أدان تقرير لصحيفة "ميديا بارت" الفرنسية تقريرا أعده مجلس الشيوخ الفرنسي، يزعم أن "مؤيدي الإسلام السياسي يسعون حاليا إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل "إنشاء الخلافة"، مدعيا أن المسلمين يُغذّون في بعض المدن "نزعة انفصالية خطيرة".
ورغم أن التقرير المؤلف من نحو 44 إجراءً لمواجهة ما أسماه "التطرف الإسلامي" الذي بات يشكل، كما يقول، تهديداً لقيم الجمهورية، قدم ملاحظاته دون تقديم تفاصيل عن هذه الأعمال، إلا أنه خطوة تالية لما أعلنته باريس مراراً أنها لا ترغب في توظيف أئمة مساجد من تركيا والمغرب والجزائر، وقررت خصوصا تخفيض عدد الأئمة القادمين إليها من تركيا، كما رفضت الحكومة الفرنسية افتتاح مدارس دينية تركية في البلاد، بحسب الصحيفة.
وقال فرنسيون لـ"ميديا بارت" "تقرير الشيوخ يفسح المجال وبشكل متسارع للخطاب المعادي للإسلام بمجلس الشيوخ خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح "تجمع العاشر من نوفمبر ضد الإسلاموفوبيا"- أن أعضاء لجنة تعنى بما يسمى "التطرف الإسلامي ووسائل مكافحته" نظموا الفترة ما بين نوفمبر 2019 ويونيو الماضي 39 جلسة استماع بالمجلس، حضرها وزراء وخبراء منهم "شخصيات جدلية" للحديث عن التهديد المزعوم لـ"الانفصالية الإسلامية" في البلاد.
واعتبر "التجمع" أن الفرضية، التي تثير الشكوك حول مسلمي فرنسا عامة، تحولت إلى محور للعمل بمجلس الشيوخ، دون أدنى مساءلة أو تمحيص.

مثير للقلق
واعتبرت ميديا بارت أن التقرير "المثير للقلق" عندما يشير إلى انتشار الإسلام السياسي في فرنسا وتغلغله بجميع جوانب الحياة الاجتماعية مستفيدا من الحرية الفردية.
وعابت المتحدثين مع الصحيفة رفض لجنة الشيوخ الفرنسي الاستناد إلى أي إحصاءات على أساس العرق لتحديد السياسات العامة، داعين إلى تدريب أفضل للمنتخبين المحليين ووكلاء الإدارة بخصوص مبادئ العلمانية وما سموه "الإسلام الراديكالي".
ودعت اللجنة إلى إعادة تفعيل "الوكالة الحكومية لليقظة والتصدي للتجاوزات الطائفية" التي أنشئت عام 2002 بموجب مرسوم رئاسي، وتنشيط شرطة الطوائف خاصة من خلال تشديد عقوبة الاعتداء على حرية المعتقد.
وطالبت نفس اللجنة بحظر الدعاة من حركة الإخوان المسلمين في عموم فرنسا، وإلزام الجمعيات ذات الطبيعة الثقافية بـ "الشفافية" بشأن مصادر تمويلها، واشترط على أي جمعية ترغب في الاستفادة من الإعانات المحلية أن تتعهد بالتوقيع على "ميثاق ينص على احترام قيم الجمهورية".

