يقدم الكاتب "الشيخ محمد الغزالى" بأن ملهمه في ذلك الكتاب هو الأستاذ حسن ألبنا الذي يصفه بأنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري، من خلال وضعه لجملة مبادئ تجمع شمل المتفرق وتعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنه عمد إلى تأصيل تلك المبادئ وشرحها مؤكداً أن ظروف بداية حسن ألبنا في دعوته تتشابه وظروف كتابة مؤلفه ذلك حيث منبعهما الاستعمار الذي اكتسح أرض الإسلام، والأخطر الفساد. فقد عمد الاحتلال إلى تقطيع أواصل المجتمع الإسلامي وتمزيق أوصاله في سكون أشبه بالغيبوبة وما استفاقت عناصر المقاومة إلا بعد أن فقدت الأمة قوتها و أوزعت جهود مناضليها على عدة جبهات.

ويقدم الكاتب صورة حسية للأستاذ حسن البنا لمن لم يره فيصفه بأنه كان مدمنا لتلاوة القرآن بصوته الرخيم ويحسن تفسيره ويفهم أصعب معانيه، وأفاض بأنه جمع بين الإشعاع الصوفي والفقه السني وإدراك الواقع العملي.

وأبان بأن الاستعمار الثقافي دائب على سرقة القلوب والقيم، واجتياح العقائد والشرائع بينما اضمحلال عقول المسلمين في أمور الفقه بادي، والفشل في أمور الدنيا لا يحتاج دليل، والتعليم منقسم إلى مدني وديني بفعل الاحتلال لضربهما معًا، والتعليم الديني منقسم بين المتصوفة والفقهاء ، ومن تفقه تعصب لدرجة رفض الصلاة خلف مخالفه في المذهب الفقهي. ونشب خلاف بين أهل الحديث ودخلت الوهابية باسم أنصار السنة معركة مستعرة بين كل أولئك ، فتسللت الشيوعية ولمع المستغلون بالسياسة ، ووسط ذلك التمزق كان الدعوة إلى الإسلام ديناً ودولة هي الملاذ وطوق النجاة.

وفى ظل تلك المتغيرات أعد كتابه الذي أكد على التحديات التي تواجه الدعوة الإسلامية ، بل تواجه الرسالة الإسلامية ذاتها ، أقلها من الخارج وأكثرها من الداخل!! نعم فإن الآفات التي تنخر في الكيان الإسلامي أشبهت الأمراض المتوطنة وقد ألحقت به معاطب مخوفة ، ثم انتهت به خواتيم القرن الرابع عشر الهجري إلى حال تسوء الصديق وتسر العدو...

ثم عدد بتناول رائع أسباب الهوة السحيقة التي انزلقنا إليها وأبرأ التتار من سقوط بغداد وأرجعه إلى الترف في القصور وحياة الملذات للحكام.

كما أبرأ الصليبيين من ضياع الأندلس محدداً أن المترفين في النعم هم من أنزل راية الإسلام ، موضحاً أننا كمسلمين العقبة الأولى أمام ديننا لأن العلمانيين عندما يقدموا منهجهم يحسنون تقديمه في أبهي حلة سياسية ويبرؤون أفكارهم من النزوات الفردية ، بينما نقدم نحن شورى في حبر على ورق ، وتراحم من خلال حناجر على المنابر ، وشعائر توقف فيها نبض الحياة. فنحن ننتمي للإسلام وننكره في آن واحد ، منتمون له بالميراث وفساد الحكم يقدم لفساد الحياة.

ثم تطرق إلى أن عواصم الخلافة الثلاثة الآن يبيت فيها المرء غير آمن على نفسه بينما يبيت في ديار الكفر أمنا على نفسه وما ذاك إلا لما أسلفه من قبل.

وأفاض بأننا نجهل ما حولنا وما يحاك لنا ونجهل الآخر فيما هو درسنا وعرف كل صغيرة وكبيرة عنا وأعد لنا ما يطوقنا في براثن الجهل ليضمن تقدمه وتسيده علينا. وينهى مقدمته بأنه عرض خلاصة تجاربه وفق توجيهات رجل موفق لا شبيه له في تأليف الهمم.

ثم يبدأ رحلته بعنوان هيمنة الإسلام على الحياة كلها وفيه يبرز المحاولات الحثيثة والمضنية للغرب لفرض إسلام غير إسلامنا علينا ، إسلامهم الذي لا علاقة له بالتشريع. وذلك من خلال من يعينهم المحتل قبل ترك البلاد ممن يدينون له بالولاء فيكونوا يده التي يحكم بها وفق ما يرى. ويرفض مجدداً تحميل الغرب مسئولية ما حدث وإنما يرده لتفريط المسلمين في دينهم وإهمالهم.

