أجهزة وأجنحة في مستوى هو الأعلى منذ انقلاب السيسي ضد أول رئيس مدني منتخب الشهيد الدكتور محمد مرسي في 3 يوليو 2013".

موجة غاضبة

وكشفت المصادر عن أن "هناك قيادات سابقة وأخرى حالية في أجهزة ومؤسسات سيادية تدعم تلك الموجة الغاضبة وتغذّيها بتسريبات ومعلومات حقيقية بشأن مظاهر الفشل في إدارة الدولة، وتوريط مؤسساتها في صدام مقبل مع الشعب من جانب رأس السلطة، الذي اضطر لتقديم تنازلات عدة لأطراف إقليمية على مدار سنوات، تارة للسماح له بالترشح للرئاسة، وتارة أخرى للاعتراف بانقلابه في الثالث من يوليو 2013 ضد الرئيس مرسي.

وأشارت إلى وجود تيار مؤثر في عدد من المؤسسات المهمة في الدولة، بات رافضًا وجود السيسي، إلا أن هذا التيار في انتظار مَن يستطيع أن يجيد توجيهه وتوظيفه"، لافتة إلى أنه "كان هناك عائق لدى قيادات في أجهزة سيادية والمؤسسة العسكرية للتحرك ضد السيسي ووضع حد لسياساته، وهو أن الرئيس مرسي كان لا يزال على قيد الحياة، وسط جدلية الشرعية، لكن وفاة مرسي أزالت ذلك العائق وعجّلت ببدء تلك القيادات خطوات على طريق الإطاحة بالسيسي بعدما بات عبئًا على كل مؤسسات الدولة".

وأضافت المصادر أن "هناك أمرًا كان سببًا في تأجيج غضب قيادات عسكرية حالية ضد السيسي، وهو تشكيل قوة أمنية مسلحة منفصلة لا تتبع وزارة الدفاع، لحماية وتأمين السيسي بعيدًا حتى عن الحرس الجمهوري، كانت تتبع في قيادتها مكتب السيسي قبل أن تنتقل إلى رئيس جهاز المخابرات عباس كامل، ثم نجل السيسي محمود السيسي وكيل الجهاز".

وقالت: "مخطئٌ من يظن أن ظهور ضباط شرطة وجيش، وقريبًا قضاة، عبْر تسجيلات وكذلك خروج مستندات ووثائق تدين السيسي وأسرته والدائرة المقربة، أمر طبيعي أو غير مخطط له".

ولفتت المصادر إلى أن هناك تجمّعًا وتحالفًا تنامى على مدار السنوات الثلاث السابقة، بعض أطرافه كانوا رافضين لإجراءات اتُخذت ضد قيادات عسكرية بارزة، مثل ما جرى مع رئيس أركان القوات المسلحة السابق الفريق سامي عنان وإهانته وسجنه، وكذلك ما حدث مع الفريق أحمد شفيق الذي شغل في وقت سابق قائد القوات الجوية؛ إذ كان هناك تعمُّد لإهانتهما وليس مجرد رفض تحركاتهما بشأن الترشح للانتخابات الرئاسية.

وتابعت: "بالإضافة للعسكريين، هناك آخرون في جهاز المخابرات العامة رافضون لما حدث مع رئيس الجهاز السابق اللواء خالد فوزي، والطريقة التي تمت إزاحته بها لصالح إعادة هيكلة الجهاز بشكل يسمح لرجال السيسي، وفي مقدمتهم أبناؤه، بالسيطرة على الجهاز الذي تحدد إدارته أعرافٌ وتقاليد راسخة".

القضاة

كما نقل السيسي نجله محمود في وقت سابق من جهاز المخابرات الحربية إلى المخابرات العامة، قبل تصعيده بشكل سريع للغاية ومنْحه ترقيات استثنائية ليصل إلى رتبة عميد، ويتولى منصب وكيل الجهاز ويسيطر على معظم الملفات المهمة به، بعد ذلك دفع السيسي بنجله الآخر حسن خريج كلية الألسن، والذي كان يعمل في إحدى شركات البترول إلى الجهاز، وبات خلال فترة قصيرة المشرف على ملف الطاقة.

وأطاح السيسي خلال العامين الماضيين عبر قرارات جمهورية بعدد من قيادات ووكلاء جهاز المخابرات العامة، عبْر نقلهم إلى أعمال إدارية أو إحالتهم للتقاعد، بزعم أنهم كانوا من المحسوبين على رئيس الجهاز السابق خالد فوزي.

وأكدت المصادر دخول شخصيات قضائية بارزة على خط الأزمة؛ بسبب التحركات التي قادها السيسي لتركيع القضاة، وإهانتهم وإنهاء استقلال السلطة القضائية، عبر مجموعة من التعديلات الدستورية والقوانين، والتي لم يكن يجرؤ أي رئيس جمهورية على اتخاذها، بالإضافة إلى المساس بهيبة القضاة، لافتةً إلى ما حدث بشأن منع الأجهزة الأمنية من إجراء الجمعية العمومية التي دعا لها نادي القضاة أخيرًا لاتخاذ موقف بشأن القرار الخاص باستقطاعات الضرائب من رواتب القضاة، واعتبرتً أن "ما جرى من منْع الأمن للجمعية كان مهينًا للغاية".

سد النهضة

في المقابل يحاول نظام السيسي إثارة قضية سد النهضة لشغل الرأي العام وتوجيهه إلى وجهة بعيدة عن المطالبة بإسقاط حكم العسكر وفي هذا الإطار أعلنت حكومة الانقلاب فشل المفاوضات وعدم التوصل إلى حلٍّ مع إثيوبيا، بما يهدد ببوار ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية.

وكشفت المصادر عن أن إعادة إحياء قضية السدّ إعلاميًّا كانت بقرار من قائد المخابرات العامة، عباس كامل، في محاولة للسيطرة على الوضع الداخلي ومواجهة الاتهامات التي طالت الجيش و"عبد الفتاح السيسي" بالفساد.

وقالت إن التصعيد تقرّر بناء على مذكرة قدّمتها المخابرات إلى السيسي قبيل انعقاد مؤتمر الشباب السبت الماضي، وضمّنتها تأكيدات أن الرهان على ملف "النهضة" سيكون الركيزة الأساسية للدفاع عن السيسي، خاصة في ظلّ دعوات عديدة إلى التظاهر، والتخوف من تفاقم الأوضاع.

وأشارت المصادر إلى أن الأجهزة الأمنية تسعى لتفعيل الأزمة داخليًا على أنها قضية تتطلّب التفاف الشعب حول السيسي الآن والتغاضي عن أية دعوات إلى التظاهر، موضحة أن حكومة العسكر تتوقع أن تتسبب أزمة سد النهضة في تشتيت انتباه الداخل، باعتباره ملفًّا حساسًا يتعلق بنهر النيل ومستقبل مصر المائي، بعد أن فشلت جميع محاولات النظام في مواجهة حالة الجدل التي أثارتها فيديوهات المقاول ورجل الأعمال محمد علي.