تعليق المسلمين
وفي فبراير الماضي، أعلن أنور كبيبش، رئيس مجلس الديانة الإسلامية سابقا، ورئيس المنظمة الإسلامية "تجمع مسلمي فرنسا"، عن تحفظه بشأن تعبير "الانفصال"، الذي سبق واستخدمه الرئيس الفرنسي ووزير داخليته، وقال إن بعض مظاهر الانفصال عن المجتمع وقيم الجمهورية الفرنسية ليس بسبب التشدد في مظاهر التدين، ولكن أحيانا كثيرة بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية، بينها الفقر والتهميش والإقصاء والعنصرية.
وأضاف "كبيبش" لـ"الجزيرة نت" أنه لا يجب وصم ملايين المسلمين بـ"الانفصاليين"، مؤكدا أن "الانفصالية" ظاهرة هامشية تمس فئة قليلة من المسلمين الفرنسيين، لهم قراءة ضيقة للإسلام، أما الأغلبية الساحقة منهم فهي مندمجة وتحترم قيم الجمهورية الفرنسية خصوصا مبدأ العلمانية.
كما سبق وأكد أحمد جاب الله، الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، أن حديث الرئيس ماكرون عن محاربة الإسلام السياسي أمر غير مفهوم، لأنه ببساطة غير موجود، ومجرد أراجيف، معتبرا أنه يجري حث المسلمين على عدم الانفصال لكن حينما يرغبون بلعب دور إيجابي في المجتمع واقتحام كل المجالات بما فيها السياسة، يتهمون بنشر الإسلام السياسي.
وأشار جاب الله إلى أن مسلمي فرنسا ليست المرة الأولى التي يتعرضون فيها إلى هذا النوع من الخطاب الذي يعتمد على التهويل والتضخيم لظواهر اجتماعية واقتصادية لتعطى صبغة دينية لأهداف سياسية وانتخابية.

خطى ألمانيا
وكان تقرير ألماني قد سلط قبل أسابيع قليلة الضوء على أنشطة مشبوهة لخلايا سرية قال إنها لإسلاميين تعمل على تخريب الديمقراطية وتفكيك النسيج الاجتماعي، مشيرا إلى أن عناصرها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في عدد من الدول العربية والخليجية والتي تتلقى تمويلات تركية وقطرية!
ورغم اعتراف التقرير ذاته أنه لا توجد انتماءات معلنة لتنظيم الإخوان في ألمانيا، إلا أن خبراء في الدستور حذّروا من أنشطة غير معلنة لهذا التنظيم، مشيرين إلى استقطابه المزيد من الأتباع وتشكيل خلايا سرّية.
ونقلت محطة "إس دبليو آر" عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور وهو بمثابة وكالة أمن محلية في ألمانيا، قوله إن "هناك الآن أكثر من ألف تابع للإخوان في ألمانيا"، مشيرا إلى أن هذا الرقم في مسار تصاعدي بشكل واضح.

وزير إيطالي
وفي يناير الماضي، قال وزير الداخلية الإيطالي السابق ماتيو سالفيني في مقابلة مع صحيفة صهيونية، إن التواجد الكبير للمهاجرين القادمين من دول إسلامية ينشر العداء للسامية في إيطاليا، وإنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في حال تم انتخابه رئيسا للحكومة الإيطالية، وذلك في تصريحات رفضتها الجالية العربية في إيطاليا وأكدت رفضها معاداة السامية، داعية سالفيني للتحلي بمزيد من المسؤولية.
وأضاف "سالفيني"، خلال مقابلة مع صحيفة "إسرائيل هيوم" عن عودة معاداة السامية في أوروبا، إن "الوجود الكثيف للمهاجرين القادمين من دول إسلامية ينشر العداء للسامية في إيطاليا أيضا".

وفي مارس 2019 قامت الحكومة النمساوية بحظر شعار الإخوان المسلمين الشهير - السيفين والمصحف- وأعلنت الحكومة هناك أنها ستقمع (الإسلام السياسي) في النمسا.
كما تسعى المؤسسات الدينية والمراكز الإسلامية التي يبنيها محمد بن زايد في الغرب لتسحب البساط من على المراكز الإسلامية التي تنتمي لفكر الإخوان أو الفكر المعتدل عموما في الغرب.

