في الذكرى الـ17 على استشهاده

"أنا للجنة أحيا يا إلهي، في سبيل الحق فاقبضني شهيدا، وأجعل الأشلاء مني معبراً للعز الجديد"، بهذه الكلمات عبر الدكتور المفكر إبراهيم المقادمة عن عشقه لدخول جنة الرحمن، راجياً من الله عز وجل أن يقبضه شهيداً في سبيل نصرة الحق، وهو ما كان صباح السبت الثامن من مارس عام 2003م.

مرت 17 عامًا على رحيل رجل السياسة والبندقية، القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المفكر إبراهيم المقادمة.

ففي الثامن من مارس 2003 أقدمت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال الدكتور المقادمة، ليرتقى المفكر الصنديد إلى الله شهيدًا بعد حياة حافلة من الجهاد والمقاومة، إضافة لـ3 من مرافقيه وأحد المارّة.

يراه الصديق أنه، "رجل قوي الشكيمة، صلب المراس، قوي التأثير، عملاق في الفكر والوعي والقيادة، والصبر على الشدائد، والثبات على المحن".

أما الأعداء فيرونه "سلاحًا نوويًّا أيديولوجيًّا طوّر وبادر إلى بناء الأجهزة السياسية والعسكرية لحركة حماس".

توطئة

عشرون حمامة تحلق فوق الجثمان، وتقترب رويدًا رويدًا من جسده الطاهر في ملابسه المنداة بدمه.. تقترب الطيور إلى مستوى رؤوس المشيعين بالقرب من الجثمان، ثم ترتفع، ربما تبشره بما رأت من منزله الجديد.. أو كأن الفضول قادها لتشاهد هذا الذي تستقبله السماء بكل هذا الفرح.. طوّفت الحمامات في جو معبق برائحة المسك الفوَّاح.. هذه الرائحة التي تسابق المشيعون إلى تنسمها من الجثمان، بل ووضع المناديل على الجسد القوي علَّها تتشبع ببعض من ريح الجنة.

لم تُروَ هذه الكرامات في أحد كتب السلف الصالح، ولا هي جزء من التراث الصوفي، وإنما شهدها ربع مليون فلسطيني في جنازة أحد رجالهم الأفذاذ..

ما كان ذلك المسجّى على الأعناق إلا الدكتور إبراهيم المقادمة في مشهد عرسه الذي امتد إلى مسيرة الـ100 ألف في البريج والمنطقة الوسطى، ومسيرات حاشدة في اليمن وسوريا ولبنان والسودان؛ لتحيي ذكرى القائد المقادمة، ولترفع علم الجهاد والمقاومة..

إنه نفس الرجل الذي تعود جيرانه أن يروه في المسجد الملاصق لمستشفاه، ممسكًا بمسّاحة لتنظيف أرضية الحمامات، رافضًا بإصرار شديد أن يقوم واحد من الشباب بتحمل هذا العمل عنه.

وهو ذاته الذي فقد ولده الأكبر أحمد عام 1990 أثناء وجوده في سجون الاحتلال، ولم تفتّ هذه المحنة في عضده؛ فحين أبلغه أحد المعتقلين بالنبأ الحزين، واقترح أن يفتحوا بيتًا للعزاء في السجن، طلب منه المقادمة تأجيل ذلك لحين إتمام درسه اليومي الذي يلقيه بعد صلاة المغرب.

السيرة

الدكتور إبراهيم أحمد المقادمة، العقل المفكِّر لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين ، القائد المؤسس لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، القائد الأول للجهاز الأمني لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وهو القائد العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسّام عام 1996، الذي أجبر العالم على الاجتماع في [شرم الشيخ] ؛ لينقذ الكيان الصهيوني من ضربات القسَّام التي أعقبت استشهاد القائد المهندس يحيى عياش.

لم يكن إبراهيم المقادمة مجرد شخصية عسكرية أو سياسية فحسب، وإنما كان له من العلم نصيبُ الذين فتح الله عليهم.. في العقيدة كان عالمًا، وفي التفسير كان مجتهدًا، وفي الحديث له نظرات، ومع الفقه له وقفات، كما كان شاعرًا (طالع بعض شعره) ومفكرًا، وصاحب نظرية في التربية، رغم أنه حاصل على بكالوريوس في طب الأسنان!!

لذلك كله اغتالته قوات الاحتلال الصهيوني أثناء توجهه إلى عمله في مدينة غزة، مع ثلاثة من مرافقيه صبيحة يوم السبت 8 مارس 2003..

