بالتزامن مع استمرار تراجع شعبية شرطة الانقلاب بسبب عمليات الاعتقال والتعذيب وتفتيش الهواتف المحمولة في الشوارع، بدأت داخلية الانقلاب الاتجاه لإنتاج أغان وطنية لجذب ولاء المصريين، متبعة خطى الجيش الذي اتجه إلى هذه الوسيلة أيضًا.

وجاء إنتاج الشرطة والجيش للأغاني التي تدّعي "الوطنية" بعدما اتجه الجيش والأجهزة الأمنية والمخابرات مؤخرًا لشراء شركات إنتاج، وإنتاج أفلام سينمائية أيضًا تضرب على وتر الوطنية؛ سعيًا لحشد ولاء المصريين الذين بدءوا يدركون جرائم الانقلاب؛ بسبب تأثر الشعب المصري بالأغاني والأفلام.

وبدأ الجيش والشرطة في إنتاج الأغاني مباشرةً لتوصيل رسائلهم الأمنية والسياسية للشعب المصري، بعدما كان الاعتماد سابقًا على الأغاني الوطنية التي لم تكن تلتزم بالأسلوب الأمني نفسه في توصيل رسائل الطرفين رأسًا للمصريين.

أغاني "الشرطة"

وطرحت داخلية الانقلاب أغنيتين وطنيتين من إنتاج قطاع الإعلام والعلاقات بالوزارة، لمخاطبة الشارع وجذبه بربط كلمات الأغنية بالوطنية والانتماء.

الأغنية الأولى جاءت بعنوان "احنا الفراعنة"، تضرب على وتر الانتماء والتحدي، وتذكر المصريين بإنجازاتهم على مرّ العصور.

وركزت أغنية "احنا الفراعنة" على تاريخ مصر على مر العصور، منذ الحضارة الفرعونية، وتاريخ المصريين في التأثير على العالم، وتضمنت مشاهد لمعابد أثرية، وحروب قديمة، ومشاهد لمشاريع.

وركزت الأغنية على مشروعات السيسي الفنكوشية، مثل تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية، وشبكة الطرق والكباري، وخاطبت المصريين بعبارات: "شوف اللي بيحصل حوالينا، واعرف مين احنا، احنا الفراعنة احنا اللي محدش يكسرنا وتضييع ملامحنا، لو فكرنا في حاجة بنقدر نعملها في ثانية".

https://youtu.be/znlep0KKRu4

وجاءت الأغنية الثانية "متصدقش" لمحاربة ما تقول داخلية الانقلاب إنه "الشائعات والأخبار الكاذبة التي تبث عبر فضائيات جماعة الإخوان من خارج مصر"، وذلك كأحدث الوسائل للتواصل مع الشارع المصري ومحاولة إبعاده عن تأثير الفضائيات غير التابعة لسلطات الانقلاب؛ ما يؤكد اعترافها بقوة هذه القنوات وتأثيرها.

وقد ركزت هذه الأغنية على جهود الشرطة والجيش في حفظ الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب والعلاقات الخارجية مع الدول العربية ومصر، وجهود قائد الانقلاب السيسي في توطيد تلك العلاقات.

https://youtu.be/-IZsD37DkTY

وتبادلت الشرطة والجيش إهداء الأغاني لبعضهم بعضًا؛ حيث أهدت داخلية الانقلاب أغنية "رافع الراية" إلى الجيش، وأهدى الجيش أغنية "تحية من الجيش المصري"، للشرطة المصرية في عيدها السنوي.

·       https://www.youtube.com/watch?v=ECqlLtLsgVc&feature=share

·       https://www.facebook.com/watch/?v=1153255551472092

أغاني الجيش

أنتجت إنتاج إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية العديد من الأغاني الوطنية في الآونة الأخيرة، تركز على بطولات الجيش والشرطة، واهتم المتحدث العسكري بنشرها وتوزيعها والتنويه عنها على حسابه الرسمي على مواقع التواصل؛ كأنه شركة إنتاج للكاسيت وشرائط المطربين بدلاً من دوره العسكري.

