في ذكرى وفاته (26 أبريل 1992م)

وُلد عمر بهاء الدين الأميري في حلب الشهباء بسوريا سنة 1336هـ (1915م)، ووالده هو محمد بهاء الدين الأميري، نائب حلب في "مجلس المبعوثان العثماني"، وأمه هي "سامية الجندلية" ابنة "حسن رضا" رئيس محكمة الاستئناف في حلب.

دَرَسَ المراحل التعليمية الأساسية في مدينة حلب، وفيها أتمَّ دراسته في الآداب والفلسفة، درس الأدب وفقه اللغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة "السوربون" في باريس، والحقوق في الجامعة السورية في دمشق.

عمل في التعليم فتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي في دمشق، وقالت عنه مجلة (الشهاب)، والتي أصدرها الإمام البنا عام 1947م في عددها الثالث: "سوري من صفوة أبناء حلب وُلِد سنة 1329هـ، وقضى بعض عمره المبارك في الدراسة بفرنسا، وتخرّج في "الحقوق السورية" سنة 1940م، وكان نجاحه منقطع النظير، واشتغل بالمحاماة مشترطًا على موكليه أن يتخلى عن دعاواهم إذا ظهر وجه الحق في غير جانبها!، واشتغل بالحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأسَّس مركزًا للدعوة الإسلامية في باريس، وهو شاعر مطبوع ومجاهد مؤمن".

يعد الأميري من مؤسسي جمعية "دار الأرقم الإسلامية" في حلب، كما أسهم في تأسيس حركة (سوريا الحرة)، وكان رئيس الجانب السياسي فيها، عام (1384هـ)- (1952م).

ولقد اختير الأميري ليكون عضوًا في المجمع العلمي العراقي، وعضوًا في المجمع الملكي للبحوث الإسلامية في الأردن، ولقد نظم الشعر في التاسعة من عمره، حتى إن له العديد من الدواوين الشعرية منها ديوان "أب".

الأميري والإمام حسن البنا

تأثَّر بهاء الأميري بفكر الإمام الشهيد حسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة، وانتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان يرى أنها الحركة الإسلاميّة التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة للنهوض بالأمّة الإسلاميّة من كبوتها وتحررها من ربقة الاستعمار، فكان يقول: إن المستقبل لهذه الحركة الإسلاميّة إذا توفَّر لها الفهم الصحيح للإسلام، والقيادة الحكيمة الرشيدة، والعاملون المخلصون.

كان الأستاذ بهاء الأميري من أوائل من التحقوا بحركة الإخوان المسلمين في سوريا مع الأستاذ محمد المبارك، والأستاذ الشيخ محمد الحامد، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وغيرهم، وبذل جهودًا طيِّبة لدعم الحركة، وأسهم في توجيه شبابها، وكان وثيق الصلة بالإمام البنا وبعده الأستاذ الهضيبي، يكثر من زيارته والتردد عليه ومشاورته في الأمور.

ويُعد القُطر السوري من أوائل الأقطار التي نبتت فيها دعوة الإخوان خارج مصر، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها:

1- اهتمام الإخوان بالطلبة السوريين المتواجدين بمصر للدراسة، وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هؤلاء الطلبة: مصطفى السباعي، وعمر بهاء الدين الأميري.

2- رعاية الإخوان للعلماء السوريين أمثال: عالم دير الزور محمد سعيد العارفي الذي استوطن مصر بعد خروجه من سوريا إثر ثورته على الظلم والاحتلال الفرنسي، والذي صادر أملاكه، وكتبه، وحكموا عليه بالنفي.

انتشرت فكرة الإخوان في سوريا عام1933 و 1935م، لكن كان عام 1937م هو العام الذي استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخَّص للجماعة في حلب تحت اسم: دار الأرقم، أي أن النشأة الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر بهاء الأميري، والأستاذ عبد القادر الحسيني، والأستاذ أحمد بنقسلي، والأستاذ فؤاد القطل، والشيخ عبد الوهاب الطوبجي، والأستاذ سامي الأصيل.

يقول الأميري: "في عام 1356ﻫ/ 1937م أُسِّس في حلب أول مركز مرخص لجماعة الإخوان؛ رغم تضييق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان في مصر.

لكن الجمعيات في سوريا في ذي الحجة سنة 1364ﻫ، الموافق نوفمبر 1945م، دمجت مع بعضها؛ لتكون تحت مسمى الإخوان المسلمين، ويكون الدكتور مصطفى السباعي مراقبًا عامًّا عليها.

وعندما زار الإمام البنا سوريا في 13 من جماد الأول 1367هـ الموافق 23 من مارس 1948م، كان في استقباله في فندق أوريان بهاء الدين الأميري وكوكبة من إخوان سوريا.

