يواصل نظام العسكر سياسته في بيع مصر وحرمان الشعب المصري من كل موارد بلاده وخيرات أرضه، وفي هذا السياق أعلنت حكومة الانقلاب أنها ملتزمة بالخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي بشكل كامل، وقالت إنها ستواصل برنامج بيع الشركات المملوكة للدولة، وهو البرنامج الذي بدأه نظام المخلوع حسني مبارك في التسعينيات وعرف بنظام الخصخصة والذي أضاع على البلاد المليارات.

كان المخلوع حسني مبارك قد بيعت في عهده خلال 18 عامًا من الخصخصة شركات من القطاع العام قدرت أصولها بمبلغ 500 مليار جنيه، بأقل من 10% من قيمتها الحقيقية.

وبلغت حينها حصيلة البيع 48 مليار جنيه، استخدم 30 مليار جنيه منها لإعادة هيكلة شركات أخرى؛ تمهيدًا لبيعها، ولم يدخل الموازنة العامة للدولة منها سوى 18 مليار جنيه، تم توجيهها لسداد عجز الموازنة.

التجربة بحذافيرها تعاد هذه الأيام في عهد الخائن عبدالفتاح السيسي، مع فارق أن الحكومة في عهد المخلوع كانت تبيع الشركات الخاسرة، لكن الحكومة في عهد قائد الانقلاب السيسي تبيع الشركات الناجحة.

خطة التدمير

وأعلنت حكومة العسكر في 18 مارس الماضي تفاصيل المرحلة الأولى من برنامج طروحات الشركات الحكومية التي تعتزم القيام بها خلال الفترة المقبلة، وتستهدف طرح حصص بين 15 و30% من 23 شركة مملوكة أو تسهم فيها الحكومة الانقلابية، ووفقًا لوزارة المالية بحكومة الانقلاب تصل القيمة الإجمالية للأسهم المطروحة إلى 80 مليار جنيه، بينما تصل القيمة السوقية للشركات إلى 430 مليار جنيه.

كما بحث قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي مع حكومته الانقلابية خطة تدمير ما تبقى من شركات القطاع العام من خلال طرح عدد من الشركات في البورصة.

وتهدف الخطة إلى طرح أكثر من 20 شركة في البورصة؛ بزعم توفير تمويل إضافي لتلك الشركات لتمويل التوسعات الاستثمارية، وزيادة حجم التداول في البورصة، وجذب استثمارات جديدة، ويتضمن برنامج الطرح شركات في مجال الطاقة والبتروكيماويات والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات.

وشهدت السنوات الماضية تسارع وتيرة بيع شركات القطاع العام من جانب السيسي وعصابته، وكان الإعلان عن هذا المخطط صراحة في اجتماع السيسي بوزيرة الاستثمار في يوليو 2016؛ حيث تمت مناقشة برنامج طرح جزء من رأسمال الشركات المملوكة للدولة للاكتتاب للمستثمرين بالبورصة.

وفي العام الماضي، أعلنت حكومة الانقلاب عن طرح قائمة تضم 23 شركة تسيطر عليها الدولة في السوق كدفعة أولى.

وقالت مصادر مطلعة: إن المجموعة الأولى ستشمل شركات يجري تداول أسهمها بالفعل في البورصة، وفي الغالب أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.

برنامج الخصخصة

وحول تفاصيل جريمة بيع الشركات العامة: قال محمد متولي، الرئيس التنفيذي لشركة إن.آي كابيتال: "أعتقد، بناءً على الاجتماعات الأسبوعية التي حضرتها، أن حكومة الانقلاب ترغب بشكل لم أره من قبل في المضيّ قدمًا في برنامج الخصخصة".

وأضاف: لم يكن هناك أبدًا تكاسل في ذلك. الأمر يتعلق بأشياء يستغرق إعدادها وقتًا أطول من المتوقع، وفق تعبيره.

وأرجع متولي التأخيرات إلى ضعف الأسواق وعقبات قانونية وعدم جاهزية المستندات المالية للشركات، وفي بعض الحالات إلى هبوط في دورة أنشطة الأعمال.

