تحدث في زنزانات مظلمة وسط صرخات مكتومة وآلام لا يشعر بها إلا الضحايا، جريمة متكررة تدمر الأطفال في صمت وربما تنذر بصناعة مجرمين في المستقبل أو مرضى يلفظهم المجتمع. تتمثل في حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي للأطفال بالسجون المصرية.

وفقًا "للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية" يعرف الاعتداء الجنسي: بأنه هو ممارسة أي نشاط جسدي جنسي دون الحصول على موافقة من الشخص الآخر، أو عندما يكون الشخص الآخر غير قادر على الموافقة على هذا النشاط. ويمكن أن يشمل الاعتداء الجنسي استخدام القوة البدنية والعنف والتهديد والتخويف وتجاهل اعتراضات الطرف الآخر، بينما يُعرف الاغتصاب: بأنه إدخال القضيب، أو أي جزء من الجسد أو أداة خارجية أخرى، في الفرج أو الشرج، بالإجبار أو الإكراه.

وذكر تقرير أصدره "الفريق هيومن رايتس مونيتور" في يوليو 2016 أن عدد الأطفال المعتقلين بقضايا سياسة منذ 30 يونيو 2013 بمصر وصل إلى أكثر من 4 آلاف طفل، وأكدت تعرض  نحو 78 طفلًا لجرائم عنف جنسي أثناء حبسهم.

خلال محاولة للتواصل مع مزيد من حالات اغتصاب الأطفال بالسجون المصرية قال ناشط حقوقي مصري (رفض الإفصاح عن اسمه) "إنه تعرف بشكل شخصي على ثلاث حالات اغتصاب جنسي في السجون المصرية لأطفال يتراوح عمرهم بين 12:16عامًا وقت القبض عليهم في التظاهرات الرافضة للانقلاب والداعمة للرئيس الشهيد محمد مرسي".

وأضاف الناشط الحقوقي: إن الاغتصاب الجنسي تم أثناء تعذيبهم بأشكال مختلفة، منها إدخال أدوات صلبة وحادة في دبرهم،  وأصيب أحدهم بشرخ شرجي 8سم، منوهًا أن التعذيب في بعض الأحيان كان يهدف للحصول على معلومات، وأوقات أخرى لمجرد التنكيل فقط.

وفي محاولتنا للتواصل مباشرةً مع الأطفال أصحاب الحالات قال الناشط الحقوقي: إن هؤلاء الأطفال تعرضوا لأذى نفسي شديد، وبعد خروجهم من السجن (بعد حبسهم فترات مختلفة)، تلقى معظمهم علاجًا نفسيًا، لذلك، يصعب فتح الموضوع معهم من جديد،حتى لا يفسد ما تم علاجه.

وقال أحمد مفرح، الباحث في الملف الحقوقي المصري بجنيف: "إن وزارة الداخلية المصرية دائمًا ما تقابل الأخبار والتقارير التي تتحدث عن الاعتداءات الجنسية والتعذيب للأطفال في السجون بالنفي التام، ولا تقوم بالتحقيق في الوقائع حتى أنها لم تحقق في واقعة سجن كوم الدكة بالإسكندرية التي تعرض فيها 52 طفلا تتراوح أعمارهم بين 15 و 18 عامًا للتعذيب والاعتداءات الجنسية ووثقتها وقتها منظمة الكرامة لحقوق الإنسان بجنيف".

وأضاف مفرح أن "وزارة الداخلية بالأساس غير مسئولة عن تأمين منشآت وسجون الأطفال، وأن هذه المهمة من اختصاص الشؤون الاجتماعية وبالتأكيد هذا لا يطبق"

ونوه مفرح "إن قضية العنف الجنسي بحق الأطفال منتشرة بشكل كبير في السجون ومراكز الاحتجاز الخاصة بالأطفال في مصر، وهنا لا نستطيع التفرقة بين الأطفال المحبوسين على ذمة قضايا جنائية أو سياسية".

كيف يؤثر الاعتداء الجنسي على مستقبل الأطفال؟

ما يجعل جريمة الاعتداء الجنسي أخطر من غيرها، أنها قد تتكاثر، فضحية اليوم ربما يكون جاني الغد وجاني اليوم ربما كان ضحية أمس، وفسّر ذلك الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، عندما قال في تصريحات صحفية: "إن المُتحرش بالطفل غالبًا ما يكون لديه دافع آخر وهو تعرضه لعملية تحرش في الصغر، الأمر الذى يجعله يسلك سلوكًا تعويضيًا بدافع الانتقام من هذا المجتمع ويكون الطفل البريء للأسف هو الضحية".

