• مكانة المرأة بصفة عامة حسبما تفصح عنه أحكام ديننا الحنيف

• حق المرأة في الانتخاب وعضوية المجالس النيابية وتولي الوظائف العامة

مكانة المرأة بصفة عامة حسبما تفصح عنه أحكام ديننا الحنيف

المرأة هي الأم التي ورد في شأنها الأثر الكريم أن الجنة تحت أقدامها (الطبراني)، والتي قدمها الله تعالى على كل مَن عداها في حق صحبة الأبناء لها، ففي الصحيح: "سأل سائلٌ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: مَن أحقُّ النَّاسِ بِحُسنِ صُحبَتِي؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: "أمُّكَ"، قال السائل: ثمَّ مَن؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: "ثمَّ أمُّكَ"، قال السائل: ثُمَّ مَن؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: "ثمَّ أمُّكَ"، قال الرجل: ثمَّ مَن؟ قال- صلى الله عليه وسلم- في الرابعة: "ثمَّ أبوك"، ويقول تبارك وتعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ (الإسراء: 23).

والمرأة هي الابنة والأخت التي تولد كما يولد أخوها الذكر من ذات الصلب ومن نفس الرحم: ﴿يَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ (الشورى: 49- 50)، ويقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "النساء شقائق الرجال"، والمرأة هي الزوجة التي هي سكن للرجل والرجل سكن لها: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21)، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ (البقرة: 187).

والمرأة هي نصف المجتمع ونصف الأمة، والقائمة على تنشئة كل الجيل اللاحق من الرجال والنساء وتوجيهه وإصلاحه، وغرس المبادئ والعقائد في النفوس، وهي بعد على الفطرة، والتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وخلق الله- تبارك وتعالى- آدم من تراب، ثم خلق منه حواء، ثم توالى النسل من ذات النفس الواحدة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ (النساء: 1)، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ (الأعراف: 189).

وليس في شريعة الإسلام نص أو أثر يشير أية إشارة إلى ما تتضمنه بعض المذاهب والأديان الفاسدة التي افترت على الله الكذب، وادعت أن المرأة مخلوق شيطاني أو نجس؛ بل كما قلنا فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:"النساء شقائق الرجال"، كما يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "المؤمِنُ لاَ يَنجسُ"، والحقيقة التي تنطبق بها النصوص أن العبرة بالإيمان وتقوى الله وحسن الخلق، يقول الله- تبارك وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)،﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ (آل عمران: 195)، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 79).

وليس في نصوص القرآن والسنة المطهرة ما يفيد المزاعم التي ترددها الأديان والمذاهب الفاسدة، التي افترت على الله الكذب، وادَّعت أن حواء- عليها السلام- هي التي أغوت آدم- عليه السلام- بالأكل من الشجرة التي حرمها الله عليهما من الجنة؛ ولكن نصوص القرآن الكريم قاطعة بأن الأمر الإلهي توجه إلى آدم وحواء معًا: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ* وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ* فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾ (الأعراف: 19- 22)، ثم كانت التوبة منهما معًا: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف: 23)، وفي سورة البقرة: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (البقرة: 36)، وهكذا سدَّت نصوص القرآن الكريم والثابت الصحيح من السنة المطهرة كلَّ منابع الادِّعاء الزَّائف، والخرافاتِ التي يثيرها البعض حول المرأة وطهارتها.

ومسئولية المرأة الإيمانية كالرجل سواء بسواء، فهي مسئولة عن تصديقها وإيمانها بالله والرسول، وإن خالفها أقرب الناس من أبٍ أو أخٍ أو زوجٍ في ذلك، ولحكمة شاءها الحكيم الخبير ضرب الله المثل للذين كفروا بامرأتين كما ضرب المثل للذين آمنوا بامرأتين أُخريين: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ (التحريم: 10- 12).

