السيسي الذي قال لأنصاره إنه لا يرى شيئا مقلقا، حشد كل موظفي الدولة للتظاهر دعما له، وأغلق 4 من محطات المترو الرئيسية، وألغى مباريات كرة القدم، وأغلق الميادين الرئيسية في المحافظات، وأعطى تعليمات للمستشفيات بالإبلاغ عن أي مصاب لاعتقاله، وجعل شوارع مصر ثكنات عسكرية.. فماذا كان سيفعل لو كان قلقا؟!

الهتافات التي قيلت في مظاهرات الجمعة على قلة عددها بسبب الحصار الأمني حملت مضامين مهمة تعدت السخرية من السيسي بعبارات "ارحل يا بلحة" إلى الهتاف: "لا الله إلا الله.. السيسي عدو الله"؛ ما يؤشر لحجم الغضب من القمع والفساد الذي يدفع لاتهام قائد الانقلاب أنه "عدو الله".

السيسي اعترف – رغم تكذيب إعلامه - بأن هناك مظاهرات خرجت ضده وظهر أنه منزعج منها، بدليل قوله بعد زفة رسمية وحشد في المطار: "اللي اتعمل قبل كده مينفعش تاني"، ولكن هذه التصريحات هي في الوقت نفسه اعتراف بأن جزءًا من الشعب خرج للتظاهر ضده، رغم أكاذيب وسائل إعلامه ومسئوليه أنه لم تكن هناك مظاهرات.

تصريحات النائب العام الذي عينه السيسي "حمادة الصاوي" بخصوص التحقيقات التي تخص مظاهرات الجمعة والسبت الماضيين، اعترف فيها باعتقال ألف مصري (بخلاف من هم في معسكرات التعذيب)؛ ما يؤكد أن هناك مظاهرات باعتراف رسمي وفي 5 محافظات ضد السيسي.

أيضًا اعترف بيان النائب العام أن من أسباب التظاهر "سوء أحوال بعضهم الاقتصادية"؛ ما ينفي ما يزعمه إعلام السيسي أنهم "إخوان" أو أن المظاهرات مموّلة من الخارج، وغيرها من الأكاذيب، وقال: "أرجع عدد آخر اشتراكه في المظاهرات لمناهضته النظام القائم بالبلاد"، وهو دليل آخر على رفض بعض المصريين حكم السيسي.

هناك سعيٌ مستمر لاستخدام فزاعة الإخوان لإقناع الشعب زورًا أن الإخوان سيعودون للحكم، وأنه أرحم للمصريين، وهذا ظهر في تصريحات السيسي ومسئوليه والنائب العام وحتى الفضائيات مع تحابيش الهدف منها إثبات صحة أكاذيبهم من تسريبات مفبركة عن تعليمات من قيادات الإخوان بتأجيج الوضع في مصر أو قتل أبرياء بدعاوى أنهم يخططون لأعمال عنف.

السيسي وأجهزته تعلموا درس 25 يناير ودرسوا مكامن ضعف الشرطة التي مكنت الشعب من هزيمة الشرطة والسيطرة على الميادين، لذلك طورت الشرطة أساليبها وتم تسلحيها بأسلحة ومدرعات جيوش، وانتهى الاعتماد على الأمن المركزي وحل محلها عدة تشكيلات من القوات الخاصة وغير الخاصة بمدرعات وأسلحة آلية غير معتادة، وتقفيل الميادين بالكامل وإجهاض مبكر واعتقالات وشرطة سرية، بينما استمر المتظاهرون يتعاملون مع الموقف بنفس تفكير 25 يناير.

تلويح السيسي مرة ثالثة بطلب تفويض من الشعب والغرور بأنه سينزل ملايين معناه القلق، ولا يتفق مع حشد 25 ألفًا فقط (حسب BBC) في مدينة نصر بالترغيب والترهيب والأوامر والرشاوى، ومؤشر واضح على غياب من كانوا ينزلون خداعًا فيه بعدما اكتشفوا حقيقته.

 https://twitter.com/gamaleid/status/1177618868258398208

رغم أن مصر بها على الورق أكثر من 100 حزب سياسي فقد تحولت إلى أحزاب تدعم السيسي الذي نجح نظامه في تدجين أكبرها (الوفد + التجمع + المصريين الأحرار)، وأصبح الجديد في ظل الانقلاب أن نرى نواب هذه الأحزاب يحشدون لصالح السيسي ويصدرون تصريحات كأنهم الحزب الوطني السابق في دفاعه عن مبارك.