وفي السياق ذاته، قالت الدكتورة شيلا ميلزاك في كتاب "الاغتصاب كوسيلة للتعذيب": تتسم سلوكيات بعض ضحايا الاغتصاب بالعدوانية أو الانعزالية؛ فيشيع فيهم السلوك الانتحاري ويميلون إلى التنفيس. فهؤلاء المراهقون يشعرون بفقدان الثقة في العالم، كما تهتز لديهم المعايير الأخلاقية والأعراف المجتمعية فيما يخص العلاقات داخل المجتمع. فتقريبًا لا يثقون بأحد ولا حتى بأنفسهم قبل الآخرين".

وقد احتل استغلال الأطفال (القصّر) عبر الإنترنت المرتبة الثانية بعد النساء، وذلك بسبب صغر سنهم وسذاجتهم وسهولة التأثير عليهم، وإقناعهم بأي شيء، فهم الشريحة الأكبر استخدامًا للإنترنت وتواصلاً عليه، ونظرًا لأن الشباب في هذا السن الصغيرة يعشقون فعل كل ما هو جديد، ويرغبون في كل ما هو ممنوع، لذا يسهل استغلالهم.

ويعد استغلال الأطفال أو القصّر جنسيًّا هو من أخطر الجرائم ضد المجتمع على الإطلاق، وذلك لأنها تستهدف تدمير مستقبل المجتمع المتمثل في شبابه وأطفاله، لذا تعد في غاية الخطورة، وتحتاج تكاتف المجتمع بأكمله لمحاربة هذه الجريمة.

وقد أشارت بعض التقارير الدولية إلى أن حوالي 2 مليون طفل، معظمهم فتيان، قد تعرضوا لإكراه جنسي عبر الإنترنت، وهو ما يمكن تعريفه بأنه "المكان الذي يُجبر فيه شخص ما على إرسال صور ذات طبيعة جنسية"، وأن هناك أكثر من 100 ألف موقع إباحي يستغل صور لقاصرين؛ حيث إن هناك عصابات دولية تدير مواقع إباحية تستهدف القاصرين وتستغلهم جنسيًّا وتوظفهم بأي طريقة كانت من أجل آخرين يدفعون لهم المال.

وحسب التقرير الصادر عن المركز القومي الأمريكي للأطفال المخطوفين والمفقودين الذي أشار إلى ارتفاع معدل استغلال القاصرين في الدعارة عبر شبكة الانترنت عالميًا.

وفي المجتمعات الشرقية والعربية، لم تكن تلك الجرائم التي تستهدف الأطفال جنسيًّا شيئًا مألوفًا على مسامع الجميع؛ نظرًا للإطار المحافظ المحاط بالدول العربية، لذا ربما تكون قد أهملت التشريعات العربية مثل هذا النوع من الجرائم الذي يستهدف الأطفال، ولكن وأمام ثورة الإنترنت وكثرة استهلاك الأطفال له دون محاسبة أو مراقبة لهم، لم يكن بعيدًا عنهم أن يتعرضوا لمثل هذه الجرائم.

فكثير من القصّر قد خدعوا من قبل هؤلاء المبتزين، ووثقوا بهم وأرسلوا إليهم صورهم في مواضع قد تسبب لهم إحراج، سواء على المستوى العائلي أو على مستوى المجتمع، فنظرًا لطبيعة مجتمعنا العربي الذي يعتبر أن مجرد إشاعة عن أن فتاة ما تواعد شابًّا، فهي فضيحة، فما بالك بصور ترسلها على سبيل المثال فتاة لشاب؟!

وهناك من يُبتز بصوره من أجل الحصول على المال مباشرة منه، أو من أجل إشباع رغبة جنسية، وفي كل الأحوال لا يستطيع هؤلاء الأطفال القصّر الدفاع عن أنفسهم ضد عصابات الابتزاز الجنسي، وهو ما يضعهم تحت ضغط نفسي كبير، وحالات اكتئاب شديدة، وشعور بالخوف والهلع، وصعوبة في التركيز، والانسحاب والعزلة، وربما إدمان المخدرات، وهذه أمور جميعها كفيلة بتدمير مجتمع بأكمله.