فالمرأة كالرجل مأمورة بالإيمان بالله واليوم الآخر والكتاب والملائكة والنبيين.. إلى آخره، كما أنها مأمورة أن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطاعت إليه سبيلاً، وعليها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن عليها واجب الولاية لجماعة المسلمين: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (التوبة: 71)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ (الممتحنة: من الآية10)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ﴾ (الممتحنة: من الآية 12).

وعلى المرأة ما على الرجل من واجب والتفقه في أحكام الدين، لما تحتاج إليه من شئون حياتها، والنذارة والتبليغ عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)، ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122)، والطائفة هي الجماعة من الناس، والحدود المنصوص عليها في الشريعة الغراء واحدة بالنسبة للرجل والمرأة؛ فالسارق كالسارقة، والزاني كالزانية، والقاذف كالقاذفة، وشارب الخمر كشاربته، والمحارب لله ورسوله كالمحاربة، ونفس المرأة في القصاص كنفس الرجل، والمرأة القاتلة كالرجل القاتل، والمرأة القتيل كالرجل القتيل، ويقتص من الرجل إذا قتل امرأة كما لو كان قتل رجلاً، وأحكام الدِّيات واحدة لا تفرق بين رجل وامرأة، ولقد شاركت النساء في بيعة العقبة الأولى وفي بيعة العقبة الثانية.

ولحكمة شاءها العليم الخبير كان أول مَن آمن وسَاند وأيَّد وأدخل السكينة على رسولنا المصطفى وخاتم المرسلين امرأةً هي السيدة "خديجة"- عليها السلام- كما كانت "سميَّة"- رضي الله عنها- من السابقات إلى الشهادة في سبيل الله، وروى "البخاري" و"أحمد" عن "الربيع بن معوذ" قال: قالت: "كنا نغزو مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نسقي القوم ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة"، كما أخرج "مسلم" و"أحمد" و"ابن ماجه" عن "أم عطية" الأنصارية قالت: "غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى".

وأخرج "مسلم" في صحيحه عن "أم سليم"- زوج "أبي طلحة"- أنها اتخذت خنجرًا يوم (حنين)، فلما سألها رسول الله- صلى الله عليه سلم- قالت: "اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بقرت بطنه"، ولم ينكر عليها الرسول- صلى الله عليه وسلم- وخرجت "نسيبة بنت كعب" في حروب الردة في عهد "أبي بكر"- رضي الله عنه- فباشرت القتال بنفسها، وعادت وبها عشرات الجراحات بين طعنة وضربة".

ولا يصح زواجٌ في شريعة الله إلا بموافقة المرأة ورضاها وإجازتها، ولا يجوز شرعًا إجبارها على الزواج ممن لا ترضاه، وللمرأة ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئًا عن ذمة الرجل المالية، فلها حق تملك جميع أنواع الأموال من عقارات ومنقولات وأموال سائلة- نقود- كالرجل سواء بسواء، ولها حق التصرف بمختلف أنواع التصرفات المقررة شرعًا فيما تملكه، فلها أن تبيع وتشتري وتقايض وتهب وتقرض وتقترض... إلى آخره، وتصرفاتها نافذة بإرادتها الذاتية، ولا يتوقف شيء من ذلك على رضا أبٍ أو زوجٍ أو أخٍ.

أورد "البخاري"- رحمه الله- في صحيحه بابًا بعنوان (هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز ما لم تكن سفيهة)، وذكر فيه أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" اعتقت وليدة كانت لها دون أن تستأذن النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم ذكرت له- صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال: "إنَّك لَو أعطيتهَا أخوَالَكِ كَان أعظَمَ لأجرِكِ".