فتش عن بن زايد
ويرى مراقبون أن يد ولي عهد أبوظبي لا تبتعد عن محيط مثل هذه التقارير، حيث كشفت صحف فرنسية ومنها "ميديا بارت" مؤخرا حول تمويل الإمارات لليمين الفرنسي المتطرف.
ونشر الموقع تفاصيل حول ما أسماه "عملية إنقاذ" نفذتها دولة الإمارات لصالح حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف (الذي غير اسمه لاحقا للتجمع الوطني) الذي تتزعمه مارين لوبان، وذلك في نهاية يونيو 2017.
القرض الذي قدمته أبوظبي وبلغت قيمته 8 ملايين يورو ساعد الحزب المتطرف على الخروج من أزمة مالية خانقة عقب رئاسيات 2017 كانت ستعرضه لتدابير قانونية صارمة.
الموقع كشف أن القرض قُدم من طرف رجل الأعمال الفرنسي المعروف في القارة الإفريقية "لوران فوشر" بناء على عقد وُقِّع في بانجي بجمهورية إفريقيا الوسطى، لكن لم يتم توضيح مصدر المبلغ.
وبحسب الموقع، فقد ثبت أن المبلغ تم تحويله من طرف شركة التمويل الإماراتية "نور كابيتال" بأبوظبي بإشراف أحد مسئوليها، وهو الفرنسي السويسري أوليفيي كوجيول، الذي ظهر اسمه في عدد من التحقيقات الجنائية.
وقالت لوبان في سبتمبر 2014 على قناة "فرانس24": "على فرنسا قطع علاقاتها مع قطر والسعودية لدعمهما المتواصل للإسلام الأصولي حول العالم، علينا الاعتماد على الدول الإسلامية التي تحارب الأصولية مثل الإمارات ومصر".
وكررت موقفها في نقاش تليفزيوني آخر في مايو 2015، وقالت: "علينا تطوير علاقاتنا مع الدول التي تحارب الإسلاميين مثل روسيا، والإمارات، ومصر وغيرها من الدول".

تقارير كاشفة
ووجّه تقرير لخبراء أمميين؛ في مارس 2020، انتقادات إلى برامج مكافحة التطرف حول العالم، مؤكدا أنها لا تنتهك حقوق الإنسان فقط، بل إنها تفاقم من مشكلة التطرف بدلا من منعها.
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية خلال عمليات محاربة الإرهاب، إن برامج الوقاية من التطرف أمر ضروري، لكنها "ستكون فعالة فقط عندما يتم تطبيقها بطريقة تحمي وتؤكد الحقوق".
وقالت "فيونوالا ناي أولين"، المقررة الأممية إنه "مع الاعتراف بالتحدي العالمي المتمثل بالإرهاب وما يخلفه على الأفراد والمجتمعات، فإن النماذج الحالية للوقاية من التطرف تفتقر لحكم القانون أو لأرضية حقوق الإنسان".
وحذرت من أن "انتهاكات واسعة لحقوق (مجموعات) دينية وإثنية وعرقية تتولد عن سياسات وممارسات محاربة التطرف". ولفتت إلى أن غالبية برامج محاربة التطرف تركز على "التطرف الإسلامي"، وهو ما يعني التقليل من شأن التطرف المرتبط بمجموعات أخرى.
وأشارت الخبيرة الأممية إلى غياب "أساس علمي متين" للتطبيقات الحالية لبرامج محاربة "التطرف العنيف"، إلى جانب الغياب الكامل لوسائل المراقبة والتقييم للجوانب الخاصة بحقوق الإنسان في هذا السياق.
وعبرت المقررة الأممية عن القلق البالغ تجاه "غياب تعريف دقيق للتطرف والتطرف العنيف" في القوانين الوطنية، وما يترتب على ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان. وانتقدت المقررة الأممية إسناد مهام للإبلاغ عن التطرف؛ إلى المعلمين وموظفي الخدمات الاجتماعية والعاملين في القطاع الطبي، وغيرهم، في إشارة غير مباشرة إلى برنامج "بريفنت" الذي تعتمده بريطانيا.
وقالت إن هذا الأسلوب يولد انعدام الثقة بالمجتمع، وفي ظل "غياب الشفافية"، فإن هذا يدفع للاعتقاد لدى الناس بأن الشرطة والأمن تتخفى خلف العاملين المدنيين.