محمد مرسي الذي أسر القلوب بوفاته المفاجئة، فانتفضت الجموع في كل بقعة من بقاع الأرض شرقها وغربها ترفع أكف الضراعة راجية المولى سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته.
محمد مرسي الذي حرص خصمه على عدم الصلاة عليه أو أن يصلي عليه أحد، فعوضه الله سبحانه بأن صلى عليه جموع المسلمين في بقاع الأرض المختلفة، وأحيا ذكره في ضمائر الناس.
محمد مرسي الذي ظُلم في فترة رئاسته كما ظلم في محبسه الذي ظل فيه وحيدا ليس معه ورقة ولا قلم ولا حتى رفيق، حتى المصحف منع عنه.
محمد مرسي الذي كان يسعي لترسيخ معاني الحرية والديمقراطية في وطن تكالب فيه عليه وعلى شعبه، ذئابٌ من أجل وأد واجهاض هذه التجربة قبل أن تثمر فتزلزل أركان عروشهم.
فماذا بينك وبين الله لتظل كلماتك تتردد حتى على ألسنة الأطفال والبنات والشباب والشيوخ "وليعلم أبنائنا أن أباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأى الفسدة، ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شريعتهم أو دينهم".
لقد كان مرسي دائما عف اللسان، كريم الخلق، متواضعا حتى وهو في أوج عظمه، لينا وهو في أشد قوته، تكالب عليك الرويبضة فكان صاحب خلق حتى تجسد فيه خلق القرآن وتعاليمه، فصار أيقونة للجميع.
لقد اهتم مرسي -من اللحظة الأولى- بمصر وشعبها وقضايا الأمة العربية والإسلامية - وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والتي عبر عنها بقوله وقت الحرب عليها: مصر لن تصمت إزاء أي اعتداء على غزة، أوقفوا هذه المهزلة فورًا، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة.
وأحب كل مظلوم حتى ولو لم يكن من قومه، وسعى لرفع البغي عن كل شعب ذاق مرارة الظلم فكانت وقفتك القوية في وجه العدوان الصهيوني على غزة، وكانت صيحتك مدوية "لبيك يا سوريا " روحا سرت في نفوس الجميع، وكان تعظيمه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ الأثر، وكان دفاعه عن صحبه الكرام وزوجته خير درس لمن يتاجرون بشعارات هذا الدين.
بين الشهادة والرئاسة
بعد مسيرة نضالية طويلة في خدمة مصر وشعبها وقضايا الأمة العربية والإسلامية - وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والتي عبر عنها بقوله وقت الحرب عليها: مصر لن تصمت إزاء أي اعتداء على غزة، أوقفوا هذه المهزلة فورًا، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة – رحل الرئيس محمد مرسي يوم 17 يونيو 2019م ووري الثرى في صمت وفي جنح الليل إمعانا في الظلم، غير أنه كان يوما على الصعيد العالمي مشهود ببكاء القلوب ودمعات المعارضين والمؤيدين واصطفاف الصفوف في كل مكان لصلاة الغائب على رجل ربما لم يتقابلوا معه لكنه ترك في نفوسهم بصمات جعلت العرب والعجم يصطف ليصلي ويدعو له.
مات زعماء كثيرون، واستشهد رؤساء وملوك كثيرون، لكن مشهد الأرض يوم وفاة محمد مرسي لم تشهده مع أي زعيم في العصر الحديث فماذا كان بينك وبين الله يا مرسي حتى تحزن عليك قلوب العالم، وتبكيك عيونهم، وتصطف الصفوف في كل بقعة حتى التي تشتعل بالحرب كاليمن وغيرها لتصلي عليك، فكم من الملايين وقفت فصلت عليك، وكم من الملايين بكتك ودعت لك، وكم من الملايين دعت على ظالمك.
فماذا بينك وبين الله لتظل كلماتك تتردد حتى على ألسنة الأطفال والبنات والشباب والشيوخ "وليعلم أبناؤنا أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأى الفسدة، ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شريعتهم أو دينهم".
لقد كان مرسي دائما عف اللسان، كريم الخلق، متواضعا حتى وهو في أوج عظمه، لينا وهو في أشد قوته، تكالب عليك الرويبضة فكان صاحب خلق حتى تجسد فيه خلق القرآن وتعاليمه، فصار أيقونة للجميع.
نسأل الله يا مرسي أن يجعلك من الشهداء فقد أحببت كل مظلوم حتى ولو لم يكن من قومك، وسعيت لرفع البغي عن كل شعب ذاق مرارة الظلم فكانت وقفتك القوية في وجه العدوان الصهيوني على غزة، وكانت صيحتك مدوية "لبيك يا سوريا " روحا سرت في نفوس من وقف ضد الظلم فيها، وكان تعظيمك لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ الأثر، وكان دفاعك عن صحبه الكرام وزوجته خير درس لمن يتاجرون بشعارات هذا الدين.
