"مصعب بن عمير" صحابي جليل من صحابة النبي- صلى الله عليه وسلم-، أسلم مبكرًا ونال شرف الصحبة، جاهد وبذل، وعاش الزهد والتقشف بعد الترف والغنى، وكانت رابطة الإسلام أقوى عنده وأشد من رابطة النسب، فكان بارًا بأمه رغم شركها، وكان أول سفير بالدعوة إلى الله فأسلم على يديه أهل المدينة المنورة، ويالَها من صدقة جارية!!

هاجر الهجرتين، وجاهد حتى نال الشهادة.

فليقتدِ الشباب والرجال به وبإخوانه من الصحابة الكرام، الذين قال الله فيهم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23).

لماذا نتحدث عن سيرة "مصعب"؟

نتكلم في هذا الدرس عن سيرة صحابي جليل من صحابة رسول الله، كان شابًا غنيًا مترَفًا منعَّمًا، حسَن الوجه، لطيف المعاملة والمعاشرة، وكلما تعمَّق القارئ في ترجمته ازداد له هيبةً وامتلأ اعجابًا وإكبارًا له، فهم ممن وضعوا البنَى الأساسية لمجد الإسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينة رسول الله بين الأنصار أوسهم وخزرجهم، ولا نقصد بكلامنا عن هذه الشخصية الكريمة مجرد التفاخر والتواكل والاعتماد في الحاضر على الأحساب والأمجاد الأولى، فهذا لا يفيدنا شيئًا في مجال البناء والنهضة بشبابنا الضائع وأمتنا التائهة.

وإنما نقصد استلهام روح البطولات الرائدة لدى سلفنا الصالح؛ ليصبح الحديث عنهم عنوانًا طيبًا صالحًا لبعث الحياة فيهم من جديد، وتجديد الأمل، واستعذاب المُنى وتفجير الطاقات والقوى، وإحداث التغيرات الفورية في جيل الإسلام وأمة الحاضر للاتجاه نحو الأفضل؛ والعمل من أجل غد مشرق ومستقبل باسم مليء بالأمجاد لا مجال فيه لمتخاذل أو مستضعف أو متردد أو مبتدع مارق، فليس الكلام الشيق المفصل عن حياة أي صحابي مجرد قصة أو ترجمة عابرة للتسلية وشغل الوقت كأغلب قصص وثقافات السوق الرائجة..، وإنما لتبيين موطن العبرة وموضع العظة ومعرفة طريق الأمل والنور.

لهذا قال مؤرخو السيَر والتراجُم: القصد من ذكر أخبار الأخيار شرح أحوالهم وأخلاقهم؛ ليقتدى بهم السالك... ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (الأنعام من الآية90).

حال مصعب قبل الإسلام:

هذا الصحابي هو السيد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري "مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي"، أحد السابقين في الإسلام، أسلم قديمًا والنبي في دار الأرقم، وكان محببًا لوالديه يغدقان عليه بما يشاء من أسباب الراحة والترف والنعيم؛ ولهذا كان من أنعَم فتيان مكة وكان فتى مكة شبابًا وجمالاً وتِيهًا، وكانت أمُّه غنية كثيرة المال، تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقَّه، وكان أعطر أهل مكة، وكان رسول الله يذكُره ويقول: "ما رأيت بمكة أحسنَ لمَّةً ولا أرقَّ حلّةً ولا أنعمَ نعمةً من مصعب بن عمير"، ولكن هل منع "مصعب" ما كان فيه من الراحة والنعمة ألاَّ يدخل في الإسلام بعد أن سمع به، كلا لم يحدث شيء من هذا بل لما سمع بالإسلام دخل فيه مباشرةً، وكان يعلم أنه سيُسلب النعيم الذي هو فيه، وسوف يتبدل حالُه من العزّ إلى الفقر، ولكنه آثر الآخرة على الدنيا، نعم لم يفعل كما يفعل المترَفون اليوم من عدائهم للمتمسكين بهذا الدين والاستهزاء بهم، ولم يقُل: إن هذا الدين كبتٌ وجرح للمشاعر، ولم يجمع حوله الشباب الضائع المائع المتكسر البعيد عن الرجولة؛ لينشغل بمغازلة النساء، ولم يقل أنا شاب الآن عندما أكبر أتوب وأرجع إلى الله، كلا لم يفعل ولم يقل شيئًا من هذا الهراء كما يفعله شباب اليوم!!.

