توقع موقع مودرن دبلوماسي Modern Diplomacy  اشتعال ثورة المصريين ضد نظام الانقلاب العسكري في 25 يناير المقبل في الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير 2011 التي أنهت حكم المخلوع حسني مبارك.

وقال الموقع - في تقرير نشره بعنوان الشرق الأوسط -: تحول المد والجزر في مصر انه إذا واصل "السيسي" حكمه الاستبدادي الانقلابي، وظلت العناصر الجيدة داخل الجيش سلبية، فمن المحتمل أن يندلع بركان الغضب الشعبي في 25 يناير .

وأشار التقرير إلى بعض الجرائم التي ترتكبها سلطة الانقلاب العسكري بقيادة المجرم السيسي ضد المصريين، مؤكدا أنه منذ 3 يوليو 2013، أصبح السجن الجماعي والقتل الجماعي للمدنيين على نطاق واسع، وتم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في وضح النهار، منها ما حدث في ميدان "رابعة عندما قتلت قوات الجيش والشرطة أكثر من 800 محتج سلمي ضد الانقلاب".

وأوضح أن السيسي يحاول التغطية على وعوده الزائفة وحكمه الديكتاتوري، بعسكرة مصر، لافتا إلى أنه بنى ثكنات عسكرية وأمنية في كل مكان، كما بنى أكثر من 30 سجنا ضخما لاعتقال الأحرار.

نص التقرير

لا يعد التغلب على الاستبداد سهلا، وليس مستحيلا كذلك.. ويعرف الشعب المصري ذلك جيدا؛ حيث لا تزال مصر تعيش عقدا من الأمل والإحباط، وفي تلك الفترة الحاسمة، خلع المصريون مستبدا فاسدا، وهو "حسني مبارك"، وانتخبوا أول رئيس لهم، وهو الرئيس الشهيد محمد مرسي، في انتخابات نزيهة ومراقبة دوليا.

وفي غضون 365 يوما، قاموا بالتهليل لجيشهم الذي نفذ انقلابًا قام خلاله بتثبيت عبدالفتاح السيسي الذي كان وزير الدفاع آنذاك، ولم تعد الأمور إلى حالها منذ ذلك الوقت.

ومنذ 3 يوليو 2013، أصبح السجن الجماعي والقتل الجماعي للمدنيين المستهدفين ظواهر مقبولة على نطاق واسع، وتم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في وضح النهار، في ميدان "رابعة"، عندما قتلت القوات العسكرية والأمنية أكثر من 800 محتج سلمي ضد الانقلاب ينتمون إلى جماعة "الإخوان المسلمين" أو متعاطفين معها. وكانت تلك الحادثة حملة قتل مروعة، وصفتها "هيومن رايتس ووتش" بأنها "واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد في التاريخ الحديث"، على الرغم من أن "حماة الديمقراطية الغربيين" اتخذوا في الغالب موقفا بين اللامبالاة والارتباك.

منقذ مصر

وهيمن "السيسي" منذ ذلك الوقت على سلطات هائلة، واتسم حكمه بالقسوة الشديدة، وتولّت حكومته الانقلابية السيطرة المطلقة على تدفق المعلومات؛ ما جعل أي تدقيق موضوعي في الخطاب السياسي أو المطالبة بمحاسبة السلطة جريمة من نوع ما، وأصبحت الشوفينية وازدراء "الإخوان المسلمين" واجبا وطنيا.

في السياق نفسه، اعتمد "السيسي" في شرعيته على اعتبار نفسه منقذ مصر الوحيد من تهديد الإرهاب الدائم، مدعيًا أنه رجل لم يبحث عن السلطة مطلقا، لكنه اضطر إلى التصرف لأن المصريين طالبوه بذلك، وبذريعة "القضاء على الإسلام السياسي" بأي طريقة، تم السماح لـ"السيسي" بقتل "الربيع العربي" في مصر.

وكان على المصريين الخضوع لفترة طويلة مؤلمة لتعلم الدرس الصعب، واكتشاف "السيسي" الحقيقي كرجل غير كفء ومخلف وعوده التي لا تحصى، وكان وعده الأكثر سخرية حين أعلن أنه سيدعم الديمقراطية، وأنه لن يبقى في السلطة ثانيةً إذا رأى المصريون أنه غير لائق.