اختير الأميري في أول هيئة تأسيسية للإخوان المسلمين؛ حيث كان من الأسماء التي وردت من خارج مصر اسمه والدكتور مصطفى السباعي، عبد اللطيف أبو قورة، محمد محمود الصواف، عبد العزيز العلي، الشيخ محمود خليفة، الحاج طاهر الدجاني.

شارك في حرب فلسطين عام 1948م، بكل طاقته وجهده حتى انتهت الحرب بالمهزلة المعروفة.

ومن المواقف التي يذكرها مع الإمام البنا أنه كان في زيارة لمصر في صحبة والده، وحرص عمر أن يعرِّفه بالإمام البنا، فاصطحبه للمركز العام للإخوان المسلمين، وتقابلا مع الإمام الشهيد الذي رحب بهم بشده، وفي اليوم الثاني وأثناء استقلال الأميري ووالده القطار، وقبل التحرُّك بقليل من محطة مصر وجدا الإمام البنا يأتي مسرعًا حاملاً باقة من الزهور، ليقدمها لوالد بهاء الأميري ويودعه؛ مما ترك هذا الموقف أثرًا بليغًا في نفس الوالد والابن.

اعتُقل عام 1965م هو والدكتور توفيق الشاوي وعصام العطار في سجن بيروت، بعدما حاول عبد الناصر خطف الشاوي في الصندوق الطائر فلم يفلح.

نشاطه

تطوَّع في جيش الإنقاذ، سنة 1367هـ/ 1948م مقاتلاً في كتيبة الإخوان المسلمين السوريّين، وحمل مطالب الإخوان إلى حكومة جميل المدفعي في بغداد؛ التي تضمنت زيادة عدد القوات العراقيّة المشاركة في حرب فلسطين، وضرورة التحرك خارج حدود التقسيم، وإقصاء اليهود من الجبهة الوطنيّة لتحرير فلسطين التي تشكّلت في بغداد، وعايش القضيّة الفلسطينيّة، واكتوى بنارها، واتصل بمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وكان يلتقي به في لبنان، نيابة عن المجاهدين السوريّين، وكانت القضيّة الفلسطينيّة هاجسه اليومي، فجّرت أغواره الشعريّة، فجاءت قصائده الفلسطينية متأججة بالعواطف؛ حيث سجل أحداثها وملاحمها على شكل مجاميع شعرية منها: (ملحمة الجهاد) 1388هـ/1968م، و(من وحي فلسطين)1390هـ/1971م، و(ملحمة النصر) 1394هـ/ 1974م، و(الزحف المقدس) و(حجارة من سجّيل) و(الأقصى وفتح القمة) و(الهزيمة والفجر).

تفاعل مع الثورة الجزائريّة، وبناء باكستان، والمسيرة المغربيّة الخضراء، وعبّر عن المشاعر الإنسانيّة، وهموم المسلمين والمعذّبين.

وكان يدعو إلى إسقاط الحكومات المهزومة، وإلى رفع راية الثورة على الأنظمة المتخاذلة، ويتناول فساد الإدارة الحكوميّة في سوريّة، وسيطرة الطبقيّة والتخلّف، في افتتاحيّات جريدة (المنار) التي كان يحرّر بها سنة 1367هـ/ 1948م.

دُعي إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلاميّة بكليّة الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس، ثم أستاذًا لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنيّة، وقسم الدراسات الإسلاميّة والعليا في جامعة الرباط، والقرويّين سنة 1386هـ/ 1966م.

ليعمل أستاذًا لكرسي "الإسلام والتيارات المعاصرة" في دار الحديث الحسنية بالرباط، وقسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة القرويين، كما درَّس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في فاس.

عمل سفيرًا لبلاده في دولة باكستان الإسلاميّة عام 1369هـ/ 1950م، ثم سفيرًا في المملكة العربيّة السعوديّة عام 1373هـ/ 1954م.

ومن مؤلفاته:

1 - الإسلام في المعترك الحضاري.

2 - المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة.

3 - في رحاب القرآن (الحلقة الأولى: في غار حراء).

4 - في رحاب القرآن (الحلقة الثانية: عروبة وإسلام).

5 - في رحاب القرآن (الحلقة الثالثة: وسطية الإسلام وأمته في ضوء الفقه الحضاري.

6- لقاءان في طنجة.

7- صفحات ونفحات.

الشاعر الحرُّ

امتاز شعره بالجرأة والصراحة، ونقد الأوضاع الشاذّة، وحمل على طغاة الأمّة؛ حتى إنه نظم عشرات الدواوين الشعريّة منها: (ألوان طيف) 1385هـ/ 1965م و(الهزيمة والفجر) 1388هـ/ 1968م و(مع الله) 1392هـ/ 1972م و(أشواق وإشراق) 1393هـ/ 1973م وله: ديوان (من وحي المهرجان) 1395هـ/ 1975م، و(أذان القرآن) 1405هـ/ 1985م، و(نجاوى محمديّة) و(الخماسيّات) و(شموع ودموع) و(قلب ورب).

