نماذج من صمود من صفحات التاريخ الإسلامية

أشرنا سابقًا إلى استخدام الإخوان للعديد من الوسائل التربوية في ميدان العمل الدعوي الخاص بالأخت المسلمة.. وقد كان من أول وأهم تلك الوسائل مدارسة النماذج النسائية عبر التاريخ الإسلامي للاستفادة الروحية والتربوية ومن ثم التخلق بأخلاق هؤلاء الصالحات.

من هذه النماذج الطيبة التي ضربت أروع الأمثلة في البذل لدين الله والصبر والصمود والقوة في ذلك: آسية امرأة فرعون.. وأم المؤمنين خديجة وسمية وصفية وغيرهن كثيرات رضي الله عنهن

فمثل هذه النماذج الرائعة في الصمود و الثبات و الصبر على الإحن ، وغيرها من صور سطرها التاريخ بمداد العزة و الفخر ... لابد و أن تتربى عليها الأخت المسلمة منذ نعومة أظفارها لتنشأ قوية صامدة ، واعية لدورها في نصرة دعوتها، باذلة في ذلك مالها وولدها وزوجها وقبل ذلك نفسها ، مخلصة في ذلك لله رب العالمين.

لاحقات على الدرب

وقد آتت هذه التربية الإخوانية أكلها ... فكانت نماذج الأخوات في الصمود و الثبات أمثلة رائعة هي و بكل صدق امتداد لسلسلة روائع من سبقننا الفضل و الإيمان ببذلهن لدين الله رضي الله عنهن ، و ألحقنا بهم على خير.

لله در الأخوات الصامدات في وجه المحن الصعاب التي مرت على الجماعة ،قصصهن كثيرة ، فلهن في كل واد سهم .. فأنت لا تجد معنى إلا والأخوات قد تركن بصماتهن المتميزة فيه من مواقف بطولية شامخة ، ومن نماذج تلك المعاني:

أ‌- معنى العزة و الإباء

يحكي المهندس محمد الصروي هذه القصة أثناء محنة الإخوان في عهد عبدالناصر فيقول: " أخ آخر ذهبت زوجته فباعت كل ما تملك فى الشقة من أثاث حتى (البالطو) الخاص بزوجها.. ثم ذهبت إلى مكتب الشئون الاجتماعية بطلب إعانة - ولما لم تكن تلبية هذا الطلب سهلة فقد وعدها الموظف المختص أن تأتيه بعد شهر حالما توافق مديرية الشئون على طلبها وبعد أن خرجت من المكتب - قام الموظف ولحق بها وأخرج من جيبه (جنيها) وطلب منها أن تقبله كمساعدة - ولكنها رفضت ذلك وشكرته على عاطفته النبيلة".

ب‌- معنى الهمة العالية

يروي لنا الأخ عباس السيسي مجموعة من القصص فيقول:

1- " السيدة/ فاطمة عبد الهادي (37سنة): زوجة الشهيد محمد يوسف هواش، وكانت تلقي دروسًا دينية للأخوات في السجن بصورة منتظمة وتعمل على رفع معنوياتهن.. ولا عجب في ذلك من زوجة شهيد.. وتلميذة الشهيد (حسن البنا) وهي تتمتع بروح إيمانية عالية جدًّا.. مع حماسة منقطعة النظير للإسلام.. ولقد زرتها (2004م) وقد تخطت السبعين بكثير، ورغم ذلك لم يفتر حماسها أبدًا.

لقد اعتقلوها لمزيد من الضغوط على زوجها الشهيد محمد يوسف هواش وتركت ابنتها سمية (11 سنة). وابنها أحمد (10 سنوات) وحدهما في المنزل.. لكن يقينها أن الله سيرعاهما لم يتزعزع أبدًا، وكانت تعيش مطمئنة إلى كنف الله عز وجل.

ولبثت في سجن النساء ستة أشهر ثم أفرجوا عنها ثم استدعوها لزيارة زوجها قبل إعدامه باثنتي عشر ساعة للضغط عليه وحثه على كتابة اعتذار لجمال عبدالناصر حتى يتم تخفيف حكم الإعدام عليه، ولكنه رفض وأبى، فقاموا بضربه على وجهه ضربًا مبرحًا ولكنه ثبت على موقفه.