بل دخل في دين الله متحديًا بذلك قريشًا بعتادها وقوتها لما كان يرى من تعذيبهم للمستضعفين في رمضاء مكة.

التغير التام لحياته ثم هجرته إلى الحبشة:

أسلم "مصعب" فعلمت به أمه وكانت تحبه حبًا شديدًا فحاولت أن تثنيَه عن الإسلام ولسان حالها ومقالها: لا تتشدد يا بني، ماذا تريد من هذا الدين؟ أتريد أن تمنع نفسك من الغناء ومن النساء ومن الشهوات! إن الدين يبعد عنها ويمنعك منها، وأنت تعلم أن الحياة لا تصفو إلا بهذه الأمور، ولكن "مصعبًا" يعلم أن ما حرمه الله عليه في الدنيا سوف يجده عند الله في الجنة, أما الغناء فسوف يسمع الحور العين يغنين له في الجنة، أما النساء ففي الجنة ما يروي عطش الظمآن، ويطفئ سعار شهوة اللهفان من حور عين لو اطلعت إحداهن على أهل الدنيا لأضاءت لها الأرض ولافتتن أهل الدنيا وما فيها، وأما الخمر ففي الجنة، فهو من خمر لذة للشاربين لا تزيل العقل ولا تضعف البدن، فليست هناك مقارنة في الأصل بين الدنيا والآخرة ومع هذا كله فللمؤمن مغفرة من الله، وله من كل الثمرات، ومن كل ما تشتهي نفسه وتلذُّ عينه من خلود أبدي ولا موت ولا فوت، هل هذا كمن هو خالد في النار ويسقى ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم؟ كلا ليست هناك مقارنة، وليس هناك أي تنازل عند "مصعب" أمام والدته وليس لديه خيار آخر غير الإسلام فضيقت عليه ومنعته من كل نعيم كان فيه، ووصل الحال إلى سجنه، وهو مع هذا كله لم يزدد إلا ثباتًا ورسوخًا ولسان حاله: "ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي، فلن أترك ديني مهما حل بي من ضيق وشدة"، ولقد عانى معاناةً شديدةً وهو يعذَّب، والسبب في ذلك أنه عاش حياة الرفاهية، وتصوروا عندما تغير به الحال وهو الشاب الناعم الطري الذي نشأ في أحضان النعمة والترف لم يثنه شيء من ذلك عن دينه يقول عنه "سعد بن أبي وقاص": وأما "مصعب بن عمير" فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا من شظف العيش، لم يقو على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ولقد رأيته ينقطع به فما يستطيع ان يمشى، فنعرض له القسى ثم نحمله على عواتقنا.

ومع هذا الألم صبر وصابر محتسبًا الأجر عند الله سبحانه، كيف لو حدث مثل هذا لبعض شبابنا اليوم هل تظنون أنه سوف يثبت على دينه أو يتركه كليةً، إننا نرى في بعض من لم يلتزم بهذا الدين يخاف من كل شئ من الوهم من الخيال، فهو يظن الهمس وعده، فينبغى للمؤمن ألا يخاف إلا من ربه وأن يعلم أن الحياة الدنيا فانية وأنها دار اختبار تحتاج إلى مجاهدة ومصابرة ولنجتهد حتى ينجح الواحد منا في الدار الآخرة.

حيث يقول: هاؤم اقرؤواكتابيه يفرح بشهادة الله له بالفوز في دار النعيم المقيم والخلود الأبدي، وما قيمة شهادات الدنيا أمام الشهادة الأخروية.

