صعود بارز لليمين المتطرف في أوروبا خلال العام 2019، كان لا بد وأن يلقي بظلاله على سياسة القارة العجوز، خصوصا عقب المكاسب التي حققها بانتخابات برلمان التكتل قبل أشهر.

واستعادت العنصرية العديد من قوالب الماضي الفاشستية والنازية، ولكن في قالب مبتكر مع صعود (اليمين المتطرف) الذي اكتسب الكثير من الزخم بتحقيقه نتائج مرتفعة بالانتخابات في السنوات القليلة الماضية، وقد تطورت أجندته ليحتل العداء للمهاجرين واضطهاد المحجبات المرتبة الأولى؛ وهو ما يندرج تحت مفهوم العنصرية الثقافية المنبثقة والمشتبكة في الوقت ذاته مع عنصرية العرق والجنس، ونظرية تفوق الرجل الأبيض.

ولعل الجانب الأكثر إثارة ودهشة أن الكثير من المحجبات المضطهدات هن مواطنات أصيلات من ذات العرق والجنس ولون البشرة، وعلى الرغم من ذلك تتفوق العنصرية الثقافية الإقصائية على الجنس والعرق المشترك.

أسباب صعود اليمين المتطرف

شهد العقد الماضى صعودا كبيرا لليمين المتطرف الذي جاء مدفوعاً بالعديد من العوامل، أبرزها تزايد موجات النزوح والهجرة إلى دول العالم الغربى، حيث فجرت أزمة اللاجئين في القارة العجوز بوصول نحو 2 مليون لاجئ معظمهم سوريون إلى أوروبا منذ مطلع العام 2015، أكبر أزمة لدى دول الاتحاد منذ تأسيسه، وأحدثت انقساماً كبيرا بين أعضائه بشأن كيفية استيعاب تلك الأعداد الهائلة من اللاجئين، وهو الانقسام الذي ألقى بظلاله على الساحة السياسية وساهم بشكل كبير في صعود نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة المعروفة بعدائها للمهاجرين، كما ساهمت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، إضافة إلى فشل القادة الأوروبيين في استيعاب مطالب شعوبهم، في الصعود الملحوظ لهذا الاتجاه السياسى.

هولندا.. حظر النقاب بعد جدل

ومن ملامح تنامي التوجه اليميني في هولندا، دخل قانون "حظر النقاب" قيد التنفيذ، في أغسطس ، ويمنع بموجبه ارتداء النقاب "في المؤسسات العامة مثل المدارس والمستشفيات والمكاتب الحكومية وفي وسائل النقل العمومية الحافلات والقطارات".

وجاء القرار بعد جدل كبير استمر 14 عاما، وأثار موجة من الجدل في دول أوروبية مجاورة، ظهرت فيها دعوات لحظر النقاب أسوة بهولندا.

فرنسا.. عودة جدل قانون "منع الحجاب"

كما شهدت فرنسا خلال العام، جدلا متجددا حول قانون "منع الحجاب" بعد أن طالب البرلماني اليميني جوليان أودول، مواطنة ترافق أطفالا بنزع حجابها خلال اجتماع المجلس، في أكتوبر.

وبينما أدان الوزراء الفرنسيون تصرف البرلماني، ساد جدل مجددا حول القانون الذي ينص على "منع موظفات الخدمة العامة من ارتداء الحجاب أيا كان موقعهن"، وما إذا كانت هذه المرأة قد خالفته أم لا.

ولا يلزم القانون أعضاء الجماعات المنتخبة بعدم ارتداء الحجاب، إذ يمكن للمرأة المنتخبة بالمجالس البلدية الاحتفاظ بحجابها خلال الاجتماعات.

فيما يرى البعض أن عليها نزعه خلال بعض المهام التي تندرج في إطار إسداء الخدمات العامة، معتبرين أن هذا الأمر يخضع لقانون الحجاب المتعلق بالوظيفة العمومية.

وعقب هذه الحادثة، تظاهر مئات الفرنسيين من مختلف الأطياف السياسية والدينية والمدنية، بالعاصمة باريس، احتجاجا على الحملة السياسية الراهنة ضد المسلمات المحجبات، وانتشار الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين.

ألمانيا.. جدل النقاب وضرائب المساجد

أما في ألمانيا، فشهدت البلاد مطلع العام، بحث الحكومة فرض ضريبة على مساجد البلاد، على غرار الضرائب التي تفرضها السلطات على الكنائس الكاثوليكية والإنجيلية.

وفي أغسطس، اشتعل النقاش مجددا في ألمانيا حول مسألة حظر النقاب، إذ قالت نائبة رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي يوليا كلوكنر، إن "النقاب الكامل أو تغطية الوجه بشكل تام لا يعبر عن حرية التنوع الديني، وإنما يعكس صورة نمطية مهينة للمرأة"، حسبما نقلت قناة "دويتشه فيله".

وفي السياق ذاته، أعربت وزيرة العدل الألمانية كريستينه لامبريشت، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن نيتها التقدم بمشروع تعديل قانوني "يمنع النقاب الكامل لدواعي دينية أمام المحاكم"، حسب المصدر ذاته.

إيطاليا تغلق أبوابها أمام اللاجئين

سياسات اليمين المتطرف انعكست على موقف روما من عدة قضايا، ففي يناير ، رفض وزير الداخلية الإيطالي حينها سالفيني، استقبال مهاجرين قصر أنقذتهم سفينة "سي ووتش 3" الإنسانية في البحر المتوسط، معتبرا أن هؤلاء القاصرين "يبلغون 18 عاما ولم يعودوا أطفالا".

كما أكد سالفيني عقب هذه الحادثة أن "موانئ بلاده ستظل مغلقة في وجه المهاجرين".

ومنذ توليه منصبه، اعتزم سالفيني الذي كان نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا للداخلية معا حتى سبتمبر ، البدء بملف اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين.

وفي أكتوبر، أصدرت الحكومة الإيطالية مرسوما لتسريع عمليات إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى بلادهم، يشمل 13 دولة ويهدف إلى تقليص الوقت المطلوب لإجراءات اللجوء إلى النصف.

ووفق ما نقلته وكالة "آكي" المحلية، تشمل هذه البلدان "ألبانيا، والجزائر، والبوسنة والهرسك، والرأس الأخضر، وكوسوفو، وغانا، ومقدونيا الشمالية، والمغرب، والجبل الأسود، والسنغال، وصربيا، وتونس، وأوكرانيا".

العام 2019 شهد أيضا ظهور حركة "السردين" في إيطاليا، المناهضة لتيار اليمين المتطرف فيها، وسميت بهذا الاسم نسبة لاكتظاظهم في الميادين، فالكتف ملاصق للآخر تماما كعلبة السردين، حسبما يقولون.

وردا على تنامي قوة التحالف اليميني الذي تقوده "الرابطة" شمالي البلاد، نظمت الحركة عددا من التظاهرات في مدن إيطالية مثل مودينا وبولونيا وفلورنسا، شارك فيها آلاف المتظاهرين في نوفمبر وديسمبر الجاري.