صفحة من تاريخ عناية الإخوان المسلمين بقضايا العالم الإسلامي

يهتم الإخوان المسلمون بكل جزء من أجزاء الوطن الإسلامي، ويودون أن يعرفوا عنه كل شيء، وأن يقدموا لكل قطر إسلامي أفضل ما يستطيعون من خدمة ومساعدة ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن الوطن الإسلامي وطن واحد، مهما فرّقته المعاهدات الظالمة، ومهما حاولت سياسة الاستعمار الطائش أن تفصل بعض أجزائه عن بعض.

فلا عجب أن يهتم الإخوان المسلمون باليمن السعيدة، وأن تشغل شئونها من أنفسهم فراغًا واسعًا، وأن يرقبوا عن كثب واهتمام أحوالها الداخلية والخارجية.

إبان الحرب الحبشية أشيع أن الجنود الإيطالية قد احتلت جزيرة من جزر اليمن، فكان جميلاً جدا أن يحضر إلى بعض الإخوان المسلمين متحمسين ويقولون: هل تريد إيطاليا أرض اليمن؟

فقلت لهم: وإذا كان ذلك فماذا تريدون؟ فأجابوا فى حماسة وفي قوة وإيمان: يكون الواجب أن نعد أنفسنا من الآن لجهاد عملي، وأن نتطوع في جيش اليمن ونعمل في سبيل رد الطغيان عنها حتى نموت.

أليست جزءا من وطننا يعتدي عليه الأجانب؟ فشكرت لهم هذه الحماسة وطمأنتهم، واحتج مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين لدى المفوضية الإيطالية على هذا العمل إن كان صحيحا، وبعد قليل جاءت الصحف مكذبة لهذه الإشاعات.

إن اليمن قطر واسع خصيب من أقطار المسلمين المستقلة وقد حافظت على استقلالها بين أعاصير الزمن وحوادث السياسة المتقلبة مئات من السنين، وقد وجدت فى أئمتها الأخيار من آل بيت رسول الله (ص) الحماة البواسل، والكماة الأبطال، والسيوف البواتر التي تقضي على مطامع الطامعين وترد عادية المعتدين ألف سنة وتزيد، فلا عجب أن يهتم الإخوان المسلمون لهذا المجد وأن يتمنوا دائما لليمن كل تقدم ورخاء وسعادة.

وإن اليمن الآن على مفترق طرق فسيحة بعيدة الأعماق، وفى مهب مطامع الدول الجشعة التي لم تكتف بما ازدردته من تراث المسلمين وعزتهم، فهى دائما في حاجة إلى المزيد، فنحن نذكر بهذا حكومة جلالة الإمام الموفق أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين "يحيى بن محمد حميد الدين"، ونرجو أن توجه اهتمامها العظيم إلى تقوية الجيش وإعداده إعدادا يقطع مطامع الطامعين؛ بزيادة عدده، وتدريب أفراده، والإكثار من المدارس لتخريج الضباط والمصانع لعمل الأسلحة والآلات، وأن تسير في هذه السبيل بسرعة، فتلك فريضة الإسلام الذي جعل الجهاد ذروة سنام الأمر وأعلن النفير العام في قوله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾[التوبة:40].

ولنا في يقظة الإمام - أيده الله وسدد خطاه - وفي دينه وتقواه، وفي أنجاله الكرام، سيوف الإسلام وسهرهم جميعا على استقلال بلادهم ورفاهية شعبهم المسلم المؤمن أعظم الآمال.

إن اليمن من حيث سياستها الخارجية -بالنسبة لغير المسلمين والعرب- لا تريد أن تخاصم أحدا وتريد أن تعيش فى سلام مع الجميع، في الوقت الذي لا تسمح فيه لأحد بأن ينال من أرضها شبرا وهي سياسة حكيمة، وأرض اليمن وديعة في ذمة حكومتها ليس لها أن تفرط فى جزء منها، وبالنسبة للمسلمين والعرب، فعواطف الإمام وحكومته مشبعة بحبهم، وطلب الخير لهم، وتلمس السبل إلى مساعدتهم، والموافقة التامة على أن يرتبط المسلمون والعرب في أنحاء الأرض ارتباطا وثيقا، يحقق وحدتهم، ويعيد جامعتهم، ويضمن تعاونهم على ما فيه خيرهم وسعادتهم.

ولجلالة الإمام في هذا مواقف تسطر بمداد الفخر والإعجاب، جزاه الله خيرا.

وحبذا لو عملت الحكومة على توطيد صلاتها بجيرانها من هذه الولايات الصغيرة والإمارات المنثورة على حدودها في الشرق والغرب وفي الشمال وفي الجنوب في تلطف وفي حكمة: واليمن فى داخليتها من أفضل البلاد اطمئنانا وراحة، وأهلها يتحاكمون إلى كتاب الله تبارك وتعالى وشريعة رسوله (ص)، وهذه ميزة عظيمة أن يحفظ الله على اليمن دينها في وقت عصفت فيه الرياح بدين كثير من الأمم،

ويظن كثير من الناس أن تمسكها بالمذهب الزيدي يقدح في تمسكها بأحكام الله، وهذا غير صحيح، فإن المذهب الزيدي لم يخرج عن أنه مذهب من مذاهب الإسلام لا يختلف عن غيره إلا فى فروع يختلف فيها كل مذهب عن الآخر.

ورجاؤنا إلى حكومة الإمام أن تعمل ما استطاعت على نشر التعليم بين الشعب وعلى التفكير فى رفع مستواه الاقتصادي والفكري في خطوات واسعة وفي سير خبب إن شاء الله.

ولسنا نقصد بهذا أن يدب إلى الشعب اليمني المبارك داء التقليد الغربي البغيض الذي أفسد على الشعوب الإسلامية الأخرى دينها ودنياها، بل إننا لنحذر اليمن من ذلك، ومن أن تتسرب إليها هذه المظاهر الخادعة التي هم السمّ في الدسم، وكم كان سارًّا ومريحًا لنا أن علمنا أن جلالة الإمام - أيده الله - يولي هذه الناحية اهتمامًا شديدًا.

بل إننا نقصد أن تكون مناهج التعليم سليمة من هذه النواحي، متفقة مع ما يريده الإسلام، فياضة بما يحبب الناشئة في مجد أسلافها وعظمة دينها وخدمة بلادها.

إن أمل الإخوان المسلمين في اليمن عظيم واهتمامهم بشئونها عظيم بقدر هذا الأمل.

وفق الله الشعوب الإسلامية إلى خيرها، وأتم عليها نعمة الحرية والاستقلال، ووقاها أنياب الطامعين ومكايد الغاصبين.

-----
المصدر: مجلة اليراع، العدد (21)، السنة السابعة، 27 ربيع الثاني 1358ه- 15 يونيو 1939م، ص (3-5).