المقادمة.. سيرة جهادية

وُلِد المقادمة عام 1952 في مخيم جباليا بعد أربع سنوات من تهجير أهله إلى قطاع غزة من قريته "بيت دراس" على يد المغتصبين الصهاينة عام 1948، إلا أن الحقد الصهيوني لاحق والده، وأجبره على الرحيل، فانتقل للعيش في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وذلك عام 1970 يوم أن كان إريل شاورن حاكمًا لغزة، وانتهج يومها سياسة تدمير المنازل للقضاء على ثورة الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال.

حصل المقادمة على الثانوية العامة، وكان الأول على مدرسته، ثم التحق بكلية طب الأسنان في مصر، وكان في ذلك الوقت قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين فكان إلى جانب تحصيله للعلم يقوم بمهام الدعوة مع الإخوان المسلمين؛ فكان أحد أهم المسئولين عن النشاط الطلابي الإسلامي الفلسطيني في الجامعات المصرية.

أنهى المقادمة عام 1976 بكالوريوس طب الأسنان، وعاد إلى قطاع غزة بعد أن تزوج من ابنة عمه المقيمة في مصر، وفور عودته عُيِّن في مديرية الصحة زمن الاحتلال الإسرائيلي، وعمل في قسم الأشعة بمستشفى العريش الذي كان تحت الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يعود إلى مصر، ثم انتقل للعمل في مستشفى النصر للأطفال والشفاء بغزة.

في مخيم جباليا عاد المقادمة وفتح عيادة لطب الأسنان حتى يقدم خدمة لأهل مخيمه الذي عاش سنين طفولته وشبابه فيه، ورغم النجاح الذي حققه في عمله، فإنه تفرغ فيما بعد لعمله الإسلامي ودعوته التي وهب لها عمره.

إلى فلسطين.. مرحلة جديدة

عندما عاد المقادمة عام 1976 إلى قطاع غزة التحق بقيادة الإخوان المسلمين، وكان على مقربة من الشيخ أحمد ياسين الذي أحبه حبًّا لا يوصف، وشكَّلا معًا القيادة الفاعلة لحركة الإخوان في فلسطين، كما شكَّل المقادمة مع الشهيد القائد صلاح شحادة وبعض الكوادر الأخرى النواة الأولى للجهاز العسكري للإخوان المسلمين في قطاع غزة، وعمل على إمداد المقاتلين بالأسلحة، وفي عام 1983 اعتقل مع الشيخ أحمد ياسين بتهمة الحصول على أسلحة، وإنشاء جهاز عسكري للإخوان المسلمين في قطاع غزة، وحكم على الشيخ أحمد ياسين بثلاثة عشر عامًا، وعلى المقادمة بثماني سنوات. بعد أن أنهى فترة عقوبته حكم عليه بستة أشهر إضافية "إداريًّا" (أي بدون محاكم) بعد أن كتب حول اتفاقية أوسلو ومخاطرها على القضية الفلسطينية، وعندما خرج عام 1992 علقت الصحف العبرية بأنه تم الإفراج عن نووي حماس في غزة، واصفة إياه بأنه أخطر المعتقلين على إسرائيل.

نشط الدكتور المقادمة في الفترة الأخيرة من حياته في المجال الدعوي والفكري لحركة حماس، وكان يقوم بإلقاء الدروس الدينية والفكرية والسياسية والحركية بين شباب حماس وخاصة الجامعيين منهم، وكان له حضور كبير بينهم.

الخفي التقي

حرص المقادمة على عدم نشر صوره؛ فكان يعمل في صمت.. عملاً يريده خالصًا لوجه الله؛ فقد كان المقادمة من أكثر الشخصيات القيادية في حركة حماس أخذًا بالاحتياطات الأمنية، قليل الظهور أمام وسائل الإعلام، ويستخدم أساليب مختلفة في التنكر والتمويه عبر تغيير الملابس والسيارات التي كان يستقلها، وكذلك تغيير الطرق التي يسلكها، حتى عُرف عنه أنه كان يقوم باستبدال السيارة في الرحلة الواحدة أكثر من مرة.. وعلى الرغم من كل هذه الاحتياطات فإن قدر الله في اصطفائه واتخاذه شهيدًا كان هو الغالب.

