رحل الداعية الدكتور محمد عمارة عن عالمنا تاركًا خلفه إرثًا علميًا كبيرًا، ومواقف ستظل محفورة في التاريخ؛ لوقوفه بجوار الإسلام ودفاعه عن الشرعية ورفضه أنظمة العسكر.
وفي حياته الحافلة لم يخش الدكتور عمارة سلطانًا جائرًا، فأعلن تجديد البيعة للرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، وتأييده لثورة يناير.
رفض الانقلاب
ورفض المفكر الراحل الانقلاب العسكري على الرئيس المدني المنتخب الشهيد الدكتور محمد مرسي، يوم 3 يوليو 2013، وأصدر بيانًا واضحًا طالب فيه بالعودة إلى المسار الديمقراطي واحترام إرادة الشعب، وعودة الجيش إلى ثكناته.
واعتبر- في مقطع مصور- أن الانقلاب على الرئيس الشهيد مرسي "باطل شرعا وقانونا هو وكل ما ترتب عليه"، وهو الموقف الذي أثار عليه هجمة انتقاد شرسة من وسائل الإعلام والدوائر المؤيدة للانقلاب.
كما وصف جريمة الانقلاب العسكري في مجزرة رابعة التي كان بها اعتصام سلمي بأنه الأسوأ قد حدث، مؤكدًا أن الشعب المصري لن يقبل سفك الدماء.
وقال على قناة "الجزيرة": إن روح المقاومة سوف تتجلى أكثر لدى الشعب المصري بعد مجزرة اليوم، منددًا بقرارات الانقلابيين ضد الاعتصامات السلمية.
وأكد الدكتور محمد عمارة، المفكر الإسلامي الكبير، أن الرئيس المنتخب ديمقراطيًّا له بيعة قانونية وشرعية في أعناق الأمة ومدتها أربع سنوات، والناس قانونًا وشرعًا عند عقودهم وعهودهم، ومن ثم فإن عزله بالانقلاب العسكري باطل شرعًا وقانونًا، وكل ما ترتب على الباطل فهو باطل.
وحذر عمارة، في بيانه المصور، من أن مسار الانقلاب العسكري لا يضر بالأمة فقط، وإنما بالقوات المسلحة؛ لأنه يشغلها عن مهامها الأساسية.
خطورة عسكرة الدولة
ولم تتوقف مواقفه عن حد رفض الانقلاب، بل كشف عن مخاطر عسكرة الدولة؛ إذ أكد المفكر الإسلامي د. محمد عمارة أن عسكرة الدولة والمجتمع كانت سببًا مباشرًا في تراجع الحضارة العربية الإسلامية.
وسلط عمارة الضوء، خلال تصريح له، الضوء على تطور دور العسكر "المماليك" في الدولة الإسلامية منذ الخلافة العباسية التي شهدت بداية ظهورهم ودورهم الفاعل.
وقال: في البدء كان هؤلاء المماليك فرقة في الجيش، ثم زاد عددهم حتى أصبحوا كل الجيش تقريبا، وغدوا مؤسسة عسكرية لها ثقل كبير، وهي في ذات الوقت غريبة - ثقافة وحضارة - عن روح الحضارة العربية التي يمنحها الناس الحب والولاء".
ويضف: "تحول المماليك من جند للخلافة إلى سادة لها متسلطين عليها، يولون ويعزلون ويسجنون ويقتلون من الخلفاء ما يشاءون!".
وأشار إلى أن "الخليفة العباسي المتوكل (232 – 247هـ، 847 – 861م) هو أول من استجاب لضرورات هذا الانقلاب الذي أحدثه العسكر المماليك في واقع الدولة والمجتمع، وكان – أيضا – أول ضحايا سيطرة هؤلاء الأتراك المماليك!".
وأكد أن عسكرة الدولة.. وبعدها عسكرة المجتمع، أدت إلى بدء التراجع لحضارتنا العربية والإسلامية، وهو درس يحذرنا من إحلال "العضلات" محل العقول.