وقام "السيسي" - في نهاية المطاف - بتشكيل برلمان موالٍ له قام في نهاية الأمر بتعديل الدستور لصالحه؛ حتى يتمكن من حكم مصر حتى عام 2034 على الأقل.

وبسبب التأثير السلبي لمثل هذه المجموعة من الوعود الزائفة والطبيعة القاسية لحكمه الديكتاتوري، وجد "السيسي" أن عسكرة مصر المفرطة هي أفضل حماية له؛ لذا فإنه بنى ثكنات عسكرية وأمنية في كل حي تقريبًا، كما بنى أكثر من 30 سجنًا ضخمًا، وتحلق الطائرات المقاتلة بشكل روتيني فوق القاهرة، لتذكير الناس بالتهديد الدائم، وإخضاع نفسية المواطن العادي ليبقى منقادا بشكل عميق.

محمد علي

وحين بدا المصريون مقيدين بسبب الكساد السياسي، ظهر رجل حرك سكون المصريين وبدأ "محمد علي"، الذي يقيم حاليًا في إسبانيا، سلسلة من مقاطع الفيديو التي كشف عن كيف أن "السيسي"، وجنرالاته المقربين، قد أخذوا الفساد الحكومي إلى آفاقٍ جديدة.

وكان "علي" صريحا مع الجماهير الساخطة والمضطربة. ومنذ البداية، أوضح أنه لم يكن رجلاً متعلمًا، وأنه لم يكن معروفًا عنه الاستقامة الأخلاقية، أو الثورية، أو الرغبة في العمل لصالح حزب سياسي أو فصيل ديني أو آخر.

واعترف "علي" أنه كان مقاول إنشاءات يتلقى عقودا مربحة من الجهاز العسكري "الفاسد" منذ 15 عاما، وتم منح هذه العقود بشكل روتيني بالأمر المباشر دون أي مناقصات لقلة مفضلة من المستعدين للعب هذا الدور مع الجيش.

وعلى مدار أسابيع، كان "علي" ينشر رسائل عفوية، يتحدث فيها بلهجة عامية، ويسرد تفاصيل وأرقاما لا يمكن دحضها، في رسالة مفادها أن "السيسي" منافق يهدر الموارد الضئيلة لدولة تعاني من البطالة الجماعية والتضخم المفرط والتدهور في التعليم والصحة، وتعاني من الحرمان الشديد الناتج عن التقشف الاقتصادي، ومن بين أشياء أخرى، قال: إن "السيسي" كلفه ببناء 5 قصور رئاسية ضخمة لنفسه، في وقت كان يخبر فيه الشعب أن عليه شد الأحزمة لأن مصر دولة "فقيرة للغاية".

ولمست رسالته بكل بساطة المصري العادي، الذي سئم من انعدام كفاءة العسكريين الذين سيطروا على كل صناعة تقريبا في الاقتصاد المصري، وبالإضافة إلى صناعة البناء والتشييد، يحتكر الجيش مواد البناء، مثل الإسمنت والطلاء، والإنتاج الزراعي، والأطعمة المعلبة، والآن صناعة الأدوية، وهو مشروع يقوده "محمود السيسي"، نجل قائد الانقلاب.

وأصبح "علي" بطلاً شعبيًّا بين عشية وضحاها، وأصبحت مقاطع الفيديو خاصته شائعة في مصر، وأصبحت قناة "أسرار محمد علي" على يوتيوب هي منفذ الاطلاع على الحقائق والأرقام، وبصفته شخصًا لا ينتمي إلى أي مجموعة سياسية أو فكرية أو دينية، في وقت يتحدث فيه بسخرية تشبه حديث القاعدة العريضة من الجماهير في المصر، فقد أصبح المحرك الذي يجمع عليه الناس لأول مرة.

جدران الخوف

وفي البداية، تم إنكار تأثير ظاهرة "محمد علي" والاحتجاجات الكبيرة التي خرجت في مدن مختلفة، ولكن بمجرد أن بدأت وسائل الإعلام الدولية في تغطية تلك الأحداث، بدأت وسائل الإعلام الحكومية في مصر تشويه سمعة المنظمين للاحتجاجات بوصفهم لا يشاركون بأنفسهم في المظاهرات، ولكن يضللون الآخرين للسير في طريق الأذى. وعندما لم ينجح ذلك، بدءوا في اتهام المتظاهرين بأنهم خونة موّلتهم جماعة الإخوان وعناصر أجنبية.