الشهيد واتفاق أوسلو

كان المقادمة من أشد المعارضين لاتفاق أوسلو، وكان يرى أن أي اتفاق سلام مع العدو الصهيوني سيؤدي في النهاية إلى قتل كل الفلسطينيين وإنهاء قضيتهم، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد للاستقلال، حتى لو أدى إلى استشهاد نصف الشعب الفلسطيني.

وقد عبَّر الشهيد الدكتور عن مرارة نفسه عندما تم توقيع الاتفاق الذي فرط في 80% من أرض فلسطين، في كتاب أسماه "اتفاق غزة أريحا.. رؤية إسلامية".

ونتيجة لموقفه هذا تم اعتقاله في سجون السلطة الفلسطينية، ثم فصله من وزارة الصحة الفلسطينية، وداخل السجن تعرض للتعذيب الشديد من الضرب وصنوف العذاب حتى انخفض وزنه نتيجة للتعذيب أكثر من 40 كيلوجرامًا، وكُسـرت أضلاعه، ونقل إلى مستشفى الشفاء سرًّا بين الموت والحياة مرات عديدة.

ورغم كل ذلك كان المقادمة حريصًا على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية، حريصًا على توجيه الرصاص فقط إلى صدور الأعداء الصهاينة، وتحريم توجيهه إلى صدور أبناء الشعب الفلسطيني الصابر المجاهد. ويصف إسماعيل هنية أحد قادة حماس تلك الفترة من حياة الشهيد بقوله: "كم كان ذلك الوقت مخزيًا ومؤلمًا أن يكون الدكتور المقادمة يضرب بالسياط حتى لا يستطيع الوقوف على قدمه، في حين كان هو يوقف العدو الصهيوني على قدميه.. كم هي مفارقة عجيبة!!".

كان الشهيد المقادمة يرى أن الجهاد هو الحل.. يقول أحد القريبين منه: "كان رحمه الله متحمسًا لمواصلة الجهاد، مهما بلغت العقبات؛ فكان يردد: لا بد من الرد على تضحيات الجهاد بمزيد من الجهاد"، كما كان المقادمة يرى أن يعيش السياسي بروح الاستشهادي، حتى يكون قويًّا اجتماعيًّا فاعلاً؛ فكان يصف الذين يريدون جهادًا بلا دماء وأشلاء وتضحيات بأنهم أصحاب "جهاد الإتيكيت".

المقادمة مفكرًا..

يعتبر الدكتور إبراهيم المقادمة أحد مفكري الإخوان المسلمين وحركة حماس في فلسطين؛ حيث أكسبته قراءاته واطلاعه على شتى التخصصات ثقافة ووعيًا، حتى وصفه كل من عرفه بأنه كان عالمًا في كل شيء، ولكن ظروف حياة المقادمة الصعبة وقضبان السجن الطويلة لم تمكنه من طباعة الدراسات التي أعدها والكتب التي ألفها والمحاضرات التي كان يلقيها.

وقد اضطر المقادمة -لظروف السجن- أن يصدر عدة كتب ودراسات بأسماء مستعارة، ككتابه الشهير "الصراع السكاني في فلسطين" الذي ألّفه في سجن عسقلان في عام 1990 تحت اسم الدكتور "محسن كريم".

يتناول المقادمة في هذا الكتاب بالتفصيل عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ عام 1881 وحتى عام 1990، ودوافعها وآثارها، ثم عرج على النمو السكاني الطبيعي عند اليهود والفلسطينيين، ثم ينتهي إلى الحديث عن مسؤولية الحركة الإسلامية في إدارة الصراع السكاني.

بالإضافة إلى دراساته: "معالم في طريق تحرير فلسطين"، و"الصراع السكاني في فلسطين"، وكتب عن أوسلو وعن الجهاد وعن الأمن، وعن أحكام التجويد... وغيرها من القضايا، إضافة إلى حرصه على كتابة مقالات أسبوعية في الصحف والنشرات والمواقع الإلكترونية الإسلامية.

وفي كتابه الأكثر أهمية "معالم في الطريق إلى فلسطين" يوجّه المقادمة حديثه إلى الشباب المسلم في كل مكان؛ فكان يقول: "إن عليهم يرتكز الأمل في تفهم أبعاد القضية الفلسطينية، والانطلاق بها في الطريق الصحيح".

ويضيف: "إن واقعنا تعيس إذا ما قيس بقوة أعدائنا وما يدبرونه لنا من مؤامرات، غير أن لي في الله أملاً أن يتولى دينه وينصر جنده ويخذل الباطل وأهله.. وبشارات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تجعل هذا الأمل يقينًا راسخًا أراه رأي العين".