والأحزاب القليلة التي عارضت مثل حزب الاستقلال (العمل) أو التحالف الشعبي (ناصري يساري) تم اعتقال قياداتها وأنصارها (اعتقال 20 من قيادات حزب الاستقلال).

أصبح واضحًا أن حزب "مستقبل وطن" هو حزب السيسي ومخابراته، وهو المكلف بالحشد والصرف على المحتشدين أو توزيع كراتين الرشاوى الانتخابية أو دفع أموال من يقوم بحشدهم لدعم السيسي (170 جنيها + وجبة جبنة نستو وعيش وحلاوة وكيس شيبسي)، وأنه مجرد أداة أمنية يستخدمونها لتحريك الشارع لصالحهم تحت غطاء حزبي واهٍ.

كان هناك غياب تام للنشطاء وثوار 25 يناير 2011، في المظاهرات الأخيرة، سواء لاعتقال من لا يزال مؤمنا بثورة يناير وأهدافها، أو تدجين آخرين أو لسبب آخر أفصح عنه اثنان منهما، وهما "وائل عباس" و"أسماء محفوظ" من السخرية من "محمد علي" كونه فاسدا وتعامل مع الفسدة من داخل المؤسسة العسكرية، ويريد أن يلبس ثوب المناضل، وهو ما لا يقارن مع التضحيات التي قدموها، وربما تكون تغريدتاهما محاولة للتهرب من النزول والاعتقال وادعاء الاستقلال أو احتراق صورتهما مع قوى المعارضة التقليدية التي قادت ثورة يناير 2011.

غاب عن المشهد "حمدين صباحي" و"محمد البرادعي"، والاثنان كانا في مرمى نيران وسخرية المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، مذكرين بما فعلاه تجاه الرئيس الشهيد محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، في العام الذي تولى فيه الحكم، مقابل صمت القبور تجاه أداء الديكتاتور السيسي، وشذ عنهما "علاء الأسواني" الذي أيد "محمد علي" واعتبره بطلاً شعبيًّا وهاجم السيسي بعدما كان يعتبره "آيزنهاور" المصري الذي أنقذ مصر من الإخوان، وفق زعمه!

أي متابع للمشهد السياسي المصري لا يخفى عليه تأثير جماعة الإخوان المسلمين في التنظيم والحشد، والمنصفون ممن عاصروا الأيام الصعبة وقت ثورة 25 يناير يتذكرون جيدا وبعرفون أن ميدان التحرير لم يكن ليصمد وقت موقعة الجمل لولاهم، ولهذا يعتبر مراقبون أن عدم المشاركة القوية للإخوان في مظاهرات السيسي سبب في ضعفها ولأسباب تتعلق بحملات قتلهم واعتقالهم المستمرة.

إن حكما عسكريا مستمرا 65 عاما ونظاما عسكريا له سيطرة كاملة على الثروة والسلطة ومفاصل الدولة ومقدراتها، وخلفهم جيش من أصحاب المصالح والمنتفعين، والآكلين على كل الموائد لن يستسلم أو يسقط في يوم أو يومين، ولن يتركوا كل هذا بسهولة.

مشاهد من زفة الحشد الرسمي

أظهرت الصور التي نشرت على مواقع التواصل أن السيسي أخرج معسكرا كاملا من الجيش أو الكلية الحربية يرتدي "يونيفورم" موحد أمام المنصة؛ ليزيد عدد المؤيدين له، وهو تطور لافت ومؤشر لفشلهم في الحشد، رغم الترغيب والترهيب والرشاوى، ولغباء سياسي لم تفعله أعتى الأنظمة القمعية في العالم.

 https://twitter.com/liliandaoud/status/1177650700186247168

 https://twitter.com/AhmedElbaqry/status/1177610369730301952

من طرائف ما نشر عن الحشد لتأييد السيسي نشرت صحيفة "أخبار اليوم" خبرًا بعنوان: "المتظاهرون يضعون بوابات إلكترونية لتأمين الجمهور المحتشد أمام المنصة"؛ ما دعا رواد مواقع التواصل للسخرية منهم بالقول إن الجمهور حمل معه البوابات الإلكترونية، وهو نازل من بيته!، بينما الحقيقة أنه دليل واضح على الدور الأمني في حشد المؤيدين وتفتيشهم بدقة رغم أنهم تبعهم (الصحيفة حذفت الخبر ولم يعد يفتح).

https://www.masress.com/akhbarelyomgate/72918946

https://twitter.com/Monasosh/status/1177587025609924608