وقد فسر الرسول- صلى الله عليه وسلم- الحديث الثابت عنه، والمتضمن أن النساء ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، وناقصات حظ بما يتسق مع ما أوردته النصوص من حقوق للمرأة، ومن كيان إنساني متكامل، على النحو الذي سبق أن أوضحناه، فنقص الدين نقصًا في الإيمان؛ لا لأنها مخلوق متدنٍ غير أهل للتزكي وارتقاء أعلى الدرجات؛ ولكن معناه أن الله- تبارك وتعالى- رفع عنها بعض العبادات في أوقات محددة، فرفع عنها الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس، كما فسر نقص الحظ بأنه نقص في بعض أنصبة الميراث فقط فلم يتعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى نقصٍ في حظوظ أخرى أو إلى ما يشير لتدني درجتها.

وكذا نقص العقل فهو محدَّد بالشهادة على أمور معينة، أهمها الدَّين: أي القَرض وعُقود البيع والحدود، ويقطع بعدم إطلاق نقص العقل أو أنه يتدنى بالمرأة فيفقدها المساواة الإنسانية بالرجل أن من الأمور ما لا يقبل فيه إلا شهادة النساء دون الرجال وأن نقل المرأة الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقبول بالإجماع، كذا ما سبق مما أسلفنا من واجبات المرأة الإيمانية والعقائدية وحقها في التملك والتصرف واتخذا العقود مستقلة بذلك استقلالاً كاملاً لو لم يكن الأمر كذلك لتوقفت تصرفاتها والعقود التي تبرمها على ما يكمل نقص عقلها.

وقد تواترت في النصوص القرآنية الخطاب الموجه للناس جميعًا– المرأة والرجل على سواء– والمؤمنين والمؤمنات على سواء قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: 35)، كما يقول عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: 36)، ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ (النور: 30-31).

أما القوامة التي لرجال على النساء، التي وردت في قوله عز وجل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: 34)، فلا يجوز أن تفهم على أنها مطلقة في كل الأمور ولعامة الرجال على عامة النساء، وإن ما ورد بذات الآية أيضاحًا لهذا النص بقول عز وجل: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: 34)، يحدد أن هذه القوامة خاصة بالأسرة فقط، وفيما يتعلق بالأمور المشتركة بين الزوج والزوجة دون ما عداها.

وكما أسلفنا فليس للزوج قوامة على تصرفات زوجته المالية، وكل تصرفاتها في أموالها  الخاصة نافذة، وليس لزوجها أن يبطل شيئًا منها، كما لا يتوقف أي من هذه التصرفات على إذن الزوج، كما أن هذه القوامة هي رياسة وتوجيه مقابل التزامات وواجبات يجب أن تُؤدَّى وتحترم؛ فالرجل هو الذي يؤدي الصداق عند الزواج، وهو الذي يعد المسكن وفرشه وفراشه، وكل ما يحتاجه، وهو الذي عليه نفقة الزوجة والأولاد وليس له أن يجبر زوجته على المشاركة في شيء من هذا، وإن كانت ذات مال، وهو- في الأغلب- الأكبر سنًا والأكثر اختلاطًا بالناس وتدخلاً في الأمور العامة، ولابد لكل مجموعة من قائد يقودها في حدود ما أمر الله- تبارك وتعالى- إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والزوج هو المؤهل لهذه القيادة.

وهذه الرياسة ليست رياسة قهر وتحكم واستبداد؛ ولكنها تراحم وتوادٌّ ومعاشرة بالحسنى وإرشاد إلى  الطريق السليم بالحكمة والموعظة الحسنة، وهي تقوم- أساسًا- على التشاور، فالنص الكريم عن المسلمين: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: 38)، عام، كما ورد النص الخاص الذي يرشد إلى التشاور في أمور الزوجية: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ (البقرة: 233)؛ بل حتى في الطلاق ورد ما يفيد ذلك، ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ (البقرة: 229)، فإذا أضفنا إلى ذلك قوله عز وجل: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 19)، وغير ذلك مما ورد في الشرع الحنيف من أن الحياة الزوجية تقوم على السكنى والمودة، يتبين لنا بصورة قاطعة معنى القوامة وحدودها وأنها ليست لأن المرأة جنس أدنى ولا لنقص انسانيتها وحقوقها الأساسية وانما هي كما قال الله تبارك وتعالى درجة للرجل في مقابل واجبات التزم بها لتستقر أمور الأسرة.