ويكمل: "ولي أمل في شباب الحركة الإسلامية أن يقوموا وينفضوا عن أنفسهم غبار النوم والكسل، ويواصلوا العمل ليل نهار جهادًا في سبيل الله وتضحية بكل ما يملكون من جهد ونفس ومال ووقت، ويخلصوا توجيه هذا الجهد لله سبحانه، ويوطّدوا العزم على السير على طريق الإسلام، متحدين على طريق الإسلام لتحرير فلسطين وكل الأرض من رجس الطاغوت".

كما كتب عشرات المقالات، وقام بإلقاء مئات المحاضرات في مختلف المساجد والمعاهد والجامعات. فأصدر عدة أشرطة كاسيت تتضمن بعض محاضراته، منها: سلسلة "بناء الشخصية"، و"حسن المعاملة" و"الأخوة الإسلامية"، و"العمليات الاستشهادية والروح الجهادية"، "أساس الدعوة"، و"توبة كعب بن مالك"، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

ومن مقالاته الأخيرة "الدور الأمريكي وخارطة الطريق"، و"عن المبادئ والمصالح"، و"أين الجماهير العربية؟"، و"استعينوا بالله واصبروا"، و"انفراد حماس بالمقاومة لا يعني العزلة"، و"طلابنا والثقافة"، و"فرصة الذبابة وفلسفة المقاومة". وكان آخر ما كتب المقادمة "الحل الأمريكي الصهيوني أسوأ من الحرب".

نظارة الدكتور المقادمة

مقادمة اليوم.. وعمر المختار الأمس، والدرب واحد يحتاج من يسير عليه غدًا...

جاء طفل إلى إسماعيل هنية أحد قادة "حماس"، وأحضر له نظارة المقادمة من مسرح الجريمة، كما أحضر ذلك الطفل الليبي قديمًا نظارة الشيخ عمر المختار من مسرح إعدامه، وهكذا فنظارة المختار ما زالت باقية، وكلمات المقادمة ما زالت باقية "لن نستسلم.. سنقاتلكم حتى النصر أو الشهادة".

بيان حركة حماس

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)

بيان عسكري صادر عن كتائب الشهيد عز الدين القسام

كافة الخيارات العسكرية مفتوحة وعلى رأسها استهداف القادة السياسيين من الصهاينة

يا جماهير شعبنا الفلسطيني المجاهد ... يا أمتنا العربية والإسلامية /

هاهي قوات الاحتلال الصهيوني تصعد عدوانها الغاشم على شعبنا الأعزل مستهدفة نساءه وشيوخه وأطفاله والأجنة في أرحام أمهاتهم وهاهي اليوم تستهدف القادة السياسيين ، إن كتائب الشهيد عز الدين القسام إذ تحتسب عند الله تعالى القائد والمفكر الكبير عضو القيادة السياسية لحركتنا الراشدة حركة المقاومة الإسلامية حماس وعلم من أعلام جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين إنه القائد السياسي البارز

الشهيد المجاهد الدكتور/ إبراهيم أحمد المقادمة

ومرافقيه

الشهيد المجاهد / خالد حسن جمعة

الشهيد المجاهد / علاء محمد الشكري

الشهيد المجاهد / عبد الرحمن زهير العامودي

إن كتائب الشهيد عز الدين القسام إذ تحتسب عند الله الدكتور القائد السياسي البارز ومرافقيه لتدعو جميع الخلايا العسكرية للرد بشدة في عمق الكيان المسخ واستهداف كل شبر من أرضنا يقف عليها مغتصب يهودي ندعو خلايانا في الخليل ونابلس وجنين ورام الله وبيت لحم وغزة ورفح وخان يونس وجباليا وفي كل شبر من أرضنا المحتلة، للإعداد والتخطيط المنظم لضرب الاحتلال في مقتل ، كما تعلن كتائب الشهيد عز الدين القسام لكافة خلاياها أن جميع الخيارات العسكرية مفتوحة أمامهم وعلى رأسها استهداف القادة السياسيين اليهود.