وجلس مع زوجته وأولاده، ووجهه متورّم من شدة الضرب، ثم تم تنفيذ حكم الإعدام عليه في فجر اليوم التالي، وظلت في هذه الزيارة تشد أزره، وتقوي عزمه على الصبر حتى ينال الشهادة وهي تعلم أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، فهنيئًا لها وله، ولقد حصل ولدها على الدكتوراه في الجراحة من لندن، وحصلت ابنتها على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة.

فانظري كم كانت همتها عالية ويقينها بالله ثابتا، وكيف أخلف الله عليها بخير في أبنائها.

2-ويقول أيضًا: "قالت الزوجة تتحدث مع الأخوات عن الطريقة التى كانت تعيش بها مع خمسة من الأولاد لأكثر من يومين.. كان مرتبى ثلاثين جنيها وهذا المبلغ لا يكفى لمدة أسبوع واحد - ولكنى استعنت بالله فى تدبير أمور المعيشة - فكنت أقوم بتربية الأرانب والبط بما يتبقى من فتات المائدة - فى جزء من البلكونة استعملته لهذا الغرض. وكنت أقوم بترقيد البط على اثنتي عشرة بيضة فتخرج منها اثنتا عشرة بطة وكذا الأرانب لم تمت واحدة وهذا من فضل الله.

كنت أشترى كيلو اللحم ليبقى عندي الأسبوع بالكامل وأستعين معه بالبيض والبطاطس والسمك الصغير.

أما الملابس فكنت أقوم بعلاج الملابس القديمة للرجال فأعيد حياكتها وإصلاحها فتصلح للأولاد الذكور - كما كنت أقوم بعلاج الملابس النسائية بحيث تصلح للبنات مع شيء من التنسيق والتزويق بحيث يصعب على المشاهد أن يميز بين ماضيها وحاضرها.

ولما جاء أحد الأعياد طلب مني أولادى ملابس العيد.

فاشتريت جوالين من النوع الذى يشبه الصوف الأبيض وقمت بفك الجوال وعملت منه كرارية خيط وأضفت إليه نوعاً آخر من الخيط الملون ما بين أزرق أخضر وأحمر وصنعت منها بشغل الإبرة لكل واحد منهم شرزًا بحيث لا يمكن أن يفترق على الشرز الجديد كل ذلك لم يكلفني أكثر من جنيه واحد ، هذا فضلا عن أننى كنت أدفع بعض أقساطا للدروس الخصوصية وكذا علاج الأطفال فى حالة المرض الذى ظل يلازمنا فترة وجود والدهم فى السجن.

كل هذا رغم وجود المشاكل النفسية والإرهاق النفسى لما يحدث من ضغط من البوليس واستدعاء للقسم وغير ذلك"

3-ويتابع رواياته في صمود الأخوات وعلو همتهن فيقول :" كان يسكن معى فى زنزانة واحدة وعرفته عن قرب دمث الأخلاق.. يقول الزجل الشعبى الإسلامى.

أغلق محله ولم يعد له ولأولاده أى مصدر للرزق.. نهضت زوجته الوفية بهذا الواجب المقدس، فكانت تخرج بعد الفجر تاركة أولادها الصغار مع أختهم الكبيرة وتذهب إلى الأسواق تتاجر فى الحبوب وتقوم فى منزلها على تربية الطيور ورزقها الله رزقاً حسناً حتى إذا جاءت لزيارة زوجها ومعها أولادها الصغار تحمل معها من الطعام والفاكهة ما يطمئن الزوج ويريح باله.

هذا فضلا عن مشقات الطريق والعنت في الأسواق وهذا مثال حي لما تقوم به الزوجة المسلمة من الوفاء للزوج في محنته".

ج– معنى الجلد والقوة

يحكي لنا الأخ الأستاذ عبد الحليم خفاجي هذه القصة في معنى القوة و المثابرة قائلا :" الفضل لله تعالي وحده ، ثم لاثنين من الأخوات في إخراج هذه المذكرات ، من الظلمات إلي النور ، في وقت كان يجبن فيه عن التضحية أشجع الرجال .. الأولي هي الأخت أم جهاد زوجة أحد الأخوة المعتقلين ، والثانية هي الأخت نفيسةزوجة الشهيد أحمد نصير .. الأولي غامرت بتهريبها إلي خارج المعتقل ، رغم سلسلة التفتيشات التي يتعرض لها الزوار والمعتقلين علي السواء .. والثانية لم تتردد في الاحتفاظ بالكشاكيل الخمسة التي سُرَّبت إليها تباعًا ، رغم أنه لم يكن قد مضي علي استشهاد زوجها بالمعتقل عدة أشهر ، وكان بيتها لذلك هو أصلح مكان للحفظ بعد أن خفت الرقابة عليه .

