مضى مجاهدًا وخلَّف آثارًا ما زالت شاهدةً على عطائه؛ حيث كان منذ اليوم الأول لانطلاقة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين شعلة من النشاط والالتزام والمثابرة، فكان الطبيب البارع والعالم العامل والمثابر.

أسهم في إنشاء جيل يرفض المساومة على حقوقه في فلسطين، وكان خير مثال للثبات والعطاء على مدى 55 عامًا، إلى أن توفاه الله مساء الأربعاء الموافق 7/11/2007م في المستشفى الأهلي في الخليل.

بداية الرحلة

وُلد الدكتور حافظ عبد الغني النتشة عام 1924م في حارة السواكنة بمنطقة الزاهد في الخليل؛ حيث التحق بمدرسة الإصلاح الإسلامية، ثم انتقل إلى مدرسة باب الزاوية الابتدائية، ثم إلى المدرسة الرشيدية، والتي أتم فيها التعليم حتى الصف الثاني الثانوي.

واختار النتشة دراسة الطب في مصر، فالتحق بكلية طب قصر العيني في جامعة القاهرة؛ حيث تخرَّج فيها عام 1951م، وبقي في مصر لسنتين أخريين، ثم عاد إلى وطنه ليفتح عيادته في باب الزاوية مؤثرًا العمل الحرَّ على العمل في وزارة الصحة الأردنية.

شارك في تأسيس عددٍ من الاتحادات والمؤسسات في مدينة الخليل وتقلَّد عدَّة مناصب، منها أنه كان أحد المؤسسين لرابطة الجامعيين في الخليل منذ قيامها عام 1953م، وشغل منصب أمين الصندوق طيلة السنوات 1953- 1960م لثماني دورات باستثناء دورة عام 1957م، وكذلك نال عضوية منصب الهيئة الإدارية لدورة عام 1963م.

وأصبح النتشة عضوًا في مجلس بلدية الخليل المكون من ثمانية أعضاء؛ وذلك بالتزكية للدورة (3/10/1955-16/1/1959م)؛ لكنه أعلن استقالته في 16/1/1956م بسبب نجاحه كعضو في مجلس النواب الأردني.

يقول الأستاذ إبراهيم غرايبة: وفي عام 1956م- بعد تغييرات قيادية كبيرة جرت داخل الجماعة- شارك الإخوان في الانتخابات النيابية، ونجح منهم 4 نواب من بين 40 نائبًا، وهم: محمد عبد الرحمن خليفة، وعبد الباقي جمو، وعبد القادر العمري، وحافظ النتشة، وشكلت حكومة حزبية برئاسة (سليمان النابلسي) قائمة على الحزب الوطني الاشتراكي، والحزب الشيوعي، وحزب البعث، وقد منح نواب الإخوان الثقة لتلك الحكومة.

وكان يُمثِّل جماعة الإخوان المسلمين (سواء في الضفة الشرقية أو الغربية)؛ وذلك في الدورتين 1956م، ثم انتخب عضوًا في الوفد الفلسطيني لهيئة الأمم برئاسة أحمد الشقيري عام 1963م.

وفي عام 1976م تأسست جمعية أصدقاء المريض برئاسة الدكتور حافظ، وكانت تهدف إلى إقامة مستشفى أهلي في الخليل.

وأشرف النتشة على تأسيس عدَّة مراكز طبية ومستوصفات، منها مستوصف الإخوان المسلمين، كما قامت جمعية أصدقاء المريض برئاسة النتشة عام 1978م بإنشاء المركز الطبي الأساسي في سوق فلسطين، كما تم إنشاء مستوصف الطوارئ (الأمير سليمان) في شارع عين سارة تحت رعاية جمعية أصدقاء المريض.

وعُيِّن عضوًا في مجلس الأوقاف والشئون الإسلامية في القدس منذ عام 1982م من قِبل الحكومة الأردنية، وكان وما زال أحد أعضاء الهيئة الإسلامية العليا في القدس.

وتوسعت جمعية أصدقاء المريض برئاسته إلى إنشاء المستشفى الأهلي في مدينة الخليل، فقامت بشراء أرض تبرعت بجزء من ثمنها بلدية الخليل وقطعة أخرى تبرَّع بها سكان مدينة الخليل والفلسطينيون في الأردن.

