بقلم: عامر شماخ
أينما وليت وجهك وجدت المسلمين مضطهدين، تُنتهك أعراضُهم، وتُنتقص كرامتُهم، ويُقتلون ويُشردون، وقد صدق فيهم قول القائل: (تحالفت الأفاعى والعقارب… وأُجلبت الذئاب مع الثعالبْ؛ وأقبلت الوحوشُ لها نيوبٌ… مسممةً تعاضدها المخالبْ)؛ فإن الجميع تحالفوا عليهم فاستباحوا حماهم، ونزلوا بهم منزل الغالب على من لا حرفة له بقتال وليس له ناصر.
ولو عاش أحدُ السلف فعاين ما يُفعل بإخوانه المتأخرين لمات من الغيظ؛ فشتان بين حرمة الدم المسلم قديمًا وحرمته الآن، وشتان بين أمة عاشت عزيزة كريمة تهابها الأمم وتخشى لقاءها، وأمة عاجزة مهيضة تُقتطع أرضها، وتُنتقص حدودها، وتعيش فى كل ساعة مأساة، قد أطمعت فيها القريب والبعيد، والقوى والضعيف، وعلاها الذل، وتفكك منها المتصل حتى نسيت كتاب ربها أو كادت.
لقد فجَّرت قضية اضطهاد المسلمين في الصين العديد من المواجع، ولفتت إلى حالنا البئيسة، وقد آن الأوان لتوديع هذا البؤس، والاستمساك بحبل الله المتين، وصراطه المستقيم؛ فإنه السبيل إلى النجاة، ولا سبيل غيره، وما شقينا إلا بعدما تخلينا عنه. إننا بحاجة ماسة إلى الإخلاص لدين الله، وهذا الإخلاص له أدواته ومسبباته، ثم له ثمراته التى ستكون خيرًا للأمة قبل أن تكون برًّا لصاحبها. وأحسب أن الله كتب الأجر للاعب الكرة الألمانى المسلم -من أصل تركى- مسعود أوزيل، الذى أعاد إلى الصدارة قضية المسلمين (الإيجور) فى تركستان الشرقية التى تشتعل منذ عقود وزادت وتيرتها منذ عام 2013، فلم تلقَ الاهتمام -ولا نقول الانزعاج- الكافى من المسلمين؛ فكانت كلمات هذا اللاعب -وهو فرد واحد- كفيلة بحشد الملايين ضد الإجرام الصينى وغيره فى حق الأقليات المسلمة.
من الذى أطمع الكفار -والكفر ملة واحدة- فى المسلمين؟ أطمعهم حكامهم التابعون لهؤلاء الكفار، الذين يسارعون فيهم يقولون نخشى على عروشنا من «المسلمين!»، فتحالف هؤلاء مع أولئك للانتقام منهم، يحاربونهم فى الداخل والخارج، فلم يبق للمسلمين ناصر إلا الله -فسيان عند هؤلاء الحكام بقاء الأقليات المسلمة فى بلادها أو إبادتها، المهم أن يرضى القتلة عن هؤلاء الحكام.. ألم تر أن (المنقلب) حرضهم على المسلمين مدَّعيًا أن المليار ونصف المليار مسلم يهددون سبعة مليارات من غيرهم، وقال لهم يومًا فى عقر دارهم إن «الإرهاب!» نابع من المساجد فراقبوها؟ ألم تر إلى البلد الذى يزعمون أن مَلِكَه هو خادم الحرمين وقد التزم الصمت أمام انتهاكات دول جنوب شرق آسيا لحقوق المسلمين وهو يستطيع التهديد بطرد ملايين من أبناء هذه البلاد ممن يأكلون خيرهم ويقتلون إخوانهم؟ ألم تر إلى الإمارة الخليجية المارقة التى تجهض كل محاولة من جانب الشعوب العربية التى تتطلع إلى التحرر، وتدير الانقلابات فى البلاد الأخرى التى تريد حكم الإسلام، بل سمعنا مؤخرًا أنها موَّلت لقتل المسلمين فى دول عدة غير عربية؟
طمع الكفار بالمسلمين لما غفلوا عن وصية النبى -صلى الله عليه وسلم-: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا: كتاب الله وسنتى»، أين نحن -كشعوب- منهما؟ دعك من الحكام؛ فإن هؤلاء -كما قلنا- ضمن فريق الحرب على المسلمين. كان بإمكان «أوزيل» أن يكتفى بدنياه وبالنعيم الذى يحياه (يتقاضى راتبًا سنويًّا يبلغ 16 مليون دولار) وبالشهرة العريضة وألا يدلى بهذا الحديث الذى جلب عليه الهجوم وربما حرمه الأمن وجرده من نعيمه الدنيوى، لكن نحسبه كان مخلصًا عندما أطلق تغريدته التى نالت كل هذا الاهتمام والتى قال فيها: «القرآن يتم إحراقه -أى فى الصين-، المساجد يتم إغلاقها، المدارس الإسلامية يتم منعها، العلماء يُقتلون واحدًا تلو الآخر، الإخوة يتم إرسالهم إلى المعسكرات، والمسلمون صامتون، صوتهم ليس مسموعًا»، ومثله «أبو تريكة» الذى يعيش الآن مهاجرًا طريدًا لقوله الحق ونطقه الصدق. فلماذا لا تتحرك الشعوب ولو كان الحكامُ ممانعين؟ لماذا لا يتحرك الأفراد للدفاع عن دين الله وعن حقوق إخوانهم كما يتحركون للدفاع عن ناديهم أو لاعبهم المفضل؟
وأطمع الكفار بنا لهونا، وتنازعنا وسوء تقديرنا لمعنى الجهاد، الذى نصرفه -مباشرة- إلى حمل السلاح؛ وهذا خطأ- فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة؛ أى أن الإنفاق أيضًا جهاد، والنبى –صلى الله عليه وسلم- يقول: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»؛ فإن لم يتيسر جهاد السلاح فجهاد المال؛ فإن لم يتيسر الاثنان فجهاد اللسان -وهو متاح الآن للجميع-؛ فلا أقل من الحديث عن اضطهاد المسلمين هنا وهناك -وما أكثره-، والتعريف بجغرافية وتاريخ وأحوال المضطهدين؛ فمن لم يفعل فلينتظر الخزى وسوء المآل، يقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا فى موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى فى موطن يحب فيه نصرته. وما من أحد ينصر مسلمًا فى موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله فى موطن يحب فيه نصرته».
مطلوب منا إعادة النظر فى آيات: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [الأنبياء: 92]، (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، وألا ندع الجهاد؛ فإنه الفريضة الماضية إلى يوم القيامة، لا يبطلها عدلُ عادلٍ ولا جورُ جائرٍ، وما تركه قوم إلا ذُلوا، وهو على درجات -كما ذكرنا- ومتاح للجميع. ومطلوبٌ منا كذلك أن نعتمد -بعد الله- على أنفسنا فى دفع الظلم ورد الطغيان، ولا تصغوا لأمم متحدة أو غير متحدة، ولا تنتظروا إنصافًا ممن صمتوا على إبادة المسلمين فى البوسنة وفى بورما وفى فلسطين إلخ. ومطلوبٌ أخيرًا التفاؤل بانتشار الإسلام وانتصار المسلمين؛ فإنهم لم يفعلوا ما يفعلون الآن إلا حقدًا وحسدًا؛ لأن الإسلام صار يضم أبناءهم مختارين إلى حظيرته ورحابه الطاهرة.