السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استشهد زوجي أسأل الله أن يتقبله، وترك لي طفلا عمره كان وقت الاستشهاد حوالي 6 شهور فقط، والآن وبعد أن صار عمر ابني حوالي 4 سنوات ونصف وهو يسألني كثيرا عن والده الشهيد، فكيف يمكنني أن أجيب عن تساؤلاته، علمًا بأنه يعرف والده فقط من الصورة، وعندما يسألني: أين أبي؟ أجيبه: في الجنة.. وأننا سنذهب عنده إن شاء الله.. فإلى أي حدٍّ جوابي مقنع له؟ أرجوكم إفادتي.

نقطة أخرى: ابني الوحيد كان في بداية كلامه عاديًّا وينطق بشكل سليم، حاليًّا عمره 4 أعوام ونصف، منذ أسبوع أصيب ابني بداء "التأتأة"، أي يكرر بدايات الكلام عدة مرات.. أتساءل: ما السبب؟ وكيف يمكن التعامل معه؟

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

قبل الرد على استفساراتكم أقولها - وهذا أضعف الإيمان-: قلبي معكم ومع أطفالكم، ندعو لكم بالنصر والصبر، وأن يخلف الله لكم خيرا وأن يعوضكم خيرا.

سألتم عن أمرين:

1- التأتاة

2- إدراك معنى الموت عند الأطفال بعد فقد آبائهم

أولا: عن التأتأة.. دعينا نجيب على الأسئلة التالية لنصل إلى الحل:

- هل هي حالة تلعثم؟ إذن ما هو التلعثم؟

- هل نتج ذلك كحالة نفسية أصابته نتيجة لقلق المحيطين به مع الظروف التي نعيشها اليوم.. أي هل المشكلة سببها نفسي؟

-هل هو بحاجة إلى علاج؟

1- ما هو التلعثم: هو اضطراب الطلاقة الطبيعية ونمط الكلام الذي لا يتناسب مع عمر الشخص. إذن هل حالة ابنك تعتبر تلعثما: الإجابة لا.. لأن في المرحلة العمرية من 2.5 - 6 سنوات اصطلح على تسمية هذه الحالات (عسر الطلاقة الطبيعية) وتحدث في نسبة تصل إلى 80% من الأطفال. إذن نحن نتكلم عن عسر الطلاقة الطبيعية، وما هو عسر الطلاقة الطبيعية؟:

هو عدم قدرة الطفل على التكلم بطلاقة وبصورة طبيعية بالرغم من كونه تكلم مبكرا وكان يتكلم بشكلٍ طبيعي وتحدث أثناء نمو وتطور اللغة ويحدث هذا في نسبة تصل إلى 80% من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. ولماذا تحدث؟ تخيلي نفسك وأنت تبحثين في صفحة ويب على موضوع معين لكن جهاز الكمبيوتر بطيء في إيجاد المعلومة لكن أخيرا يظهر لك كم من المعلومات لم نكن نتصوره.. هكذا يحدث أثناء نمو اللغة حينما تزداد الحصيلة اللغوية.

فالمعلومة والكلمة موجودة لكن تجهيزها لخروجها على اللسان بطيء ويحدث هذا لأن كمّ الحصيلة اللغوية قد يسبق نمو الجهاز العصبي، أي أن البطء يكمن في نقل المعلومة من المخ لتصل إلى العضلات المسئولة عن الكلام في اللسان والبلعوم والحنجرة والوجه لتصدر الكلمة.

2- هل نتج ذلك عن حالة نفسية؟ في الماضي كان يدرج العامل النفسي كسبب أساسي في عملية التلعثم وليس عسر الطلاقة، والآن حتى التلعثم لا يدرج العامل النفسي كمسبب أساسي له، والعلاج النفسي في التلعثم يكون فقط إذا كان هناك آثار نفسية ناتجة عن عدم القدرة على الكلام بشكلٍ طبيعي.

لكن نستطيع أن نقول إن التعب والإرهاق والضغط النفسي على الطفل قد يسبق حدوث فقد الطلاقة أحيانا التي كانت ستظهر حتى ولو لم تحدث هذه العوامل، أي أن التعب والضغط النفسي قد يزيد فقط من حدتها فتبدو أوضح من ذي قبل.

