الحمد لله رب العالمين.. أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له- أكرمنا بخير كتاب أنزل وخير نبي أرسل.. وجعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله فقال سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: من الآية 110).

وأشهد أن سيدنا وأستاذنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنَّ الله به علينا ليعلمنا الخير كله وليعصمنا الله به من الضلال فقال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)) (آل عمران).

يا مصطفى ولأنت ساكن مهجتي         روحي فداك وكل ما ملكت يدي

إني وقفت لنصر دينـك همتـي         وسعـادتي ألا بغيـرك اقتـدي

لك معجـزات باهـراتٌ جُمـةٌَ          وأجلَّها القـرآن خـير مؤيـد

آياتـه يشفـي السقيـم رحيقهـا          وبهـا تَصَدَّع كـل قلب ملحـد

مـا غُيرت أو حُرفـت كلماتـه            شلت يدا الجاني وشاه المعتدي

ولد الحبيب وبين عينيه الهـدى            ترنو لـه العليا بقلـب شاهـد

قد لامني فيه العزول، ولو درى           نعم الغـرام به لكـان مساعـد

يا رب صل على الحبيب محمد            واجعله شافعنا بفضلك في غـد

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين, وبعد

فيا أيها المسلمون الحب المثمر هو ذاك الحب الذي يصحبه نعيم في الآخرة والأولى فلا فائدة في حب يؤدي بصاحبه إلى المهالك كمن يحب الخمر ويستمتع بها فهذا قد ينعم بها لحظة، ولكنه يعذب بها سنين، فحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحب الذي يصحبه نعيم في الدنيا وفي الآخرة.

والحب المثمر أيضًا هو الذي يكون من الجانبين فلا فائدة في حب من طرف واحد، فلا يكون حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثمرًا ومفيدًا لنا إذ لم تفعل ما يؤدي إلى حبه صلى الله عليه وسلم لنا.

فما فوائد وثمرات محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟

أولاً: محبة الله تعالى مغفرة الذنوب:

قال الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)) (آل عمران) هذا من أكبر الفوائد حيث الوصول إلى حب الله تعالى الذي يجني العبد من ورائه فوائد كبيرة يذكرها لنا الله تعالى في الحديث القدسي "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".

ثانيًا: التنعم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة:

ففي صحيح مسلم، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الساعة متى هي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؟" قال: ما أعددت كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت".

ثالثًا: الوصول إلى الإيمان الصادق الكامل:

ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (لأنت أحب إلىَّ من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه"، فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب بالحق لأنت أحب إليّ من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر". أي الآن قد كمل إيمانك بعد قولك هذا.

رابعًا: التوفيق في الأعمال:

فحب النبي صلى الله عليه وسلم يدفع العبد أن يفعل كل ما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم ويبتعد عن كل أمر يبغضه النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا يجد المسلك التوفيق والسداد في الأعمال لأن الله تعالى ضمن ذلك لمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ (53)) (الشورى) هذه هي أعظم فوائد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن كيف نصل إلى هذا الحب المثمر المفيد؟ إذا أردنا الوصول إلى هذا الحب والتنعم بثمراته فعلينا بالآتي:

أ- أن نجعل الله غايتنا في كل عمل نعمله:

فكل عمل نقوم به نجعل غايتنا منه رضا الله تعالى ليكن من وراء كل عمل (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)) (طه)، في العبادات التي نؤديها- الله غايتنا- (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)) (الزمر) (قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)) (الزمر)، وكذلك في تحمل المشاق في سبيل تبليغ دعوة الله غايتنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي".

ب- أن نجعل الرسول قدوتنا في كل عمل نقوم به:

نقتدي به في عباداته: بأن نؤدي الفرائض كما كان يؤديها باستحضار القلب وأدائها في أوقاتها من غير تأخير ونتقرب إلى الله بالنوافل.

نقتدي به في معاملاته: بأن نزن كل معاملة بميزان رسول الله ونجعله قدوتنا في كل معاملة فهو عليه الصلاة والسلام الذي قال: "الدين المعاملة".

نقتدي به في معاملته لزوجاته: فهو الذي يأمرنا ويوصينا بنسائنا فقال عليه الصلاة والسلام "استوصوا بالنساء خيرًا" وقال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".