ولما اشتد أذى المشركين بـ"مصعب" وإخوته من صحابة رسول الله وضاقت بهم مكة ذرعًا أذن لهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة وهى الهجرة الأولى وقال لهم: (إن بأرض الحبشة ملك لا يظلم عنده أحد) فهاجر "مصعب" الهجرة الأولى إلى الحبشة مع من هاجر وكان عددهم إثنى عشر رجلاً وأربع نسوة وأمروا عليهم "عثمان بن مظعون".

ولكن مصعبًا لم يستمر طويلاً في الحبشة إذ رجع بعد هجرته بعدة أشهر عندما أشيع في الحبشة أن قريشًا قد أسلمت وكان الأمر غير ذلك.

وتمر الأيام العصيبة على المسلمين في مكة ويأتى عام الحزن وينتهىي وتأتي في موسم الحج طلائع من أهل يثرب سنة إحدى عشرة من النبوة وأسلم منهم ستة نفر ووعدوا رسول الله إبلاغ رسالته إلى قومهم وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالى إثنا عشر رجلاً اجتمع هؤلاء مع النبى عند العقبة بمنى، فبايعوه بيعة العقبة الأولى، وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبى مع هؤلاء المبايعين أول سفير في الإسلام، ليعلم المسلمين هناك شرائع الإسلام، ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، واختار لهذه المهمة الشاقة شابًا من شباب الإسلام من السابقين الأولين ألا وهو "مصعب بن عمير".

قال "البراء بن عازب": أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين "مصعب ابن عمير" فهو أول مهاجر إلى المدينة حرسها الله.

كان "مصعب" يقدر المسئولية التي أنيطت به ويعلم أنه يجب عليه أن ينهى مهامه خلال سنة حتى يوافي رسول الله في الموسم القادم ومعه فلول الأوس والخزرج لكي تبايعه على نصرة الإسلام فعليه إذًا أن يجتهد في الدعوة وأن لا يهنأ بطعام ولا يغمض له جفن حتى يدخل الناس في دين الله أفواجًا، نزل في المدينة عند رجل من أوائل من أسلم من الأنصار ويسمى "أسعد بن زرارة" ولعلنا لا نجد لهذا الصحابي ذكرا كثيرًا في كتب السيرة والسبب في ذلك أنه توفي بعد هجرة الرسول بقليل، وأخذ "مصعب" و"أسعد بن زرارة" رضى الله عنهما يبثان الإسلام في أهل يثرب بجد وحماس حتى صار يدعى "مصعبا بالقارئ والمقرئ.

ولقد أثبت الشاب الصالح "مصعب بن عمير" أنه خير سفيلا للاسلام اعتمده النبى لدى أهل يثرب، فقدقام بمهمته خير قيام إذ استطاع بدماثة خلقه وصفاء نفسه ان يجمع كثيرا من أهل يثرب على الإسلام حتى أن قبيلة من أكبر قبائل يثرب وهى قبيلة بني عبد الأشهل، قد اسلمت جميعها على يده بقيادة رئيسها سعد بن معاذ.

إسلام سعد بن معاذ على يديه

ومن أروع ما يروى من نجاحه في الدعوة ان أسعد بن زرارة خرج بـ"مصعب" يريد "دار بن عبد الأشهل"، ودار بني ظفر، فدخلا في حائط من حوائط بني ظفر وجلسا على بئر يقال لها: بئر مرق، واجتمع إليهما رجالا من المسلين ـ وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدا قومهما من بنىعبد الأشهل يومئذ على الشرك ـ فلما سمعا بذلك قال سعد لسيد: اذهب إلى هذين اللذين أتيا ليسفها ضعفاءنا فأزجرهما عنأن يأتيا ديارنا، فإن اسعد بن خالتى، ولولا ذلك لكفيتك هذا.

