إن التضحية نبات صغير يرويه الإنسان بالعطاء والبذل وقهر هوى النفس من أجل الآخرين، قال الإمام الشهيد حسن البنا: "إذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد".

ومن ثم فقد عُني الإسلام بالأسرة على جميع مستوياتها، فلقد اصطفى الله من الناس رسلاً، واصطفى من الناس أناسًا يحملون أمانة هذا الدين، فحملوه وأدوا حقه، وعملوا على تسليمه للأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل، فلم يعيشوا لشهواتهم، بل عاشوا لتوصيل هذه الأمانة لغيرهم، يقول الشهيد سيد قطب: "عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لغيرنا، أي: عندما نعيش لفكرة؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!.. إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمًا، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا فليست الحياة بعد السنين".

لقد ظهر في العصر الحديث أناس أعادوا للبشرية ذكرى صحابة رسول الله، فوجدنا عائلة الهضيبي والتي ضمت الأب والزوجة والأبناء ضحّوا جميعًا في سبيل دعوتهم، وما انتظروا أجرًا من أحد، وسارت على نهجهم عائلة قطب حيث الشقيق الأكبر سيد ومحمد وأمينة وحميدة وأبناء الأخوات، ضحوا جميعًا، وتميزت هذه العائلة بفهمها وجهادها وثباتها وتضحياتها، فقدمت الشهيد تلو الشهيد، فنال سيد قطب وابن أخته بكر الشهادة، وأوذي أخوه محمد كثيرًا، ولم تسلم أخواته البنات: أمينة وحميدة من الأذى، فكانت – بحق - عائلة مباركة أنبتت ثمارًا طيبة، فتركت أثرًا طيبًا على مسيرة العمل الإسلامي، وغيرهن الكثير على طريق الدعوةكانت للأخت المسلمة دور في ترسيخ معاني الحب والجهاد في نفوس زوجها وأبنائها ومن يحطون حولها.

كما زرعت روح الجهاد والايجابية في هذه النفوس وكما قال حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها

                أعددت شعبا طيب الأعراق

ونحاول هنا التعرف إلى دور المرأة في نصرة الدعوة

فلقد اهتم الإسلام بدور المرأة المسلمة في نصرة الدعوة اهتماما كبيرا، وجعل لها في هذا المجال شأنا عظيما.. سواء كانت أمًّا أو زوجة أو ابنة أو أختًا.

فالمرأة هي المسئولة الأولى عن تربية وإعداد الرجال في كل ميادين الدعوة ، ومن ثم تقديم جيل النصر والثبات للأمة بأسرها.

ومجتمع خال من مثل هذه المرأة المسلمة ودورها الدعوي، هو مجتمع رجاله هباءً منثورا لا وزن لهم، كغثاء السيل كثير عددهم ولا قيمة لهم.

وليس أدل على هذا من تلك الحرب الضروس التي يشنها أعداء الدين على المرأة المسلمة عبر التاريخ.

فهم يعلمون تمامًا أنه متى ما سقطت المرأة سقط المجتمع بأسره وراءها.

ومتى ارتبطت بعقيدتها الإسلامية منذ صغرها وتربى فيها معنى المسئولية والأمانة تجاه نصرة دينها وعقيدتها.. فإنها تصنع مجد الأمة ببذلها كل غال وثمين في سبيل الله تعالى، وتربيتها لجيل العزة والنصر والتمكين.

هذا الوعي التام بأهمية الدور الدعوي للمرأة المسلمة والذي يبدأ في المنزل بالتربية للأبناء على أساس إسلامي صحيح، والإخلاص والوفاء والمساندة للزوج في طريق العمل الدعوي كان موجودًا لدى جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها يشير إلى ذلك الإمام الشهيد حسن البنا في قوله: "إن الإسلام يرى للمرأة المسلمة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تهيأ لمستقبلها الأسري، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته".

ويؤكد هذا المعنى عادل الشويخ؛ حيث يقول:

"..أما دور المرأة في تنشئة الجيل، وبناء الأسرة المسلمة، فهو أمر أشهر من أن يذكر، فالمرأة هي مدرسة التربية والبناء، والولد يتربى على أمه أكثر مما يتربى على والده، في المراحل الأولى، بل إن مهمة المرأة الأولى في الحياة هي لإنجاز هذا الهدف التربوي العظيم، بل إن الدور الجهادي ابتداءً يكون بتربية الأم؛ حيث تربيه على العزة والكرامة، وتدفعه إلى طريق الدعوة والجهاد".