ولولا هاتين الأختين المجاهدتين لطويت الفكرة في الصدور .. فلله الفضل والمنة"

ويقول أيضا :"إن ربي لطيف لما يشاء ..قبضوا على زوجي بعد ولادتي ولدي "ياسر" الذي فرحنا به فرحاً غاماً.. وما كادت عينا زوجي تكتحلان برؤية ولده الذي جاء بعد طول انتظار حتى تم القبض على زوجي.. فرضينا بقضاء الله وقدره.. حتى جاءت ليلة ليلاء.. وفي منتصف الليل وجدنا الباب يقرع بشدة ويكاد يتحطم من شدة وغلظة من يقرعه.. ودار هذا الحوار معهم:

-من بالباب؟!

-افتحي وإلا سأكسر الباب.. إحنا الحكومة.

-لقد قبضتم على زوجي.. فماذا تريدون ؟!. وارتديت ملابسي وحجابي وفتحت الباب، ووقفت أنا وحماتي مشدوهين، مذهولين.. ورأينا مخبرين.. طوال.. عراض معهم ضابط.

-عاوزين إيه ؟!.

-عايزين نقبض عليك إنتِ !!.

-لماذا ؟!. -مافيش داعي لكثرة الكلام.. مطلوب القبض عليك.. إحنا بنفذ الأوامر.

وهنا تدخلت حماتي التي تقيم معنا (والدة الأستاذ جودة شعبان).

-وهي عملت إيه.. ما أنتم أخذتم زوجها تاني.. إيه الظلم ده!! هي معها أولاد صغار كيف تتركهم ؟!.

-الضابط: وإنت كمان مقبوض عليك، البسي ملابسك فوراً بدل البهدلة.

- فقلت لهم (في ثبات):- عندي بنتان صغيرتان نائمتان داخل البيت.. وأمي تسكن قريباً منا.. تسمحوا لي أوصل البنتين إلى جدتهم.

-الضابط.. لا.. اتركيهم هنا للصباح .. إحنا هنأخذك كلمتين وبس في القسم.. ما فيش مناقشة.

وتكمل الحاجة زينت الذكريات الحزينة.. قمت بتغطية البنتين في فراشهما وقلت لهما: في الصباح تذهبان إلى جدتكما، وتخبرانها بما حدث.. والبنات تنظر في ذهول من هول ما تريان.. ولكني استدركت أن معي ياسر ابني.. فقلت لهم: لا يمكن أن أترك الطفل الرضيع وعمره أربعون يوماً فقط وحده.. ففكر الضابط ملياً.. ثم أجاب: أحضريه معك إلى قسم السيدة .. فذهبت أنا وأبني الرضيع الحديث الولادة (ياسر) ومعي حماتي وركبنا معهم عربة الترحيلات التي لا تليق بالآدميين، وذهبنا إلى قسم السيدة زينب.. وهناك في تخشيبة قسم السيدة وجدنا الأخت الحاجة " أمينة الجوهري " حرم الأستاذ محمود الجوهري أمين عام قسم الأخوات المسلمات (قبل عام 1954 م)..