فالأصل إذن هو المساواة بين الرجل والمرأة؛ ولكن الاستثناءات ترد من لَدُن العليم الخبير، الذي هو الخالق والأعلم بمن خلق وذلك في الأمور التي ميز تعالى فيها المرأة والرجل، وجعل للمرأة خصوصيات تتناسب مع وظيفتها الأساسية في الحياة وكذا بالنسبة للرجل، وهذا التمايز مقصود به التكامل وهو ضروري لتحقيق هذا التكامل ولا ينجذب الرجل للمراة ولا تنجذب المرأة للرجل ولا تستقيم الحياة الزوجية ولا تقوم الأسرة إلا به، ولهذا التمايز ولطبيعة المرأة وأنها الوعاء الذي تستقر فيه الأنساب خص الله- تبارك وتعالى- المرأة بحرمات يجب المحافظة عليها حتى يحافظ على الأعراض وتصح الانساب.

وقد وردت النصوص بأن جسد المرأة كله عورة ولا يجوز أن يظهر لغير محارمها سوى الوجهوالكفين وأن خلوة المرأة بالرجل غير المحرم لها غير جائزة فإذا أضفنا إلى ذلك أن حياء المرأة أسمى بكثير من حياء الرجل وما يخدشحياءها أقل وأدق مما يخدش حياء الرجل كان من اللازم أن يراعى فيما أسلفنا من حريات وحقوق للمرأة أن تباشر هذه الحريات وتلكم الحقوق في ملابسات تحفظ عليها عرضها وكرامتها وحياءها وحرمتها.

كما أن مما لا شك فيه أن للمرأة وظيفة هامة وسامية خصها الله تبارك وتعالى بها هي وظيفة الحمل والأمومة وهو ما لا سبيل للجرل أن يقوم به، وهي أسمى الوظائف- رغم ما يحاول البعض من تهوينها والحط من شأنها- وبدونها ينقطع النسل وتجف منابع الجنس البشري، وأكثر من ذلك فإن الأم هي التي ترضع وليدها مع لبنها حنانًا ورعاية تشيع في اجزاء نفسه وفي كل جسده ويبقى تأثره بها حتى يشب ويكبر، كما أن المرأة هي ربة البيت وملكته ووظيفتها في رعاية أهل البيت وإعداده للسكن والهدوء والراحة والمودة خطيرة وجليلة، فلا يجوز أن تهمل أو يستخف بها، وهذه الوظائف والمهام والخصائص التي ميز بها الله- تبارك وتعالى- المرأة بها تقابلها حقوق للزوج والأولاد لها أسبقية على غيرها، ويجب تقديمها على ما عداها، وهي لازمة لضمان استقرار الأسرة التي هي خلية المجتمع الأساسية وقوام تماسكه وصلابته وصلاحه، كما لا يجوز إغفال حقوق الزوج الشرعية في الإذن لزوجته في الخروج والعمل.

فهذه حقوق شرعية معتبرة وهي تنظم بالاتفاق بين الزوج والزوجة، وهي بعيدة عن أن ينظمها قانون أو أن تتدخل السلطة فيها إلا في حالات نادرة.