دعم القضية الفلسطينية
دعم القضية الفلسطنية ورفض تهويد القدس كان من أبرز مواقف الداعية محمد عمارة، إذ أكد د. محمد عمارة المفكر الاسلامي الكبير أن الموقف العربي والإسلامي مشغول بالقضايا الداخلية والموقف العالمي مشغول بالإجهاز على القضية الفلسطينية في الوقت الذي ينشغل فيه العالم العربي بشئونه الداخلية ونرى الآن كيف دمر الجيش السوري وكيف يستدرج الجيش المصري للإجهاز عليه. وتسائل عمارة "ما هو المطلوب الآن؟".
وأضاف: "ليس معنا سلاحا ولا دبابات ولكن معنا فكر وثقافة تنعش الذاكرة وتضع الأبعاد الدولية والمحلية في ذاكرة الإنسان وتنعشها؛ لأنه إذا ظلت القضية حية في ذاكرة الأمة تخرج الأجيال التي تأتي بالقوة والصراع الآن بين الحق والقوة والباطل معه القوة".
وشدد عمارة على أن بقاء القضية في العقول بقاء ثقافة القضية الفلسطينية حية هي التي ستحيي هذه الأمة وتحيي هذا الحق.
العداء للإسلام
كما حمل تاريخه مواقف مدافعه عن الإسلام؛ إذ أوضح أن الإساءة إلى المرسلين سنة من سنن الله (وكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدوًّا)، وأن سنن الله لا تبديل ولا تحويل فيها، مشيرًا إلى أن الغرب البيزنطي والروماني والإغريقي احتل الشرق، وجاء الإسلام ليخلص المشرق من العذاب، فنتج العداء الغربي للشرق الإسلامي منذ القرن السابع الميلادي.
وأضاف أن الإساءة للرسل وللإسلام قديمة وستستمر، مؤكدًا أن الإسلام في امتداد حتى في عقر دار المسيئين في أوروبا والغرب بأكمله.
وأوضح أن الغرب يصفون الإسلام بالفاشية؛ لأن 10% من كنائس أوروبا تغلق بسبب تحويلها للإسلام، وأن اسم "محمد" يتقدم بالنسبة للمواليد الأوروبيين، وأن هناك فتوحات للإسلام يوميًّا.
وأشار إلى أن الرئيس الفرنسي أعطى جائزة كبرى للمسيئين للرسول، وكرمت أوروبا بحضور المستشارة الألمانية ناشري الرسوم المسيئة، وهذا يعدُّ عدوانًا كبيرًا من الغرب للإسلام.
وشدد على أن الغضب لله وللرسول وللمقدسات- سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية- واجب إسلامي، والرسول صلى الله عليه وسلم حرَّم قتل النفس حتى ولو كانت غير مسلمة.
وفي سياق الحديث عن العداء للإسلام أكد المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة أنَّ الهجومَ على الإسلام ليس وليد اللحظة، ولكنه منذ القرن السابع الميلادي أي منذ ظهور الإسلام.
وقال: إذا كان هناك أبو جهل القرن السابع فهنا أيضًا أبو جهل القرن الحادي والعشرين الميلادي، داعيًا المسلمين إلى عدم الدهشة؛ لأنَّ هذه سنة الله في الأرض وهي التدافع بين الحق والباطل، فيقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا﴾.
وأشار د. عمارة إلى أنَّ مشكلةَ الشرق الأوسط بدأت منذ ظهورِ الإسلام الذي حرَّر بلاد الشرق من استعمارٍ غربي دام عليها عشرة قرون حتى سقطت غرناطة (إسبانيا حاليًا) عام 1492م، مدللاً على ذلك بدليلٍ رياضي معاصر وهو إقامة دورة أولمبية في برشلونة الإسبانية عام 1992م احتفالاً بمرور 500 سنة على اقتلاع الإسلام من غرب أوروبا وما تبعها من غزو البوسنة.
كما أعلن رفضه للحصار الظالم على قطاع غزة وتتطبيع نظام مبارك مع وعدائه للمقاومة الفلسطينية، فأمدوهم بالغاز المصري بثلث السعر العالمي وقودا لآلة الحرب الصهيونية، وباعوا للصهاينة الحديد والأسمنت الذين تبنى بهما المستوطنات الصهيونية وجدار الفصل العنصري الذي ابتلع القدس وفلسطين!.