اهتمام الإمام بقضايا العالم الإسلامي

قد يستغرب الكثيرون هذا العنوان ما دخل حسن البنا في ليبيا؟!

ولكن من يتتبع تراث الإمام البنا يجد ليبيا من الأهمية بمكان عند هذا الإمام؛ لأن هذا الرجل لم يعش لنفسه ولا لوطنه الصغير مصر، بل عاش للأمة أجمع.

فقد كتب البنا مقالات عدة عن ليبيا.. أول هذه المقالات كتبها في مجلة النذير العدد 23 سنة 1938 بعنوان: (قطعة من وطننا)، وفيه يستنكر قرار الحكومة الإيطالية التي قررت نقل 1800 أسرة إيطالية تريد أن تستوطن ليبيا ولنقل الثقافة الفاشستية فيها، ويستنكر على الصحف العربية نقل هذا الكلام من غير تعليق، ويقول:

"في هذا الوقت تقضي السياسة الإيطالية على ما بقي من معالم الإسلام والعروبة في أرض عقبة بن نافع والسنوسي وعمر المختار.. أيها المسلمون، منذ الآن ليست طرابلس قطرًا إسلاميًّا عربيًّا، فقد تفضل السنيور موسليني فمنحها نعمة اللحاق بإيطاليا، وكتب لها فخار التجنس بجنسية الطليان بعد أن كانت تحت راية القرآن.. أيها المسلمون، ستسألون بين يدي الله عن هذه القطعة من صميم الأوطان الإسلامية في غرب مصر وفي شرق تونس وعلى شاطئ بحر الروم، وفي شمال السودان، وليس فيها إلا عربي مسلم، كيف تركتموها طعمة للناهبين وغرضًا للطامعين؟!.. أيما المسلمون، اذكروا دائمًا وعلّموا أبناءكم أن طرابلس ليست وطنًا إيطاليًّا، ولن تكون كذلك في يوم من الأيام، وإن أرادت ذلك الدنيا بحذافيرها، وإن انتقل إليها سكان إيطاليا أجمعين، وستظل بحول الله وقوته، واستعدوا لساعة الخلاص وإنها لآتية (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)".

وتحت عنوان (أيها المرشال بالبو) جاء المقال الثاني للإمام حسن البنا في مجلة "النذير" العدد 13 سنة 1939، وفيه استقبل الإخوان المسلمون المارشال بالبو لأول مرة خلال زيارته لمصر ببرقية احتجاج شديدة على طلينة طرابلس العربية المسلمة بالتجنس والهجرة، وعلى فظائع الحكم الإيطالي فيها، وشفعوها ببرقية إلى وزير الخارجية يطلبون رفع هذا الاحتجاج رسميًّا.

ومنها مقال بعنوان (الإخوان المسلمون وقضية طرابلس) في مجلة "الإخوان المسلمون" العدد 71 سنة 1945، وقد جاء فيه كذلك رفع الإخوان المسلمين مذكرة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وفيها يتقدم إليكم قسم "الاتصال بالعالم الإسلامي" في جماعة الإخوان المسلمين بمذكرة موجزة عن قضية قطر عربي إسلامي عزيز، وحذر من فتح أوروبا هجرة اليهود إلى ليبيا حتى لا تكون فلسطينًا ثانية.

والمقال الرابع في مجلة "الإخوان المسلمون" بعنوان (ليبيا) العدد الأول بعد المائة سنة 1946، وقد تكلم الإمام عن ليبيا في معرض حديثه مرات كثيرة، وهذا يدل دلالة واضحة على تعلق الرجل بكل أرض الإسلام، وكان لا يعترف بالحدود التي وضعها الاستعمار ويسمي كل بلاد الإسلام الوطن الإسلامي الفسيح أو الكبير، وقد حفظنا من رسائله قول الشاعر:

ولست أدري سوى الإسلام لي وطنا*الشام فيه ووادي النيل سيان

وكلما ذكر اسم الله في بلد *عددت أرجاءه من لب أوطان

هذا حسن البنا كان للإسلام وللمسلمين، جدد معنى الأخوة بين المسلمين، كانت دعوته عالمية؛ لأنها صدى للدعوة الأولى؛ ولأنها من صميم الإسلام.

تكلم عن فلسطين وكتب أكثر من سبعين مقالاً عنها، تكلم عن أرض الإسلام كلها.

رحم الله الإمام البنا؛ فقد كان يهتم لأمر المسلمين في كل بقاع الأرض، ولقد كان يعرف عن ليبيا أكثر حتى من بعض أبنائها؛ حرصًا منه على وحدة الأمة وسلامة أراضيها من أي محتل.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.