ويعرج بعدها إلى الكتاب والسنة معاً وفيه يتناول عظمة القرآن الكريم إذ يستشعر قارئه عظمة الخالق وكماله وأنه مهما اختلف المسلمون فإن قرآنهم واحد ولا توجد نسخ بديلة عنه ، بينما في غيره من الكتب الأخرى يجد فيه ما ينسبونه لله بما ليس فيه من نقص وعيب وأكل ومصارعة وتجسد في البشر والندم. ويتناول الهجوم على السنة بداعي الاكتفاء بالقرآن وحده والهدف القضاء على القرآن والسنة معاً ليضيع الدين كله.

ويعتب على بعض الجماعات التي تدعى حبها للسنة وتمسكها الظاهر بها بينما يأخذ عليها أمران أواهما أنها تخلط الصحيح بالسقيم ، والثاني القصور الفقهي.

ويذكر ثلاث حقائق محترمة أولها أن في أغلب السنة متواتر لفظاً أو معنى وثانيها أن جمهور الأمة يقبل سُنن الآحاد وآخرها أن دراسة السنة له رجاله الخبراء ولا يقبل في هذا المجال الأحكام الطائشة للسفهاء.

ثم يذكر أن الإسلام يقوم على الحقائق لا الأوهام ولا الشطحات التي يتصف بها البعض. ويقرر أن الإسلام يحترم العلم وحقائقه مفصحاً عن رفضه قبول عقيدة خرافية تنساب مع صوت شجي إذ الهيام الروحي وهم خادع كالهيام الجنسي وراء عشيقة محرمة فلابد من احترام صوت العقل حسب ما علمنا القرآن الكريم.

 ثم يتناول أساس الاعتقاد والتشريع موضحاً أنه المحكم من القرآن الكريم مفصحاً أن المتشابه ليس إلا تتمة للمعارف والاشتغال به مرض نفسي وتوسيع دائرة المغيبات لجعل الدين طلاسم فوق العقول ضرب من الكهانة مقرراً أن عدم العلم بشئ ليس علماً بعدمه. ثم يلقى بوهج الضوء على أمر جد خطير ومتناقل وهو أن المصلحة قد تتعارض مع النص فتغلب المصلحة النص كمن قال أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألغى أو عطل بعض النصوص وهذا أمر مكذوب إذ لا يوجد نص ضد مصلحة البشر ولا يوجد بشر يملك إلغاء نص وسرد أمثلة للفاروق رضي الله عنه أوضح الفهم الصحيح لها.

إمضاء أمر الله نماء وبركة وذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحاً"

يعرج بعد ذلك على حقيقة هامة وهى أن الخلاف شؤم والفرقة عذاب الكاسب منه الشيطان وأعوانه. ثم يتناول الأئمة الأربعة بكلام نفيس لا مناص من ترديده فلهم كبر غريب على الدنيا ، رغبة في الله عميقة ، صلابة تنحسر دونها عوامل الرغبة والرهبة ، كانوا على تجردهم ملوكاً ، وقد هابهم أصحاب السلطان ، ومع تقواهم لله فإن توقد ذكائهم وسعة علمهم واستنارة آفاقهم ، كان نعم العون لهم على خدمة الكتاب والسنة. وانتهى إلى أن العالم الإسلامي أعطى مقادته لأئمة الفقة لا لعلماء الحديث لسببين :

أولهما أن الفقه المذهبي يعتمد على السنة كما يعتمد على القرآن مع بصر بالمعاني والغايات , وثانيها أن اهتمام المحدثين بالأسانيد أكثر من المتون. وقرر أن الفقه بلا سنة كالسنة بلا فقه جهد باطل.

ثم يتناول الكاتب تحت عنوان الخلاف الفقهي وتعدد المذاهب من خلال قوله أن كلمة مذهب تعنى وجهة نظر فقيه في فهم نص سماوي ، وقبل أن يلج لأسباب الخلاف عمد إلى ذكر ثلاث مقررات وهى أن أوجه التشابه كثيرة جداً وتكفى وحدها للنجاة وثانيها أن الاختلاف كان في الفروع لا الأصول ، وثالثها أن الخلافات مصنوعة وبعضها شغل العامة به جرماً.

ثم ينطلق لبيان أسباب الخلاف الفقهي وهما سببان أولهما الطبيعة اللغوية وثانيهما دور أحاديث الآحاد في التشريع وتناوله من خلال اقتطافه لنقاط عشر من رسالة ابن تيمية "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".