ثم دخل علينا في التخشيبة أربعون شاباً وشيخاً من الإخوان المسلمين.. وبعد قليل تم ترحيلنا في الفجر إلى معتقل القلعة حيث التعذيب الرهيب.. ومررت أنا ورضيعي وحماتي على مشاهد التعذيب ...وتحكي السيدة زينب السيد حسانين عن ليلة القبض عليها فتقول: في عام 1954 قُبض على زوجي جودة شعبان، وحاكموه محاكمة ظالمة وحكموا عليه بالسجن 10 سنوات أشغالاً شاقة، ويومها كان عندي نادية وعمرها 3 سنوات، وكنت حاملاً في ثلاثة شهور، وبعدها بستة أشهر وضعت مولودتي الثانية (علية) في عام 1955 م، وجاءت حماتي وأقامت معنا للمعاونة في رعاية الطفلتين، ويعلم الله كم قاسينا وعانينا في تلك الفترة بعد أن أوقفوا صرف مرتبه بعد سجنه، ولم يتركوا لنا مورداً نعيش منه.. لكن الله - عز وجل - كفانا وآوانا وأطعمنا وسقانا، بحوله وقوته.. وكم لا كافي له ولا مأوى!! .. وعشنا هذه السنوات العشر على أمل اللقاء مع الزوج بعد الصبر الطويل والمعاناة والجري وراءه في السجون .. الحربي -ليمان طره- سجن الواحات- سجن المحاريق - سجن القناطر.. وكنا نعيش الأخبار بمرها، وعلقمها، ومعاناتها.. وطال الصبر وخرج الزوج، وسعدنا به أيام قلائل.. وفجأة وبعد عدة شهور قبضوا عليه في منتصف الليل بصورة لا تقل بشاعة ولا فظاعة عما كان في عام (1954 م) .. دون سبب ودون جريمة إلا أن يقول (ربي الله).. فأيقنت أن لا راحة في الدنيا لمن يسير في هذا الطريق، وأن الثبات على هذا المبدأ ليس مجرد كلمة تقال، أو حتى عزيمة يعزمها ويصر عليها صاحبها.. ولكن الثبات معاناة، وألم، وفراق، وقسوة، ومشقة.. ولكنا كنا قد تعودنا وتعلمنا الرضا بقضاء الله.. وأيقنا أن المطلوب ليس مجرد الرضا فقط، ولكن المطلوب دوام الرضا.. واستمرار الرضا.. بل والاستعداد بسلاح الرضا، في مواجهة المزيد من الإرهاب والضغط والتنكيل..

-ويذكر لنا أيضا قصة الأخت (سميرة) فيقول:" وهذه جرت وراء أخيها لحظة اعتقاله فيالإسكندرية وتتبعت القطار الذي ركبه مكبلاً بالأغلال، وحاولت أن تعطيه سندوتشات ليأكلها في الطريق، ففاجأها المجرمون بالقبض عليها واعتقالها واصطحابها معهم في القطار، وأودعوها سجن النساء ستة أشهر كاملة.. ولم أستطع معرفة اسم أخيها."

د- معنى الثبات و الصبر على فقدان الولد والزوج والصحة والمال

معنى الثبات و الصبر على فقدان الولد والزوج و الصحة و المال وعلى سوء الحالة النفسية والعنصرية في المعاملة

1-يحكي الأستاذ المهندس محمد الصروي هذه القصة فيقول :

" هي زوجة أحدالإخوان بالصعيد (للأسف لم أتأكد من اسمه).. قبضوا عليه، وعذبوه في السجن الحربي عذاباً أليماً، ولم يكن عنده مزيد من الاعترافات.. فقبضوا على زوجته واسمها (امتثال) .. وكانت حاملاً في شهرها التاسع وعلى وشك الولادة، ولما قبضوا عليا في مفاجأة مذهلة للحرائر العفيفات.. ذهبت معهم في ذهول، وتنقلت في تخشيبات الأقسام في الصعيد.. ثم حملوها في عربة الترحيلات الكئيبة إلى قسم السيدةزينب.. ثم في أحراش الليل البهيم تم نقلها إلى سجن النساء في القناطر.. وأثناء هذه الرحلة فاجأتها - بطبيعة الحال - آلام الولادة، واشتدت عليها.. وكانت حاملاً في توأم كبير الحجم (كما تواترت الأخبار عبد ذلك عن طريق السجانات).. وفاجأها النزف الشديد في دورة مياه في عنبر سجن النساء بالقناطر.. وسقطت على الأرض مغشياً عليها وصرخت زميلاتها من الأخوات، وهرولت السجانات، وأحضروا بطانية ووضعوها فيها، وأمسك ستة عساكر بأطراف البطانية (فقد كانت رحمها الله بدينة ممتلئة الجسم) ونزل التوأم في الطريق ولم تنزل المشيمة، وهرولوا بها.. ولكن عربة الإسعاف تأخرت، ولما حضرت الإسعاف وحملوها إلى المستشفى كانت قد فارقت الحياة وفارق التوأمان معها الحياة أيضاً، هذه هي الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق الشهيدة ووليديها رحمها الله رحمة واسعة.. وتقبلها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. آمين هكذا قدمت قضية (1965 م) شهيدة من النساء بجوار الشهداء من الرجال."