لقد أشعل رحيل الدكتور مرسي روح الحمية مرة أخرى وعزيمة الاستمرار بالمطالبة بالحرية - والتي مات عليها مرسي - في نفوس كل الناس حيث كانت أخر رسالة له: "إن شاء الله لن أغادر سجني قبل أبنائي المعتقلين، ولن أدخل داري قبل بناتي الطاهرات المعتقلات"، وتحققت أمنيته فلم يدخل بيته لكنه رحل إلى ربه.
لم يختلف يوم رحيلك عن يوم فوزك بالرئاسة حينما تعلقت القلوب بلحظات إعلان النتيجة، والتي احتشد من أجلها الملايين في الشوارع، وخرج الشيوخ والأطفال والنساء والرجال معبرين عن سعادتهم بهذا الانجاز العظيم الذي تحقق في حياتهم.
لم تفرح القلوب في مصر فحسب، بل خرجت الملايين في شوارع وطرقات المدن بجميع البلاد معبرة عن سعادتها وفرحتها بهذا الفوز.
لم يختلف يوم استشهادك عن يوم فوزك حينما تجمعت القلوب عليك، وشعرت القلوب المظلومة بكثير من الفرحة في هذا النصر.
لقد عاش الشعب يحلم بيوم الحرية.. بيوم تحفظ فيه كرامته من أن تداس تحت الأقدام أو تهان فكان خروجه البارز في انتخابات البرلمان ثم انتخابات الرئاسة التي جاءت بحلمهم.
جاء إعلان رئيس اللجنة العليا للانتخابات بفوز مرسي بمثابة قنبلة سعادة أطلقت على الشعب المصر ي والشعوب العربية والإسلامية، حيث خرجت الشعوب في مختلف الدول للتعبير عن فرحتها بهذا الفوز وكأنها هي من انتخبت رئيسا ديمقراطيا لها، فكانت كانت الميادين تعبيرا عن تطلع الشعوب جميعا إلى نسمات الحرية والكرامة.
مرسي الذي انتخبه الشعب بإرادة حرة هو مرسي الذي ظل ثابتا على موقفه ولم يعط الدنية في دينه ووطنه، وكان حلمه أن تكون أمته العربية والإسلامية هى أعز الأمم، لكن توقف كل ذلك باعتقاله واهماله واهانته بشكل متعمد للضغط عليه من أجل التنازل عن شرعيته، غير أنه ظل ثابتا حتى تهاوى الجسد مغشيا عليه حتى فارق الحياة أمام قهر الرجال وحزن الجميع.
رحل مرسي وترك في قلب كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها حزنا وألما وقهرا شديدا على ما آل إليه حالنا.
مواقف الرجال
لقد خرجت الملايين سعيدة يوم فاز بالرئاسة كما خرجت داعية ومبتهلة أن يغفر الله له يوم أن سقط شهيدا، لما تركه في النفوس من مواقف عظيمة.
فهذا أحد المصريين بروما كتب على صفحته يقول: كنت فى روما ورأيت محل زهور على جدرانه صليب، وصور للدكتور محمد مرسى فتعجبت من المنظر، وأغرانى الفضول لمعرفة حقيقة هذا المشهد، فركنت السيارة ونزلت لأدخل هذا المحل فرأيت صور شخصية أخرى لصاحب المحل مع الرئيس مرسي، ودار الحوار الآتى:
أنا أقول: لصاحب المحل صباح الخير
رد علي: صباح النور
قلت له: لفت نظرى الصور المعلقه على الحائط للرئيس مرسي أنت أزاى بتأيد الأرهابى دا؟؟
قال لي: يا أستاذ أنت فى محلى وعيب أقول كلمه تجرحك....متقولش عليه أرهابى بعد أذن حضرتك قلت له: أنا أسف بس أنت مسيحى بتأيده ليه.
رد علي وقال: أثناء فترة حكمه كنت من أكبر كارهى مرسى ولكن عندما علمت أنه فى زيارة لروما أتصلت بالسفاره وقلت لهم أريد مقابلته قالوا لى أترك رقمك وعنوانك وسنخبر الرئيس عقب انتهائه من اجتماعاته مع المسئولين الأيطاليين فتيقنت أنهم يخدعونى ولكني تركت تليفونى وعنوان محلي لأتفاجىء فى صباح اليوم التالى بزيارة الرئيس مرسي لمحلى المتواضع فأنتابتنى حالة من الذهول وقلت له ممكن أحضر لك القهوة؟ قال لى: تعالى نشربها سوياً فى هذه الكافتيريا التي بجوارك بمفردنا بدون حراسه لأننى علمت أنك تريد التحدث معى فى أمر هام، دخلت معه الكافيتريا وأنا فى بالغ السعادة وأقول لكل العاملين بالكافيتريا والزبائن هذا رئيس مصر طلبت مقابلته وجاءنى خصيصاً وأخذوا معه الصور التذكارية.