ونظم في الشعر العاطفي ديوان (أب) 1394هـ/1974م وهو الديوان الذي قرّظه العقاد في إحدى ندواته فقال: لو كان للأدب العالمي ديوان في جزء واحد لكانت هذه القصيدة في طليعته؛ وديوان (أمي) 1398هـ/ 1978م.

ومن شعره:

قال عن الإمام البنا:

كبلوا من حوله أبناءه               رموه بين أشداق الأفاعي

جردوه خلسة في خسة             وتنادوا، وهو فرد، للنزاع

وذئاب البغي حامت، ونضى            كل نذل حوله سيف القراع

والجماهير التي من ذاته              بذل الرِّفد لها دون انقطاع

حوقلت في خور وانطلقت              لا تبالي بجهاد وصراع

   والألى كانوا يقولون له                ملقًا: قد جئت بالأمر المطاع

    خذلوه وبدت أوجههم                  في الملا سوداء من غير قناع

وشرى الباغون منهم ألسنا               بذلوها ما دعي للمال داع

في بيوت الله سبوا فندا                  خير داعٍ للهدى فيها وراع

ويقول في قصيدة "قالوا العروبة":

قالوا العروبة قلنا إنها رحم              وموطن ومروءات ووجدان

أما العقيدة والهدي المنير                لنا درب الحياة فإسلامٌ وقرآن

وشرعة قد تآخت في سماحتها              وعد لها الفذ أجناس وألوان

ويقول في قصيدته "أب":

أين الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟            أين التَّدارسُ شابَهُ اللعبُ؟

أين الطفولة في توقُّدها؟               أين الدُّمى، في الأرض، والكتب؟

أين التَّشَاكسُ دونما غَرَضٍ؟              أين التشاكي ما له سبب؟

أين التَّباكي والتَّضاحُكُ، في             وقتٍ معًا، والحُزْنُ والطَّربُ؟

أين التسابق في مجاورتي                 شغفًا، إذا أكلوا وإن شربوا؟

قالوا عنه

كتب أبو الحسن الندوي في مقدمته لرياحين الجنة يصف الأميري بقوله: وجدت في شعرك لذّة ومتعة وسعادة ما لا أجده في غيره من الشعر الجديد، وهو- والحق يُقال- نفحات من الإيمان، وقبسات من نور القرآن، وصدق العاطفة، ورقّة الشعور، وتصوّر دقيق لهواجس النفس، وخلجات الفكر، وكم تمنيت أن كنت معك في دعائك، وفي لحظات ابتهالاتك.

وقال يوم نعيه: إنه يستحق صفة شاعر الإنسانيّة المؤمنّة، وأمير شعراء الإسلاميّين في النصف الثاني من القرن العشرين قاطبة، بعد محمد إقبال أمير الشعراء في النصف الأول.

وكتب في سيرته محمد علي الهاشمي: عمر بهاء الدين الأميري شاعر الأبوّة الحانية، والنبوة البارّة، والفن الأصيل.

ويقول العلامة الشيخ يوسف القرضاوي: أذكر أنني في ذلك العدد نفسه من مجلة (الشهاب)، وفي باب "روضة الأدب" قرأت له- أول ما قرأت- شعرًا ربانيًّا عذبًا رقراقًا، لم يكن لنا به عهد في ذلك الوقت، تحت عنوان "خماسيات الأميري"، وفيها مناجاة لله تعالى، كأنما تسمع فيها رفيف أجنحة الملائكة، وكأنما هي ترتيلة أو صلاة مجسدة في شعر مؤمن أو إيمان شاعر.

ويضيف: والذين يعرفون الأميري يعلمون أنه لم يكن مجرد سفير لسوريا، بل كان سفير الأمة الإسلامية، أو قل: كان سفير الإسلام، الذي يحمل هموم دعوته، وآلام أمته، وآمال صحوته.

وفاته

تُوفي عمر بهاء الدين الأميري، بعد مرض عضال أصابه، عندما كان يقيم في المغرب، ثم نُقل بمكرمة ملكية من الملك فهد بن عبد العزيز للعلاج في السعودية؛ حيث مكث شهرين حتى توفاه الله مساء الأحد 22 من شوال سنة 1412هـ الموافق 26 أبريل 1992م عن عمر ناهز الـ(73)، ودُفن في المدينة المنورة.

-----------

* للمزيد:

1- عبد الله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- جمعة أمين عبد العزيز، أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

3- مقالة للدكتور يوسف القرضاوي على موقعه.

4- عباس السيسي: حكايات عن الإخوان، الجزء الثاني، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998م.

5- زينب أبو غنيمة: حسن البنا من الميلاد إلى الاستشهاد، الفتح للإعلام العربي، بدون تاريخ، صـ217.

6- مجلة "المسلمون": جمادى الآخرة 1373هـ/ فبراير 1954م.