هذه الأخت المجاهدة ... صبرت على فقد الزوج ، وعلى ضيق العيش ، و على ألم الحمل ، و على العمل في الحقل لحفظ مال زوجها ، وعلى الرحلة الأليمة من الصعيد حتى سجن القناطر في مصر.

كل هذا وهي ثابتة على إيمانها ، يلهج لسانها بذكر الله فكان عاقبتها شهادة في سبيل الله نحسبها كذلك .

2-وقد وردت هذه الحادثة في بحث العنصرية في التعامل مع الإخوان المسلمين :

" الحدث : الزوج محمد عبد الرحيم الأسود(موجه مالي بالإدارة التعليمية بكوم حمادة 42سنة) والزوجة (ماجدة محمد الشرقاوي- ربة منزل) باتا ليلتهما كأي زوجان مصريين في مدينة من مدن الأقاليم يحلمان بإشراقه يوم جديد يستطيعان فيه تلبية احتياجات ثلاثة بنات هن كل أبناؤهما ويحلمان باليوم الذي تضع فيه الزوجة حملها الذي مر عليه ثلاثة أشهر إلا أسبوعا واحدا وهى نهاية المدة التي حددها طبيب الزوجة د.طارق زكريا.

حتى يضمن الجميع انتهاء مخاطر الحمل الذي ظلت تنتظره لمدة 12عاما من العلاج والمتابعة .

ويحلمان أخيرا بإرضاء أم الزوج التي أقعدها المرض وأصبحت في شبه غيبوبة .

ونام الزوجان على هذه الأحلام المشروعة ولم يكن يشغلهما شئ أخر كما ينشغل الآخرون أحيانا فالزوجان متدينان والجميع في مدينتهما يعرفونهما ويحبونهما لطبيعة عمل الزوج وشهرة عائلته ولأخلاق الزوجة ولحبها لمن حولها .

وفي تمام الساعة 2:20فجر يوم الاثنين 24/7 انتفض الجميع على أصوات مفزعة كأصوات مدافع تدك حصنا منيعا ولم تكن هذه الأصوات بعيدة عنهم بل إنهم متأكدون إنها في نفس البيت الذي يسكنونه ... ما الذي يجري , هذا ما ترويه الزوجة : صحونا جميعاً - زوجي وبناتي- على أصوات تحطيم بوابة البيت وبما أنني ممنوعة من الحركة فقد لزمت الفراش وبعدما استطلع زوجي ما يحدث عاد ليطالبني بالبقاء في سريري وأمر البنات بالدخول معي في نفس الحجرة -ظنا منه أنه مجرد اشتباه وسوف ينتهي الموقف إلا ان ما حدث لا يستطيع أن يتخيله عقل فقد فوجئنا بعشرات الجنود المدججين بالأسلحة يدخلون علينا ويحطمون أثاث المنزل ويبعثرون محتويات الدواليب وكأن لا هم لهم إلا الانتقام منا .

وتستطرد الزوجة: ثم دخل علي الضابط-رأفت عبد الباعث- وأمرني بترك الحجرة لتفتيشها فأخبرته بأنني ممنوعة من الحركة وإلا فقدت جنيني الذي أنتظره منذ 12عاما ,فما كان منه سوى تهديدي بالقتل إن لم أخرج وهنا علا صراخ البنات ونحيبهم .

وفي الحجرة الأخرى كانت حماتي (قعيدة وفي شبه غيبوبة ) لا تعي شيئاً مما يحدث, فأمر الضابط أيضاً بإخراجها من الشقة ولما أشارت بحاجتها إلي الحمام حملها زوجي يرافقه اثنان يضعان سلاحيهما في جنبيه ولما انتهت من قضاء حاجتها أخرجوها ثانيةً.

في هذا الوقت استعطفت الضابط أن يتركني للتعب الذي حل بي ولخوفي على حملي إلا أنه أصر بعنجهية على إذلالي -علي حد قوله وبقيت واقفة مرغمة حتى انتهوا من (غزوتهم) التي استمرت ساعتين كاملتين وبعدها مباشرة شعرت بمقدمات الإجهاض على جسدي فوقعت مغشياً علي (انتهى كلام الزوجة).

التقت (آفاق عربية) بشقيق الزوج (حسن محمد الأسود) ليستكمل ما حدث , قال : في أثناء الضجيج الذي حدث هذه الليلة سارع شقيق لنا يسكن في نفس شارع محمد للاطمئنان عليه وعلى والدته فمنعه الضابط بل سبه سباً شديداً وتوعده .