وستعلم حكومة الإرهاب حجم الكارثة التي جلبتها لها باغتيال القائد السياسي والمفكر الكبير ومرافقيه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

وإنه لجهاد ... نصر أو استشهاد

كتائب الشهيد عز الدين القسام

السبت 5 محرم 1424هـ

الموافق 8-3-2003م

أسرى حماس في سجن النقب الصحراوي يرثون القائد الدكتور إبراهيم المقادمة

بسم الله الرحمن الرحيم

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه،فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"

باسم أبناء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في جميع سجون ومعتقلات العدو الصهيوني الغاصب، وخاصة معتقل النقب الصحراوي، نتقدم بأحر التعازي والتهاني إلى أهالي شهدائنا الأبرار، وأبناء شعبنا المعطاء، في قطاعنا المغوار، قطاع الصمود والتحدي، قطاع غزة الحبيب… تعازينا إليهم لأننا نودع اليوم علماً من أعلام هذه الأمة، بل منارةً من مناراتها…وتهانينا إليهم بأن اصطفاه من بيننا شهيداً كريماً إلى هناك، حيث دار الخلود إن شاء الله….

نقف اليوم لنرثي رجلاً، بل أسداً مغواراً عجزت أرحام النساء أن تلد مثله، رجلاً لطالما قدم الكثير لخدمة دينه ودعوته، مواجهاً أسوأ الظروف والعوائق، فكان صبره وصموده وإصراره حاجزاً تتكسر عليه كل العوائق والعقبات.

نقف اليوم في حفل زفاف شهيدنا القائد، شهيدنا المغوار، شهيدنا الحبيب الدكتور/ إبراهيم المقادمة " أبو أحمد" فتعجز لغتنا بأحرفها، وأقلامنا بمدادها أن توفيك شيئاً من حقك يا شهيدنا.

فمن أين نبدأ؟! وعن ماذا نتحدث؟! أنتحدث عن دينك؟! أم نتحدث عن خلقك وأدبك؟ أم نتحدث عن تواضعك وزهدك؟! أم نتحدث عن علمك فأنت البحر الخضم؟! لا ندري ماذا نقول وعن ماذا نتحدث…

ولكن تخرج آهاتنا وزفراتنا التي ملأت علينا صدورنا لتسطر قصيدة نطيرها إلى روح دكتورنا المجاهد، الشهيد القائد" أبو أحمد" نطيرها إلى روحه الطاهرة بجناحين، جناح من الألم والحزن على فراقك، والجناح الآخر من الشوق والحنين لتعانق روحك الطيبة التي لألأت كأسطع نجم في سماء الشهادة والخلود… فسلام الله عليك يا شهيدنا.

أتمضي، ولمّا يبلغِ الشوطَ خيلُنا

فمن يحشد الأبطالَ بعدك للفدا

تمهل قليلاً… فالمعارك ما انتهت

أيا بطلاً هز الجهادَ افتقادُه

سطعت بساحات الجهاد منارة

وحزت أفانين المعالي كأنها

أهالي فلسطين احتسوا كؤس الشجى

ستبكيك أعداد الجهاد بحسرة

يراعاً جرى الوقتُ الطويلُ فلم يفُهْ

فما أوهنته من قوى الشر غارة

وخمسون عاماً عمره الغض، ظهرها

تموج هموم المسلمين بصدره

له أمنيات قدّس الله سرها

يَكِلُّ جناحُ النسرِ دون بلوغها

إذا ضاقت الدنيا على خطواته

وإن سكبوا في دربه اللَّيل والأذى

وإن كبلوا يوماً عن السير رجله

ويُزْرِي به أهل الشقاق فيزدَري

ولا القدس من رجس المغيرين طَهّروا

ومَنْ للجهاد الحق فيها يُذكَرُ؟!!

وريح المعالي في الميادين تزأر

هو البحر… يصفو تارةً.. ثم يهدر

لو انطفأت كلُ المصابيحِ تزهرُ

مدارات أفلاك، لها أنت محور

وجرح حماس فيك ما عاد يضمر

ويا لأساها حينما تتذكر

بسوءٍ، ولم يفرح بما خط منكِرُ

ولا منه في كف الأذى لان عنصر

بما حملت من فادح العبء موقر

وفوق شبا إيمانه تتكسر

لتحقيقها في الأرض يرسو ويبحر

وفي دربها الخيل الأصيلة تعثر

ففي صدره دنيا من الكون أكبر

ففي الفكر بدر من هدى الله نير

فما كانت الروح الطليقة تؤسَر

ويشتُمُه النذلُ الحقيرُ فيسخَرُ

وإنه جهاد نصر أو استشهاد… والله أكبر ولله الحمد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوانكم في سجن النقب الصحراوي

قلعة الشهيد جمال منصور