فأخذ أسيد حربته وأقبل إليهما: فلما رآه اسعد قال لمصعب، هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه، وجاء أسيد فوقف عليهما متشمتا، وقال: كا جاء بكما إلينا تسفها ضعفاءنا، اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حجة، فقال له مصعب: او تجلس فتسمع، فغن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته نكف عنك ما تكره، فقال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس فكلمه مصعب عن الإسلام، وتلا عليه القرآن: قال: فوالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في اشراقه وتهلله، ثم قال، ما أحسن هذا واجمله، كيف تصنعون إذا اردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ فقالا له: كيف يفعل فاغتسل، وطهر ثوبه، وتشهد وصلى ركعتين، ثم قال: ان ورائى رجلا ان اسلم لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرشده إليكما الآن، ثم ذهب إلى سعد بن معاذ فلما رآه سعد قال لقومه: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما وقف أسيد على النادى قال لسعد: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، ثم حث سعدا على الذهاب فلما ذهب سعد ورآه اسعد بن زرارة قال لمصعب: جاءك والله من وراءه قومه، وان يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد وجاءك سعد فوقف عليهما متشمتا، فقال مصعب لسعد بن معاذ: او تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وان كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال: أنصفت، ثم ركز حربته فجلس، ولى وقفة هنا وأقول يا أخوة ألا ليت الذين يعادون الدين وأهله يسمعون كلام دعاته فإن هم رضوا انضموا إلى ركب الدعاة إلى الله والسائرين إليه وان لم يرضوا وحاشاهم كانوا من المنافقين اعداء الدين كأمثال أبى ابن سلول وابى عامر الفاسق وابى جهل وأبى لهب الذين عادوا الإسلام وحاربوه، الشاهد أن مصعبا عرض الإسلام على سعد وقرأ عليه القرآن فانشرح صدره لأنه صاحب ضالة وجدها في هذا الدين، ثم قال: كيف تصنعون إنا اسلمتهم فقال: تغتسل وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ركعتين، ففعل ذلك، ثم أخذ حربته فأقبل إلى نادى قومه فلما رأوه قالوا: نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به.

ثم بدأ هنا سعد بن معاذ يدعو إلى دين الله الذي اعتنقه وصدق به، فلما وقف عليهم قال: يا بني "عبد الأشهل"، كيف تعلمون أمركم فيكم ؟ قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة إلا رجلاً واحدًا، "الأصيرم" وتأخر إسلامه إلى يوم أحد.

وأقام "مصعب" يدعو إلى الله حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون منها. هذا هو "مصعب" قد قام بمهمته خير قيام وقبل حلول موسم الحج عاد "مصعب" إلى مكة يحمل إلى رسول الله بشائر الفوز والنصر ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير وما لها من قوة ومنعة لنصرة هذا الدين، فسر النبى وبايع الأنصار في هذا الموسم في السنة الثالثة عشرة من النبوة وكانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأولادهم وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى نصرة رسول الله النصرة التامة وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال قائل منهم: فما لنا يا رسول الله، قال: ( لكم الجنة )، قالوا رضينا، ثم انتهت البيعة وأذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى يثرب وسماها المدينة النبوية.

ولاء وبراء في قصة لـ"مصعب" يوم بدر

أيها الأحبة: وبعد بيعة العقبة الثانية هاجر الصحابة إلى المدينة وهاجر رسول الله مع رفيقه في الغار "أبى بكر الصديق" وهنا بدأ العمل الجاد لنشر الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية وكانت معركة بدر حمل فيها راية المسلمين "مصعب بن عمير" ودافع عنها وقاتل قتال الأبطال حتى انتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا كما هو معروف، وبعد انتهاء المعركة مر "مصعب بن عمير" بأخيه "أبي عزيز بن عمير" الذي خاض المعركة ضد المسلمين وهو أسير لدى أحد الأنصار فقال له: اشدد عليه وثاقه فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك ؟ فقال "أبو عزيز" لـ"مصعب": أهذه وصايتك بأخيك ؟ قال "مصعب": إن هذا الأنصاري هو أخي دونك.

نعم إن أخوّة الدين اقوى وأسمى من أخوة النسب.