إذن هل هو يحتاج إلى علاج الآن؟ أو العرض على أخصائي التخاطب؟ يعتمد هذا على شكل وشدة الحالة، أي إذا كانت مستمرة طوال الوقت وتزداد في الشدة فمن الأفضل العرض على أخصائي التخاطب؛ خاصة إذا صاحبها تجنب المواقف التي سيضطر الطفل فيها للكلام، وكذلك رفض نطق بعض الكلمات أو أن يبدو عليه الضيق كلما شعر بفقد الطلاقة أو حدوث توتر واضح في عضلات الووه والرقبة مع الكلام أو الارتفاع المفاجئ في حدة أو درجة الصوت وكذلك وجود تاريخ عائلي للتلعثم يستدعي العرض مبكرا على أخصائي التخاطب.

والآن ماذا عليك أن تفعلي؟

1- اطمئني واهدئي فالأمر هين بإذن الله.

2- عدم الإفراط في إظهار القلق للطفل؛ إذ إن ذلك ربما أثر فيه سلبا بشعوره أن هناك مشكلة كبيرة متعلقة بالكلام أو ربما اتخذ من خوفك وقلقك وسيلة للضغط عليك وجذب انتباهك.

3- لا تضغطي على الطفل لإعادة بعض الكلمات ولا تضغطي عليه لنطق كلمات معينة.

4- تحدثي مع طفلك بهدوء عن الأنشطة اليومية كالطعام واللعب.

وبإذن الله ستمر هذه المرحلة بسلام

ثانيًا: ماذا تقولين لطفلك الصغير عن والده الشهيد؟

عزيزتي.. إن الأطفال قبل سن السادسة غالبًا لا يدركون معنى الموت بشكل واضح، مثل الكبار أو الأطفال الأكبر سنًّا.

فهم يظنون أنه أمر يمكن الرجوع فيه، وأن من مات لا بد أنه سيأتي ثانية، لذلك ابنك قد يلح في السؤال، ويبدو عليه عدم الاقتناع بردك، وربما تولد عنده شعور بالغضب فيما بعد تجاه هذا الأب الذي لا يأتي لزيارتي وأنا أود أن أراه؛ لذلك لا بد من الحوار معه بشكل متدرج كلما تطور عمره فالآن لن نستطيع أن نقول سوى أنه لا يستطيع أن يأتي إلينا.. هو يحبك ويحبنا لكن لا يستطيع زيارتنا. ولا تملّي من أسئلته عنه ولا تزجريه ودعيه يعبر عن مشاعره. ودائما كوني على حذر ومراقبة لمشاعر ابنك، فمثلا قول أنه في الجنة وأنه في مكانٍ جميل قد يغضب الطفل من هذا الوالد الذي يعيش في مكان جميل ويستمتع دون أن يفكر في طفله. لكن حتى وإن حدث ذلك فإن هذه الأمور تعدل من تلقاء نفسها بنمو الإدراك.

وفي الواقع لا يوجد ما يساعد أطفالنا على تفهم معنى الموت دون إصابتهم من مخاوف فقد الأحبة سوى التربية الدينية التي تتدرج من الطفولة حتى تصل به في النهاية إلى معنى أن الموت حق وأننا لله راجعون.

وهذا يتطلب غرس محبة الله في نفوس الأطفال منذ اللحظات الأولى بالحوار وتعلم العبادات وذكر أن كل ما يصيب الإنسان خير؛ لأن الله أعلم منا وهو يحبنا. وتعلم كلمة الحمد لله على كل قضاء يقضي به الله.

والأمر قد يختلف بالنسبة للأطفال الذين اعتادوا سماع الموت ومشاهدة من أصيبوا به ممن حولهم وإدراك الشهادة منذ نعومة أظافرهم فقد يدرك الطفل معنى الموت في عمر مبكر عن أقرانه وبشاعة الحروب مثلا قد تزيد من مخاوف الأطفال وتفقدهم الإحساس بالأمان ربما يكون ذلك للأطفال الأكبر سنا من عمر طفلك لكن القلق الذي يعيشه الكبار ينتقل حتما إلى الطفل في أي سن.

لذلك احرصي دائما على الهدوء وأنت مع طفلك ومع تقدم سنه احرصي دائمًا على مناقشته وأعطيه فرصة التعبير عن مشاعره في كل الأمور؛ لأن ذلك قد يخفف من حدة القلق النفسي الذي يصيب الأطفال في أوقات الحروب الذين يشعرون أن الموت محدق بهم وبأحبائهم. قلبي مع كل أطفالكم الذين سلبوا الحق في الشعور بالأمان.

اصبري يا زوجة الشهيد ولا تنزعجي من أسئلة طفلك علميه حب الله حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

وفقك الله وبارك لك في ولدك وجعله قرة عين لك.

وعوضكم الله خيرا.