نقتدي به في تبليغه دعوة الله تعالى: فهو عليه الصلاة والسلام قد أمرنا بالتبليغ فقال صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية"، ولكن التبليغ يكون كما حدده القرآن الكريم وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: من الآية 125)، ومواطن الأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتمل على كل جانب من جوانب حياته، وهذا واضح من خلال قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) (الأحزاب).

ج- أن نجعل القرآن دستورنا نحتكم إليه في كلِّ أمورنا:

والاحتكام إلى القرآن يكون بتطبيقه كله فلا نأخذ منه جانبًا ونترك جوانب فلنحتكم
إليه في عباداتنا ومعاملاتنا وأحوالنا الشخصية وجهادنا وحربنا وسلمنا لأن الله حذر نبيه والتحذير لنا من أن نترك بعض القرآن دون تطبيق، قال تعالى (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (المائدة: من الآية 49)، والقرآن يضمن السعادة لكل من طبقه ففيه تفصيلات كفيلة بإرساء العدل والمحبة والإخاء للأمة، قال تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) (الأنعام: من الآية 114).

د- أن نجعل الجهاد بكلِّ معانيه سبيلنا:

فلكي نواصل الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ فهذا يحتاج منا إلى جهاد النفس، وحملها على الثبات والصبر على طول الطريق وكثرة المشاق.

يحتاج منا إلى أن نعرف أن عزة هذه الأمة في الجهاد، وأنه "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا"، وأنه رهبانية هذه الأمة، وأنه ذروة سنام الإسلام.

والذي ضيع أمتنا في هذه الأيام هو ترك الجهاد وحب الدنيا وكراهية الموت، فالذي يحب النبي صلى الله عليه وسلم يقتدي به في جهاده أمام الأعداء، فيجاهد إما بنفسه- وهو فرض عين- على أهل البلاد التي دخل العدو أرضها، وإما بماله، وذلك لأهمية المال في الجهاد للحاجة إليه في شراء السلاح، وكفالة بيوت المجاهدين، ولهذه الأشياء وغيرها قُدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في كثير من الآيات القرآنية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13)) (الصف) وإما بلسانه والجهاد باللسان مطلوب بأن ننشر قضايا المسلمين، ويُستحث الناس للجهاد بأي نوع من الأنواع، وأن يجاهد المسلم بدعائه، فربما دعوة مجابة يوفق الله بها المجاهدين أو ينزل الله بها البأس على الكافرين.

ولذلك يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (رواه أبو داود صحيح)، وفي صحيح مسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو، مات على شعبة من النفاق".

هـ- أن نجعل الموت في سبيل الله أسمى أمانينا:

إذا كان الموت سيفًا على رقاب العباد جميعًا فلنجعل هذه الموتة في سبيل الله، ونتمناها ونطلبها من الله في دعائنا، ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

فالحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يدفعنا إلى أن نحب الموت في سبيل دعوته شهداء، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على ذلك بذكر كرامات الشهداء، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة".

ولقد ضرب الصحابة في ذلك أروع الأمثلة، من ذلك خبيب ابن عدي: أسره المشركون واشتراه بنو الحارث ليقتلوه ثأرًا لقتله الحارث يوم بدر، وكانت تَدْخُل زوجة الحارث عليه وهو مكبل في قيود الأسر فتجد عنده العنقود من العنب، وما بمكة يومئذ عنب، وعندما اقتادوه ليقتلوه قبل موته طلب منهم أن يتركوه يصلي ركعتين، فكان أول مَن سنَّ الصلاة قبل القتل ثم قال لهم: والله لولا أني أخشى أن تقولوا أطال الصلاة جزعًا من الموت لزدت إلى ما شاء الله، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، فقال له أبو سفيان: أيسرك أن محمدًا عندنا نضرب عنقه وأنت في أهلك؟، فقال: لا والله لا يسرني أني في أهلي، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، فصاحوا: اقتلوه، فأنشد قائلاً:

ولستُ أبالي حين أُقتل مسلمـًا        على أي جنبٍ كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشـأ         يبارك على أوصال شلـو ممـزع

ولسـت مبد للعـدو تخـوفـًا        ولا جـزعـًا أنى إلى الله مرجـع