ورغم ذلك كان "السيسي" في النهاية مضطرًّا للرد بنفسه والاعتراف ببناء القصور التي زعم أنه بناها من أجل "مصر"، لكن رسالته لم تقنع المصريين على ما يبدو، ورغم 6 أعوام من القبضة الأمنية الحديدية، جاء في النهاية يوم 20 سبتمبر ، الذي سيتم ذكره في تاريخ مصر، وهو اليوم الذي انقلب فيه المد والجزر ضد "عبدالفتاح السيسي"؛ حين تحدت الجماهير الغاضبة قمع حكومة الانقلاب، وخرجت في مظاهرات بجميع أنحاء مصر هاتفة رافعة شعارات رافضة لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ومعادية لقيادات الجيش وممزقة صور "الديكتاتور المفضل" للرئيس "ترامب" في الأماكن العامة، وهذه المرة، لم يكن من الممكن وصف الغضب باعتباره مؤامرة تقودها جماعة الإخوان المسلمين.

جنون العظمة

بدأت الاحتجاجات تلمس جنون العظمة لدى المجرم "السيسي"، وصدرت الأوامر للجيش وقوات أمن الانقلاب بإقامة نقاط تفتيش استراتيجية، حيث يتم توقيف الأشخاص للخضوع لعمليات تفتيش صارمة، ويتم مطالبة الأشخاص العاديين بتسليم هوياتهم وهواتفهم وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، حتى تتمكن قوات الانقلاب من التحقق من كيفية تداولهم للأخبار، ومن يتواصلون معه، وما الذي كانوا يصورونه.

وتم إلقاء القبض على أكثر من 2000 شخص، فيما وصفته منظمة العفو الدولية بأنها أكبر موجة من الاعتقالات الجماعية منذ انقلاب السيسي على السلطة، وتم اختطاف كثيرين آخرين على أيدي رجال يعملون مع الشرطة، ولا يُعرف مكان وجودهم حتى الآن.

ومن بين المعتقلين أكاديميون علمانيون معروفون، وصحفيون، وقادة سياسيون، وناشطون، كما شملت الاعتقالات طلابًا أجانب تم اعتقالهم وتعذيبهم ليخرجوا فيما بعد باعتراف موحّد أنهم يعملون لصالح الإخوان المسلمين في مهمة لإثارة الاضطرابات في مصر.

وتم نقل اعترافات هؤلاء بواسطة "عمرو أديب"، أحد أشهر الإعلاميين المدافعين عن "السيسي"، ومن المثير للاهتمام أنه تم إطلاق سراح 3 من هؤلاء "المخربين الأجانب"، بعد أن جادلت حكوماتهم بأنهم تعرضوا لاتهامات خاطئة، وكشف أحدهم - وهو طالب سوداني - عن أنه تعرض للصعق بالكهرباء في جسده والتهديد بالموت ليدلي بهذه الاعترافات التي تم تلقينه إياها عبر ورقة مكتوبة.

وفي الأسبوع التالي، بينما كانت القاهرة قيد الإغلاق تقريبًا لإبعاد المتظاهرين الرافضين لسلطة الانقلاب، كان المتظاهرون المؤيدون للسيسي وحكومته ومعظمهم من موظفي الحكومة، وجنود الجيش والشرطة، وموظفي وعمال الشركات الخاصة التي يوالي أصحابها "السيسي"، كانوا قد تم نقلهم بالحافلات إلى موقع للتظاهر حاملين صور "السيسي".

وفي حين أن هذا قد يعطي الانطباع بأن طريقة عمل "السيسي" القمعية لا تزال فعالة، وأن المحتجين المناهضين للانقلاب سوف يسكتون بشكل دائم، لكنه من السذاجة أن نفترض أن هذا الغضب الأخير قد تعثر، وقد أثر قمع "السيسي" على ملايين الأسر عبر أعوام من الانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.

تقف مصر اليوم عند نقطة تحول، وهذه المرة يمتلئ المتظاهرون بالغضب، وتجمعهم الخبرة ووحدة القضية، وإذا واصل "السيسي" حكمه الانقلابي الاستبدادي، وظلت العناصر الجيدة داخل الجيش سلبية، فمن المحتمل أن يندلع بركان من الغضب الشعبي في مصر في 25 يناير في الذكرى التاسعة للثورة المصرية التي أطاحت بالمخلوع حسني مبارك.