وتوقع أن تبلغ حصيلة بيع الحصص 40 مليار جنيه، وهو ما يعادل تقريبًا خمسة بالمئة من القيمة السوقية الحالية لسوق الأسهم المصرية، التي تقدر بما بين 750-800 مليار جنيه.

وقال متولي: لدينا صفقات قليلة معطلة بسبب العقبات التي تعرقل طرح أسهم الشركات في السوق، هياكل الملكية المعقدة، مع وجود كيانات مختلفة تتطلب إجراءات قانونية مختلفة لبيع أصولها، لكننا تجاوزنا ذلك الآن، مشيرًا إلى أن بيع حصص في بعض الشركات قد يواجه تأخيرًا محتملاً في المستقبل؛ بسبب الطرح العام الأولي المزمع لشركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة، الذي ربما يتم الإعلان عنه الأسبوع القادم.

وأشار إلى أن هناك عقبة أخرى تتمثل في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي خلقت وفرة في المنتجات التي تبيعها بعض الشركات، وهو ما أدى إلى خفض أسعارها بنسبة 30-40 في المئة وخفض التقييمات بشكل مؤقت، زاعمًا أن هذه المشاكل يجري حلها، وهو ما يمهّد الطريق أمام طرح حصص للبيع ربما بشكل أسرع.

صندوق النقد

وقال د. رشاد عبده، الخبير الاقتصادي: إن بيع الشركات الحكومية يأتي ضمن خطة خصخصة 115 شركة عامة، وذلك بعد قرار صندوق النقد الدولي  إقراض نظام العسكر 12 مليار دولار لسد عجز الموازنة، والذي اشترط - للموافقة على تسليم القرض - خصخصة بعض الشركات العامة.

وأكد عبده - في تصريحات صحفية - أن صندوق النقد يتحكم بنسبة 80% على القرارات المرتبطة بالاقتصاد المصري ولم يتبق سوى إلغاء الدعم نهائيًا وتسريح العمالة الحكومية.

وأشار إلى أن عملية الخصخصة كانت مطلبًا ضمن شروط الإقراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتبرر حكومة الانقلاب ذلك بحاجتها للمزيد من السيولة، خاصة من العملات الأجنبية، في ظل العجز الذي تعاني منه، وضعف معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، وبعد التعويم ستكون تلك الأسهم أرخص بالنسبة للأجانب".

القطاع الخاص

وحذر وائل النحاس، الخبير مصرفي، من أن حكومة العسكر إذا سعت لبيع شركات المرافق للقطاع الخاص، وبيع 51%، من الأسهم للبورضة، فسيكون المتحكم في التسعير القطاع الخاص وليس الحكومة ما سينعكس فى النهاية على المواطنين.

كما حذر النحاس - في تصريحات صحفية - من بيع شركات المياه والكهرباء وخصخصتها؛ لأنه سيترتب على ذلك ارتفاع أسعار الفواتير على المواطنين بشكل كبير جدًا.

سيولة دولارية

وقال مصطفى عبدالسلام، المحلل اقتصادي، إن "حكومة العسكر لجأت لبيع الشركات الناجحة مثل الشركة الشرقية للدخان؛ لأنها ستبيعها بالدولار بقيمة كبيرة، ظنًا منها أنها ستوفر لها سيولة دولارية ضخمة وقت البيع، وتخفف من أزمة ضعف المعروض من الدولار وارتفاع سعره مقابل الجنيه المصري لمستويات قياسية، وتساعد في سداد القروض الخارجية أو سداد قيمة الواردات للسلع الاستراتيجية، خاصة القمح والذرة والسلع التموينية والوقود".

وأضاف عبد السلام - في تصريحات صحفية - أن قيام حكومة الانقلاب ببيع الأصول سيضر بالقيمة الحقيقة لاقتصادها لمجرد سداد ديون تتراكم، معتبرًا أن ما تفعله هو حل مؤقت، كأن تقترض لسداد ديونك.

وأكد أن ما يقوم به نظام الخائن السيسي يتم بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط على الحكومات خفض الدين العام، وتقليل عجز الموازنة، لذلك يتم بيع شركات رابحة حتى يحقق هذا الغرض، إضافة لسداد الديون الخارجية.