أشهر هذه الأغاني: "حدوتة"، وأغنية "سامحيني ياما" احتفالاً بيوم الشهيد، و"كلنا إنسان" و"أرض الكنانة"، بخلاف إنتاج أفلام مثل: "سلام شهيد" و"برومو يوم الشهيد"، و"إني أهيم بمصر" التي كتب كلماتها مستشار السيسي للشئون الدينية أسامة الأزهري.

·       https://twitter.com/EgyArmySpox/status/1104809856253521924

·       https://www.facebook.com/watch/?v=1912533772209487

·       https://www.facebook.com/watch/?v=1127772494073462

أزمة الأغنية الوطنية

يرى مؤلفون وخبراء دعاية أن هناك أزمة في الأغنية الوطنية في العالم العربي بعدما كانت تلعب سابقًا دورًا في حشد الشعوب العربية وراء حكوماتها، ويرجعون نقصها إلى غياب المشروع أو الفكرة القومية التي توحّد الشعب ويغني لها، وقصر الغناء الوطني حاليًّا على الزعيم أو رئيس الدولة والتغنّي بإنجازاته.

وقد اختلفت نبرة الأغنية الوطنية المصرية بحسب العصر الذي ظهرت فيه، منذ عهد الملك فاروق ثم 23 يوليو 1952، ثم الحقبة الناصرية والساداتية، حتى عصر مبارك وقيام ثورة 25 يناير، ثم عهد انقلاب السيسي.

حيث اشتهرت مصر منذ أيام الاحتلال الإنجليزي بالأغنية الوطنية التي تستهدف حشد المصريين وراء الثورات الشعبية أو السلطة، والتي يرجع تاريخها مع ثورة 1919 عبر صوت سيّد درويش، وبعدها ثورة 1952 ثم عام 1956 بصوت أم كلثوم، فحرب أكتوبر 73.

ومن أشهر الأغاني الوطنية التاريخية القديمة "قوم يا مصري مصر دايما بتناديك"، و"والله زمان يا سلاحي"، الذي صدر قرار باتّخاذها سلامًا جمهوريًا في 1960، ومن أشهر الأغاني الحديثة عقب حرب أكتوبر 73 والفترة التالية لها: "يا حبيبتي يا مصر".

وعقب هزيمة مصر عام 1967، سعت المخابرات الحربية لشحذ همة المصريين بالأغاني الوطنية التي انتشرت انتشارًا كبيرًا، بعدما شارك في تلحينها وغنائها قامات كبيرة، مثل: محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ.

وكان من أشهر هذه الأغاني: "وطني حبيبي الوطن الأكبر" لمجموعة من المطربين الكبار، و"وعدّى النهار" لعبد الحليم حافظ، و"الأرض بتتكلّم عربي" لسيد مكاوي، و"أم الصابرين" لشادية، وغيرها.

وهناك دراستان متعمقتان للدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، والدكتورة ياسمين فراج، الأستاذة بأكاديمية الفنون، حول تاريخ الأغنية الوطنية والتغيرات التي طرأت عليها، وكيف كانت مقياسًا أو مجسًّا للواقع السياسي، منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم.

ويؤكد لجوء الشرطة والجيش المكثف لإنتاج الأغاني والأفلام بعد شرائهما عشرات شركات الإنتاج الفني وتحول الشئون المعنوية إلى شركات كاسيت، حالة الرعب من قبل الانقلاب من التحول في مزاج الشعب المصري، وكشفه عن خداع العسكر برغم تسخير عشرات الصحف والفضائيات لغسيل مخه، ولذلك قرروا اللجوء إلى الإنتاج الفني علّه يؤثر في المصريين كما حدث في سنوات سابقة.

بيد أن هذا الإنتاج جاء هزيلاً ويمجّد قائد الانقلاب وما يسمونه إنجازات، وهي فنكوش أدركه الشعب وأدرك الفساد أيضًا وبدأ يتحرك ضد الانقلاب.