ويضيف حسن : ما حدث لا يمكن السكوت عليه فزوجة شقيقه أجهضت ووالدته أهينت وأخي تم تعذيبه في مقر أمن الدولة بمركز بدر بمديريةالتحرير وكسروا أثاث بيته وحصلوا على مئات الكتب من مكتبته وقد تقدمت بناء على ذلك بشكوى إلى نيابة كوم حمادة شرحت فيها كل ما حدث ."

3-وفي كتاب الموتى يتكلمون يقول الأستاذ سامي جوهر :

" يروى العقيد نصر الدين محمد الإمام تفاصيل القبض عليه.. قال أنه فوجىء برجال المباحث الجنائية العسكرية يقتحمون مسكنه برئاسة تلميذ له هو الرائد حسن كفافى.. كان الوقت بعد منتصف الليل.. أيقظوا أطفاله وزوجته وأمه المريضة التى لقيت ربها بعد ذلك بأسبوعين..حبسوا الجميع فى غرفة.. وبدأوا يفتشون مسكنه.. وعثر حسن كفافى على مبلغ ألف وخمسمائة جنيه كان نصر أدخرها لشراء تاكسى يعاونه إيراده فى مجابهة تكاليف المعيشة.. وأخذ حسن لنفسه المبلغ مدعيا أنه سيعيده عندما يتأكد من مصدره.. وطبعا اختفى المبلغ للأبد... وبعد أن مزقوا المراتب بالمطاوى بحثا عن أدلة ولم يجدوا شيئا اصطحبوه إلى السجن الحربى..."

فتأمل أيها القارئ كيف كان صبر هذه الزوجة الفاضلة على لأواء فراق الزوج ، وضيق ذات اليد ، والترويع الذي أصابها في هاتيك الليالي .

4-ويذكر هنا الأستاذ عمر التلمساني زوجته وصبرها وثباتها ووفاءها فيقول :

" حتى توفيت تلك الزوجة الوفية فى رمضان 1399 هـ ـ الثامن من أغسطس 1979 م بعد أن تسحرنا وصلينا الفجر معا وبعد مرض لازمها الفراش حوالى سبع سنوات .

مازلت أبكيها بحرقة من كل قلبى الى اليوم كلما مرت ذكراها بخاطرى أو ذكرها أحد أمامى فقد كانت زوجة مثالية تطهو أشهى الطعام وتساعد من تغسل الملابس يدا بيد وتقوم على نظافة المنزل مع الخادمة ـ لم تسألنى فيما أفعل لم فعلت ؟ ولا فيما تركت لم تركت ؟ .

لم تطالبنى بشىء لنفسها لأنى كنت أوفر لها كل ما تطلبه الزوجة من زوجها وظلت بعد الزواج ملازمة للبيت حوالى سبعة عشر عاما لا تخرج لزيارة أهلها أو حضور عزاء أو تهنئة إلا فى سيارة ولم تركب طوال تلك السنين تراما ولا أتوبيسا أو تمشى فى الطريق على قدميها لأنى كنت شديد الغيرة عليها .. أغار عليها من الشمس أن تلقى عليها أشعتها ومن الهواء أن يلامس طرف ملابسها .

وكانت تعرف ذلك منى فلم تضق بى ولم تعاتبنى .

هذا إن لم تكن هذه الغيرة ترضيها وتسعدها .

وقد رزقنى الله منها بنسل كثير لم يبق منه إلا ذكران وأنثيان أسأل الله أن يكون عنهم راضيا فهم صالحون ومؤدبون ومطيعون .

وأذكر هنا واقعة تتعلق بغيرتى عليها .. فقد حدث لما قضيت فى سجن عبد الناصر سبعة عشر عاما من أكتوبر ( تشرين أول ) 1954 الىيوليو ( تموز ) 1971 كانت نعم الزوجة الصابرةالمحتسبة .

ومرت عشر سنوات فى السجن لم أرها فيها غيرة عليها أن يراها السجانون ومن معى من الإخوان حتى إذا ألح على الإخوان ووجهوا لى اللوم على هذه القطيعة .

أذنت لها بزيارتي فى السجن واستقبلتها فى إتزان وكأنى لم أفارقها إلا يوما أو بعض يوم .

لم تسبب لى متاعب مع أهلي حتى ولو أسيء إليها فى غيبتي من أم أو أخ أو أخت "