حق المرأة في الانتخاب وعضوية المجالس النيابية وتولي الوظائف العامة

بعد هذه المقدمة- التي نرجو أن تكون قد ألقت الضوء على مكانة المرأة المسلمة في المجتمع المسلم، وأوضحت بعض حقوقها وواجباتها- فإننا نعرض لما نراه بخصوص ما أثير في المجتمعات العالمية عامة والإسلامية خاصة حول مشاركة المرأة في انتخاب أعضاء المجالس النيابية وما ماثلها، وحقها في أن تُنتخَب عضوًا بتلك المجالس، وأن تتولى الوظائف العامة، وأن تقوم بالأعمال المهنية:

أولاً: المرأة وحق المشاركة في انتخاب أعضاء المجالس النيابية وما ماثلها

ونحن نرى أن ليس ثمَّة نصٌّ في الشريعة الغراء يحجب أن تشارك المرأة في هذا الأمر؛ بل إن قوله تبارك وتعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (التوبة: 71)، ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104) يتضمن تكليفًا للمرأة هي تؤديه بالمشاركة في اختيار أولي الحلِّ والعَقدِ على وجهٍ شرعيٍّ.

وفي بعض الظروف قد تكون هذه المشاركة واجبة وضرورة؛ فحيث تنص قوانين الانتخابات المعمول بها في كثير من الدول الإسلامية الآن على إطلاق حق المرأة في الإنتخابات، فإن إحجام المرأة المسلمة عن المشاركة في الانتخابات يضعف من فرصة فوز المرشحين الإسلاميين.

ثانيًَا: تولي المرأة مهام عضوية المجالس النيابية وما يماثلها

ترى الجماعة أن ليس في النصوص المعتمدة ما يمنع من ذلك أيضًا، وما أسلفناه من نصوص تؤيد مشاركتها في الانتخابات ينطبق على انتخابها عضوًا، ومما قيل في هذا الشأن لتأييد الرأي المعارض:

1- إن المرأة جاهلة وغير متمرسة بالشئون العامة، وبالتالي يسهل التغرير بها.. وهذه الحجة مردودة بأن المرأة الجاهلة كالرجل الجاهل، وليست كل النساء جاهلات، ولا كل الرجال بالمتعلمين أو المتمرسين في الشئون العامة، أو لا  يسهل التغرير بهم.. كما أننا نتكلم عن أصل الحق لا عن الشروط الواجب توافرها في الناخب أو الناخبة؛ لضمان حسن أدائه المهمة، فتلك قضية أخرى، ونحن ندعو لتعليم وتثقيف النساء والرجال، وبذل كل جهد ممكن في هذا المضمار الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الغراء، وواجب شرعي هام.

2- إن المرأة يعتريها الحيض والنفاس والحمل مما قد يعوقها عن أداء العمل بالمجلس الذي تنتخب فيه.. والرد على ذلك أن الرجل أيضًا يعتريه من الأمراض وغيرها مما يؤثر عليه وعلى مكانته في العمل، يضاف إلى ذلك أن عضوية المجالس النيابية تُحدَّد لها شروط، منها: ألا يقل سن العضو عن حد معين، يتراوح عادة من بين ثلاثين عامًا إلى أربعين عامًا، والأغلب أن المرأة إذا بلغت الأربعين، أو جاوزت ذلك، فإنها تكون قد فرغت من أعباء الحمل والولادة، وبلغت طور النضوج العقلي والنفسي والاستقرار العاطفي، كما أنه قلما يستطيع الشخص في سن الحد الأدنى المقررة أن يفوز بالمنصب النيابي لما يحتاج إليه ذلك لممارسة طويلة لسنوات عديدة في الأعمال العامة، والإحصاءات تقرر أن قلة صغيرة من أعضاء المجالس النيابية، هم الذين يكونون في الحد الأدنى من السن المقررة، أو ما يقاربه، والغالبية تكون قد جاوزت ذلك بكثير.

وعلى أية حال فنحن نتكلم عن الحق في الترشيح للعضوية، وفي توليها إذا ما تم الانتخاب، ولسنا بصدد البحث فيما ينبغي أن تتضمنه شروط العضوية من مؤهلات يجب أن تتوافر في الرجل أو المرأة، كما أن الأمر متروك للناخبين، فإن رأوا المرشحة ليست في حالة أو ظروف وأوضاع تمكنها من أداء مهامها، فالمفروض أنهم لن يؤيدوا انتخابها، كما أن الجهة التي سوف تزكيها سوف تحجم عن تزكيتها وترشيحها.