أسباب الاستغلال

الأسباب التي تجعل الأطفال تلجأ إلى مثل هذه الأمور، ومن ثم تقع ضحية لجريمة الاستغلال الإلكتروني:

أحد أهم هذه الأسباب هو غياب الأسرة، وعدم متابعتها للمحتوى الذي يشاهده أبناؤهم على الإنترنت، ربما هذا بسبب الفجوة بين الجيلين.

ثانيًا: هو عدم وجود تشريعات ونصوص واضحة وصريحة تجرم الابتزاز الجنسي الإلكتروني للأطفال؛ ما يجعل المجرم يلتف حول القانون، ويجد المخرج الذي ينجيه من العقاب بكل سهولة.

ثالثًا: صغر السن، فيعتبر صغر السن عاملاً مهمًّا، يستغله المجرم ضد ضحيته؛ لأن الضحية في هذا السن الصغير لا تدرك أشياء كثيرة؛ منها: كيف تلتزم بالعادات والتقاليد، وما هي الأخلاقيات؟ وما هي تعاليم دينهم وعلام يحثهم؟ لذا يستطيع الضحية التصديق والثقة في المبتز، وذلك لقلة خبرته وتجاربه الشخصية.

رابعًا: وهو قلة كفاءة الجهات الأمنية وعدم وجود الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه القضايا؛ وذلك لأنها جديدة نسبيًّا على مجتمعاتنا العربية، فلم يوجد هناك متابعة للمواقع الإباحية، والمواد التي تقدم للأطفال على المقاهي السيبرانية، المنتشرة بصورة كبيرة، والتي ربما تروّج لمواقع ومحتويات غير لائقة.

العلاج

فكما بدأ العَرَض الأول من الأسرة سيبدأ العلاج أيضًا منها، فالأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، لذا فنحن نناشد الآباء والأمهات بأن تتابع وتفحص المحتوى الذي يقدم لأبنائهم؛ لأنهم مستقبل هذا الوطن، وعليهم معرفة ماذا يتشاركون على مواقع التواصل الاجتماعي؟ فهذا السن حرج جدًّا، فالأبناء يكون لديهم شغف المعرفة والتجريب لكل شيء، فإذا لم يتم هذا في إطار مراقبة الأسرة ، ربما تحدث لهم مشاكل لا يُحمد عقباها.

وثانيًا هو الدور الذي يقع على عاتق الدولة وحملات التوعية، وعمل حلقات نقاشية داخل المدارس، ومؤتمرات وندوات لتوعية الأبناء والطلبة ضد هذه الجرائم وما الذي يمكن أن تسببه لهم؟ في إطار تربوي وتوعوي وديني، وذلك يجب أن يتم تحت إشراف الدولة وتحت رعاية الوزارات المختصة كوزارة الداخلية، ووزارة التربية والتعليم.

ثالثا: هو ضرورة إصدار تشريعات وعقوبات رادعة لمثل هذا النوع من الجرائم، فهناك قصور تشريعي واضح في أغلب الدول العربية لردع هذه الجريمة التي تستهدف مستقبلنا، فمثل هذه الجريمة تحتاج إلى عقوبات قاسية لمرتكبيها.

رابعا: تدريب عناصر الشرطة ومكاتب مكافحة الجرائم الإلكترونية على كيفية التعامل مع مثل هذا النوع من الجرائم، وتطوير الأنظمة الشرطية، لتواكب تكنولوجيا العصر الموجودة الآن.

خامسا: تسهيل خطوط للتواصل والإبلاغ عن هذه الجريمة، حتى يتاح للقصر سرعة الإبلاغ بسهولة، وإرشادهم حول كيفية الإبلاغ وكيفية التعامل مع هؤلاء المجرمين حتى يكونوا في مأمن، وذلك لأن الغالبية لا تعرف كيف تتصرف؟ أو ماذا تفعل؟ فيصابون بالذعر ويضطرون إلى مجاراة المبتزين.

سادسًا: العمل المكثف من أجهزة الرقابة ومكافحة الجريمة الإلكترونية، على رصد جميع المواقع الإباحية أو التي تروج لأي استغلال جنسي للأطفال وحظرها تمامًا، وذلك من أجل حماية أمنهم الشخصي.