فسألته عن اضطهاد الأقباط فى مصر، رد على بكلمه واحدة قال فيها: عندما طلبت مقابلتى وأعلم من اسمك أنك ميلاد حنا مسيحى الديانه لم ألتفت لديانتك ولكن التفت أنك مواطن مصرى مغترب لديك مشكله حضرت لك خصيصا ما بالك بالمسيحيين عندنا بمصر ممن يعيشون معى على نفس الأرض فلهم نفس الحقوق، كيف يتم اضطهادهم وهم مسئولون منى ويحاسبنى عليهم الله سبحانه وتعالى.
قال لى صاحب المحل: كيف تقنعنى أن هذه عقلية إرهابية؟؟
وهذا أحد الصينين ويدعى بنغ وانغ كتب عن الرئيس مرسي فقال: لقد صليت مع محمد مرسي رحمه الله الجمعة عام 2013 شهر مارس في مسجد الرحمن الرحيم بالقاهرة وكان بيني وبينه مسافة متر فقط ورأيته يصلي صلاة السنة بعد الجمعة مباشرة فسألت نفسي إذا كان رئيس الدولة لا يترك السنة البعدية يوم الجمعة فبأي عذر سوف أجيب الله يوم القيامة إن سألني لماذا تركت تلك الصلوات! فمنذ ذلك اليوم لم أترك السنة البعدية للجمعة أبدا.
وهذا مايكل عادل يقول: مع إنى مسيحي وكنت في يوم ضدك بس عمري ما شوفت وعلى هاشوف انضف منك.
ويوم أن فاز فقد كتبت الصحفية شاهيناز جلال في المصر ي اليوم يوم 26 يونيو 2012م: عاشت مصر يومًا تاريخيًا، وانطلقت احتفالات عارمة في المحافظات عقب إعلان فوز الدكتور محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين على منافسه الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، بجولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، ليصبح بذلك أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير.
وكتبت أمل صالح في صحيفة اليوم السابع يوم 24 يونيو 2012م: عادت أجواء الفرحة تعم ميدان التحرير من جديد، بعد أن غابت عنه منذ الاحتفال بجمعة الانتصار يوم 11 فبراير 2011، إثر الإعلان عن تنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وذلك بعد فوز الدكتور محمد مرسى برئاسة الجمهورية على منافسه الفريق أحمد شفيق، وسط انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية.
لقد حمل مرسي فرحة هذه الملايين في قلبه واحتفظ بها وقت محنته حتى تجلت في موقفه الذي لم يخذل هذه الملايين، فرغم محنته وسجنه واضطهاده والتنكيل به وحرمانه من أبسط حقوقه ومحاولة البعض أن يثنيه عن موقفه بأن يتنازل أو يطلب العفو فرفض وقال: "إن شاء الله لن أغادر سجني قبل أبنائي المعتقلين ولن أدخل داري قبل بناتي الطاهرات المعتقلات وليست حياتي عندي أغلى من شهداء الثورة الأبرار".
وكتب الكاتب عبدالباري عطوان: كنت في تركيا في سبتمبر 2012م وقت أن كان الرئيس مرسي بها وكُنت أجلس في مقهى فندق “ماريوت” في العاصِمة التركيّة، حيثُ كنت أُقيم مع حشدٍ ضخمٍ من المَدعويّن، وكان الرئيس مرسي أبرزهم، وحظِي بحفاوةٍ خاصّةٍ من قِبَل رئيس الوزراء التركي، وفجأةً حصلت ربكة في البَهو ليظهر الرئيس المصر ي وسط مجموعة من الحُرّاس والمُرافقين، فالتقيت أعيننا، فإذا به يُغيّر مساره ويتقدّم نحوي هاشا باشا، ويُعانقني مُعاتِبًا لأنني لم أزوره في مصر ولم أُهنّئه بفَوزِه بالرّئاسة، ويصطحبني إلى جناحه عبر المِصعد بفترةٍ قصيرةٍ، حيثُ كان يستعد للمُغادرة إلى المطار للعودة إلى القاهرة.
وكتب ياسر أبو هلالة: القيمة الحقيقية لمحمد مرسي ظهرت وهو مجرد من كرسي الحكم شامخاً قوياً بذاته، حكم عاماً وخلده التاريخ منتخباً شريفا مستقيما، منح شعبه حباً وعطفاً وعدلا وحرية تلاحقه الرحمات.
وكتب ماجد محمد الانصاري: انتشر بين مسلمي الهند نبأ وفاة السيد مرسي رحمه الله تعالى انتشار النار في الهشيم، فلم أجد أحدًا يسبه أو يعيبه بل الجميع حزانى. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون.. عشتَ كريماً ومتَّ كريمًا.
لقد رحل مرسي بعدما شكل لجنة تقصي حقائق عن الجرائم التي ارتكبت أثناء ثورة 25 يناير ولجمع المعلومات والأدلة وإعادة تقصي الحقائق في وقائع قتل المتظاهرين.