3- التبرج والاختلاط.. ونحن لا ندعو للتبرج ولا للاختلاط، ولا نقول بالتسامح فيه، والمرأة مأمورة بأن تلتزم بزيها الشرعي؛ سواء خرجت للمشاركة في الانتخابات، أو لحضور جلسات المجلس التي هي عضو فيه، أو لغير ذلك، كما أنه من الواجب أن تخصص مراكز انتخاب للنساء؛ وهو أمر معمول به في معظم الدول الإسلامية، كما أنه يجب أن تخصص للنساء في المجالس النيابية أماكن لا يكون ثمة مجال لتزاحم أو اختلاط.

4- سفر المرأة العضو للخارج بغير محرم.. وهذا أمر مردود بأنه ليس بالضرورة أن تسافر ما لم تكن مع محرم، أو في حال يؤمن عليها فيه حسبما تقرر الأوضاع الشرعية.

ثالثًا: تولي المرأة الوظائف العامة

الولاية العامة المتفق على عدم جواز أن تليها المرأة هي الإمامة الكبرى، ويقاس على ذلك رئاسة الدولة في أوضاعنا الحالية.. أما القضاء فقد اختلف الفقهاء بشأن تولي النساء له؛ فمنهم من أجازه على إطلاق مثل "الطبراني" و"ابن حزم"، ومنهم من توسط على الإطلاق (جمهور الفقهاء)، ومنهم من توسط فأجازه في أنواع من القضايا، ومنعه في أخرى، مثل الإمام "أبوحنيفة"- رضي الله عنه-، وما دام الأمر موضع اجتهاد، فالترجيح- طبقًا للأصول الشرعية- أمرٌ واردٌ، ثم ابتغاء مصلحة المسلمين طبق ضوابطها الشرعية، وطبقًا لظروف المجتمع وأحواله أمرٌ واردٌ أيضًا.

أما ما عدا ذلك من الوظائف؛ فما دام أن للمرأة شرعًا أن تعمل فيما هو حلال لم يرد نص بتحريمه، وما دام أن الوظيفة العامة هي نوع من العمل؛ فليس ثمَّة ما يمنع أن تليها، وكذا قيام المرأة بالأعمال المهنية؛ طبيبة، مدرسة، ممرضة، إلى غير ذلك مما قد تحتاج إليه هي، أو يحتاج إليه المجتمع.

ملاحظات مهمة

نرى ضرورة التنويه إلى لزوم التفرقة بين أن يكون للإنسان حق، وبين كيفية استعمال هذا الحق، وشروط ذلك، والظروف المناسبة لاستعمال هذا الحق، وبالتالي فإذا كانت المجتمعات تتباين ظروفها الاجتماعية، وتختلف تقاليدها، فإنه يكون من المقبول أن يتدرج استعمال الحقوق طبقًا لأحوال المجتمع وظروفه، وأن يحاط استعمال الحق بما يناسب تلك الأحوال، وأهم من ذلك بما يؤدي إلى الخروج أو الإخلال بقواعد أخلاقية وردت بها النصوص، ويجب الالتزام بها.

ومما يجب أيضًا الإشارة إليه- وبإلحاح- أن المثال الغربي لمعاملة المرأة ووضعها الاجتماعي، والاستهانة بحيائها وعرضها، هذا المثال من هذه النواحي مرفوض جملة وتفصيلاً، وهو يقوم على فلسفة إباحية تناقض مبادئ الشريعة الغراء وأخلاقها وقيمها، ونحن في مجتمعنا الإسلامي يجب أن تكون المبادئ والأخلاق والقيم الإسلامية هي المهيمنة والمعتبرة بكل حرص وبكل إعزاز وبكل تقدير ومع خشية كاملة لله تبارك وتعالى، والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.