وكذلك يؤكده الأستاذ مصطفى مشهور بقوله:

"والحقيقة أننا لا نغفل شأن المرأة المسلمة ودور الأخت المسلمة في العمل الإسلامي والحركة بالدعوة، فلها دورها المهم والكبير الذي لا يقل كثيرًا عن دور الأخ المسلم، فهي صانعة الرجال بحسن تنشئتها للأجيال، وهذا أعظم عمل وأخطره في مسيرة الحركة، بالإضافة إلى واجبات ومهام أخرى خاصة بها.. وقد تعودنا حينما نكتب أو نتحدث في موضوعات متصلة بالدعوة والحركة كثيرًا ما نقصد بحديثنا الإخوة والأخوات وإن بدا أسلوب الحديث أو الكتابة أنه موجهٌ للإخوة..

وليس ذلك غريبًا؛ فالقرآن الكريم في كثير من آياته يوجه النداء بـ"يا أيها الذين آمنوا" ويقصد في كثير منها المؤمنين والمؤمنات.. ومعلوم أن من الدعائم التي يقوم عليها بناء الدولة الإسلامية الذي نسعى لإقامته: البيت المسلم، ولا يكون بيتًا مسلمًا سليمًا إلا إذا توافر للأخ المسلم أخت مسلمة فاهمة وداعية ليتعاونا في إقامته على التقوى من أول يوم.. لهذا كان اهتمام الجماعة من أيامها الأولى بإعداد الأخوات المسلمات وتهيئة الظروف ليقمن بواجبهن نحو الدعوة، وقد أنشأ الإمام الشهيد مدرسة أمهات المؤمنين في الإسماعلية".

وفي معرض آخر لكلامه في هذا الشأن يقول الأستاذ مصطفى مشهور:

"... وللزوجة دور كبير في حسن سير الحياة داخل الأسرة فلا يهمل الزوج دورها.. وعلى الزوج والزوجة أن يتعاونا في تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية صالحة، وعلى ربّ الأسرة أن يضفي جوّ البهجة على الأسرة ويحقق لها ألوانًا من التسرية والترويح الخالية من الإثم، وعلى الزوجة المسلمة القدوة أن تشجع زوجها على القيام بواجباته نحو إسلامه من عمل وتضحية وجهاد، وعلى الزوج أن يكون يقظ الضمير حذرًا مما تحذر منه الآيات الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وأن تغفروا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم. إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم).

إن دور الزوجة والأم المسلمة في حقل الدعوة لا يقل خطورة وأهمية عن دور الرجل؛ فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال فعليها أن تحسن رعايتهم وتجنبهم قرناء السوء وتعلمهم أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الحياة اليومية وعند الاستيقاظ وعند تناول الطعام والفراغ منه وعند قضاء الحاجة والفراغ منها وعند لبس الملابس وخلعها وهكذا؛ فالذرية إذا أحسنت تربيتها تكون نعمة وقرة عين ويدعون لوالديهم بعد وفاتهم (ويرعونهم عند تقدمهم في السن) أما إذا حدث تقصير في التربية فإنها تتحول إلى نقمة ومصدر إعنات لوالديهم وعلى الزوج والزوجة العمل على إحياء المناسبات الإسلامية في نفوس الأبناء كالهجرة والإسراء والمعراج وغزوة بدر وشهر رمضان وما فيه من خير وليلة القدر وغير ذلك من المناسبات الإسلامية".

وبعد هذا التأصيل التربوي يأتي الدور العملي للجماعة والذي من خلاله تبلور الواقع وتغير وجه المجتمع ليصطبغ بالصبغة الإسلامية بصورة واضحة للقاصي والداني؛ حيث تم إنشاء قسم خاص للأخوات، وقد كتب الإمام الشهيد حسن البنا رسالة" المرأة المسلمة" والتي نشرتها مجلة المنار كمقال للإمام في عام 1395 م، ووجهها إلى قسم الأخوات المسلمات الذي عمل وصدرت لائحته في عام 1951م.

وقد كان الهدف من إنشاء هذا القسم ما يلي:

1- بعث الروح الدينية، وبث التعاليم الإسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة، تستطيع الاضطلاع بما يناط بها من أعمال وواجبات.