شهادته يوم أحد

ثم كانت غزوة أحد وكانت راية المسلمين أيضًا بيد "مصعب بن عمير" فقاتل قتال الأبطال حتى قتله "ابن قمئة الليثي" يظنه رسول الله، وفي مصعب وإخوانه الذين قتلوا في أحد نزل قول الله تعالى: ﴿ِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).

لك الله يا "مصعب" يا من ذكرك عطر للحياة تلك هي الصورة الوضيئة لهذا النموذج من المؤمنين الصادقين الذين قدموا كل ما يملكون من راحة نفس ونعمة ومال وغال ونفيس في سبيل هذا الدين ولم يعقهم أي عائق فصدقوا ما عاهدوا الله عليه فكان لهم من الله الرضا والمغفرة والفوز بجنات عدن تجرى من تحتها الأنهار مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.

وهكذا مضى "مصعب"  الصحابي الشاب الأسد كما يمضي كل الناس ولكنه عزيزًا وكبيرًا قد أعذر إلى الله بعلمه الدؤوب وجهده المضيء، فكانت فرحته عند ربه حينما قال فيه وفيمن قتل معه ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ ( آل عمران: 169) نعم أحياء ولكن ليس كحياتنا ينعمون في الجنة ويسرحون فيها حيث شاءوا، مضى "مصعب" ذلك الشاب الغني المترف الذي كان يلبس أحسن الثياب وينتعل أفضل النعال مضى من الدنيا ولا يملك شيئًا سوى ثوبه الذي عليه إن غطوا رأسه بدت رجلاه وإن غطوا رجليه بدا رأسه.

دروس وعبر

يقول "خباب بن الأرت": هاجرنا مع رسول الله ونحن نبتغى وجه الله، فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لسبيله لم يأكل من أجره شيئا منهم "مصعب بن عمير" قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) وهو نبات معروف طيب الريح، متفق عليه قتل "مصعب" ولم يطلب في يوم من الأيام نعمة ولا ثراء، ولا سلطة ولا وجاهة ولم يفكر يومًا بمنصب أو رئاسة ولم يكن له هم سوى انتصار دين الله على الكفر وأهله فآتاه الله أجره وأعطاه هو وإخوانه من كل شيئ، أعطاه من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة، وأعطاه هو وإخوانه كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه فآتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وشهد لهم سبحانه بالإحسان، فقد أحسنوا الأدب وأحسنوا الجهاد، وأعلن حبه لهم، وهو أكبر من النعمة وأكبر من الثواب فقال: والله يحب المحسنين تلك هي سيرة الصحابي الجليل "مصعب بن عمير"، فهل لشبابنا أن يتخذوه قدوةً لهم ويكونوا مثله على الأقل في مجال الدعوة إلى الله والعبادة والعمل الصالح ؟ لشبابنا أن يتغنوا ببطولات هؤلاء الرجال من صحابة رسول الله بدل بطولات لاعبي الكرة ومغامرات الزناة ومدمني المخدرات إلى متى يظل مستوى شبابنا يتدنى إلى الحضيض إلى متى؟.

أيها الإخوة.. إذا أردنا أن ننهض بشباب الأمة فيجب علينا أن نربيهم على سيرة رسول الله وعلى سيرة الرعيل الأول كأمثال "حمزة" و"مصعب" و"جعفر" و"ابن رواحة" و"ابن عمر" و"ابن عباس" و"أسامة ابن زيد" وغيرهم وهم كثير ولله الحمد ونغرس فيهم التفاني من أجل الدين ونرفع بهم من ثقلة الأرض إلى علو السماء ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة وأن نؤدبهم على ذلك من الصغر حتى تصبح عزة أحدهم بدينه طباعًا لا تطبعًا وخلقًا لا تخلقًا، فحينئذ نجني الثمرة المرجوة من شبابنا اللهم إنا أحببنا صحابة نبيك محمد أصدق الحب وأعمقه، فهبنا يوم الفزع الأكبر لأي منهم فإنك تعلم أننا ما أحببناهم إلا فيك يا أرحم الراحمين.