بين صفوف الإخوان

انتمى الدكتور حافظ النتشة لجماعة الإخوان عام 1953م، بعد أن أنهى دراسته في مصر وعاد إلى الخليل، وأسس مركزًا مع مجموعه صغيرة من الرعيل الأول أطلق عليه (مركز الإخوان المسلمين)، والذي ما زال موجودًا حتى الآن في شارع الإخوان المسلمين، وهو عبارة عن مبنى مكون من طابقين وست غرف، وكانت تنطلق منه جميع الفعاليات والأنشطة الخاصة بالجماعة.

وكان أعضاء المجموعة التي أسَّست مركز الإخوان المسلمين هم: المرحوم عبد الحافظ مسودي، والشيخ محمد رشاد الشريف، والمرحوم زين الدين مسودي، وعبد الرزاق الشوبكي، وحمادة شاهين، وعيسى عبد النبي النتشة وحلمي زير.

أما بالنسبة لنشاطهم الدعوي، فقد كان عبر نظام الأسر المعتمد في الجماعة؛ حيث كانوا يشكِّلون مجموعات تتلقى الدروس الدينية، وكل مجموعة مؤلفة من ستة أشخاص، بالإضافة إلى المسئول عن المجموعة، وكانوا يقدمون برنامجًا تربويًّا علميًّا مميزًا، يعتمد على المواعظ، ودورات تحفيظ القرآن، وأحكام التجويد والدروس من خلال المساجد.

وقد كان للدكتور حافظ فرصة الالتقاء بالشهيد حسن البنا ضمن وفد من الطلبة الفلسطينيين إبان مجزرة دير ياسين؛ حيث ذهبوا إليه في المركز العام للإخوان المسلمين، وفوجئوا بأنه يعرف عن تاريخ الخليل أمورًا كثيرة كانوا يجهلونها.

جهوده

كان الدكتور النتشة يقوم هو ومن معه بتقديم الخدمات والمساعدات العينية للأعضاء المنتسبين والأسر المحتاجة على حد سواء، فكانوا يجمعون رسوم اشتراك غير محددة على الأفراد، كلٌ حسب استطاعته، وكانت هذه الرسوم تُسخَّر في خدمة العامة، وكانوا يقدمون أيضًا خدمات إنسانية أخرى، مثل العلاج والتطبيب؛ حيث افتتحوا مستوصفًا في بناية الدبويا (المعروف حاليًّا بمغتصبة بيت هداسا)، وكانوا يأخذون من المواطنين مبالغ رمزية، ويقدمون لهم العلاج برسوم بسيطة جدًّا، وقد كان الدكتور النتشة مسئولاً بشكل مباشر عن مستوصف الإخوان المسلمين منذ عام 1954م وحتى عام 1982م وهي السنة التي قام فيها بعض من نساء المغتصبين باقتحام المبنى، والاستيلاء عليه فيما بعد، وكان يدعم المستوصف عددًا من رجال ووجوه الخليل والمتبرعون وأصحاب الخير.

رسالته الأخيرة

وفي أيامه الأخيرة، وجَّه الدكتور حافظ النتشة رسالة إلى جماعه الإخوان المسلمين في كلِّ مكان دعاهم فيها إلى التمسك بالثوابت التي أُنشئت الحركة لأجلها، وذكَّرهم بقول الله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: من الآية 3)، و﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 103).

وطالب النتشة في رسالته الإخوان المسلمين بأن يركِّزوا عملهم في البناء والتأسيس وتقديم الخدمات، وأن يحرسوا ذلك كله بالتقوى والعبادة.

وفي مساء الأربعاء 7 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ تُوفي الدكتور النتشة بعد مرض ألمّ به لمدة أربعة أشهر؛ حيث تُوفي وهو يرقد في المستشفى الأهلي في مدينة الخليل عن عمر يناهز (83) عامًا.

------------

المراجع:

1- موقع (إخوان أون لاين).

2- شبكة الكتلة الإسلامية جامعة القدس.

3- شبكة فلسطين للحوار.

4- موقع (فلسطينيو 48).