2- التعريف بالفضائل والآداب، المزكية للنفس والموجهة للخير، والكمال، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

3- إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهن النمو الجسمي والعقلي، وتجنبهم الإسراف الصحي، والنقص العقلي.

4- العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية، ببث تعاليم القرآن الكريم، والسنة المطهرة وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد.

5- محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن.

6- نشر الثقافة والمعارف التي تنير عقولهم وتوسع مداركهن.

7- الاهتمام بالشئون المنزلية لتجعل من البيت مكانًا سعيدًا يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم.

8- المساهمة في المشروعات الإنتاجية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن في محيطهن.

ومن هذه المشروعات:

المستوصفات، ودور الطفولة، وأندية الصبيان، والمدارس، وتنظيم مساعدة الأسرة الفقيرة.

وتوضع لكل مشروع لائحة خاصة، وتؤلف له هيئة إدارية تنهض به، وتشرف عليه طبقًا لأحكام القانون ذي الرقم 49 لسنة 1945 م وتسجل بوزارة الشئون الاجتماعية.

9-المعاونة في حدود ظروف الأخوات وجهودهن.

ولقد وضح هذا الأمر ودلّ على منزلة المرأة عند الإخوان ودورها، فإن أثرها يمتد إلى الفرد والبيت والمجتمع كله، فإذا صلحت المرأة وأدت دورها الذي رسمه لها الإسلام، ومدت المجتمع بالعناصر الصالحة شبابًا وشابات، وفتيانًا وفتيات كل منهم يعرف دوره ويقوم بعمله، ويؤدي واجبه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.

كما يدعو لهذا الميدان العملي الدعوي للمرأة الأستاذ مصطفى مشهور فيقول: "إننا نطلب من كل زوجة أو أم أن تقوم بدورها بإقامة البيت على أساس من آداب الدين الحنيف وتعاليمه وتنشيء الأبناء على أخلاق الإسلام وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحمايتهم من التأثر بالأخلاق والعادات السيئة التي يجدونها في الشارع وعن طريق أجهزة الإعلام، كما ننبه إلى خطورة ترك الأبناء للخادمات أو المربيات بسبب الانشغال بالعمل، فإن ذلك له انعكاسات سيئة في بناء شخصية الأبناء، وإن أي نقص أو انحراف في نشأتهم لا يعدله مال.

كما نطالب ربة البيت أن تتحرى الحلال والبعد عن الحرام في مطعمهم ومشربهم، كذلك عدم الإسراف في استهلاك المياه والكهرباء والطعام وغير ذلك، خاصةً في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب.

وهكذا عندما تستجيب الأسر لهذا الذي ندعوهم إليه نكون قد خطونا خطوة بناءة عظيمة في مراحل بناء الوطن، ومما يبشر بخير أن نرى هذاالأثر الطيب على الساحة المصرية، بل وعلى غيرها في الأقطار الإسلامية من انتشار الزى الإسلامي للمرأة بعد أن كان مستغربًا وموضع سخرية منذ عشرات السنين القليلة وكان التعري والتكشف هو السائد، فبفضل الله وانتشار الوعي الإسلامي ساد الحجاب وصارت المرأة أو الفتاة المتكشفة المتبرجة هي المستغربة المستنكرة، وهكذا نرى دعاة السفور والتبرج تمتلئ قلوبهم بالغيظ والكمد تحسرًا على جهودهم التي ذهبت هباء، والأمل كبير في أن يستمر هذا المد الإسلامي الواعي حتى يعم الساحة كلها بإذن الله والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. المجتمع هو القاعدة التي يقوم عليها البناء" .

ومما سبق يتضح مدى الوعي التام لدى جماعة الإخوان المسلمين عن خطورة دور المرأة و أهميته في تقدم وثبات الركب الدعوي ومن ثم تأصيل هذا الأمر لدى الأخوات، لتبدأ الجماعة بعد ذلك في تحويل هذا الوعي والتأصيل إلى خطة عمل شاملة مستخدمين في ذلك العديد من الوسائل التربوية العملية.. فكان من نتاج ذلك تكوين جيل من الأخوات الفاضلات المؤمنات اللاتي صمدن كالجبال الراسيات أمام أعاصير المحن والابتلاءات فكنّ سببا في الربط على قلوب الإخوان وتثبيت الأقدام بإذن المولى العلي القدير.