بعدها عرج إلى أخبار الآحاد ووزنها العلمي والذي لا يفيد القطع ولكن يدفع لأمور منها أننا بشر ننسى فلذلك يناقش خبر الآحاد في ضوء الكتاب والسنة ، وإن كنا نتثبت لأمور الدنيا بشاهدين أو رجل وامرأتين فلم نتساهل في ديننا.

 تناول في شرحه مدرسة الرأي ومدرسة الأثر وهما مدرستان فكريتان تقوم كل منهما على منهج علمي أحدهما بإتباع النص أينما كان بينما الأخرى تتبع جميع النصوص وتتحرى سببه. ثم تناول مدرسة الموازنة والترجيح بين المدرستين السالفتين واجتهدت تلك المدرسة في الموائمة بين انفصالها ووضح مدى تأثر الكاتب بابن تيمية الذي وصفه بما ارتآه أهلاً له من قوة شخصية وحجة بيان.

وأفصح بأنه قد ظهرت بعد ذلك عدة مدارس وانتهى إلى الاجتهاد الفقهي علامة صحة وهو شرف لتاريخنا وقرر أن احترام المجتهد واجب شرعي وذكر كما كان العلماء يحترم بعضهم بعضاً فيما يختلفون عليه.

وحذر من التعصب المذهبي الممقوت وكأن الذين خاضوا المعارك الجدلية كأنما قصدوا تمزيق المسلمين. مرجعاً ذلك إلى آفتين أولاهما العجز العلمي (قلة المعرفة) والثانية سوء النية. ومن تلك الآفات كذلك الانشغال بسنن وشكليات عن عظائم الأمور.

ثم ساق حواراً دار بينه ومجموعة من المشتغلين بالقضايا الفقهية ليكشف غايته ثم وجه نصيحته للشباب المسلم بالتحلي بخصلتي أدب النفس وحسن الفقه.

وجه الدعوة نحو سلفية واعية ذكر فيها أن الأئمة الأربعة أخلصوا لله وكانوا فرساناً بالنهار عباداً بالليل ثم ظهر المحدثون الذين انشغلوا بحلو الكلام دون فهم العاني والغايات فكثرة أسباب الفرقة والتمزقات.

وقرر أن هناك مفاهيم قاصرة لمعنى السلفية موضحاً أنها نزعة عقلية عاطفية وفهمها للإسلام وعملها له يرتفعان لمستوى خلوده وتجاوبه مع الفطرة وقيامه على العقل. ويعوز المسلمين ليعيدوا البشرية للصلح مع الله أمران أولهما أن يطووا مسافة التخلف الحضاري وثانيها مخاطبتهم بكياسة باقتفاء أثر سلفنا بعقل حر مكتشف دءوب.

وتناول العلاقة بين المذاهب الفقهية وسلطات الدولة واقترح تأليف لجنة للنظر في التراث الفقهي وفق خمس أسس ذكرها. ثم تناول السياسة والمذاهب الفقهية موضحاً أن الأحناف احتكروا القضاء زمناً طويلاً في ظل الدولتين العباسية والعثمانية وقرر أن الاجتهاد ضرورة إسلامية وإنسانية.

وتعرض للخلافات الموروثة من حيث قيمتها وأثرها ، ووضع السلفية في إطارها الصحيح. تناول الكاتب الفرق الضالة معدداً لها وموضحاً سببها محدداً طرق مجابهتها.

ثم تناول الشيعة وأهل السنة معرباً أن السياسة كانت من أهم أسباب الخلاف والفرقة بينهما ويقول أن هناك أمور متفق عليها بينهما بأربعة مواضيع رئيسة.

تطرق بعدها لتناول معنى الابتداع وأنواع البدع محدداً خمسة أسباب لرفض الإسلام الابتداع, وعرج من ذلك إلى لفت النظر إلى ثلاث أخطاء حذر منها. تناول بعدها البدع الإضافية ثم البدع التَّركية.

وسريعاً تناول الحب والبغض في الله ومعنى الولاية لله ثم زيارة القبور فبناء المساجد ، وعمد إلى تصحيح المفاهيم السلبية والذنبية وتطرق لصلة المسلم بالمقابر. بعدها تناول التوسل موضحاً ما يجوز منه وما لا يجوز.

وفى ذات السياق عرج إلى تناول تقاليد المسلمين وأوضح إنها تختلف الآن عن تعاليم الإسلام بينما كانت واحدة في القرن الأول وانتهى إلى أن فرض تقاليد الصحراء على الناس باسم الإسلام ضرب من البلاهة.

وأظهر كيف كرم الإسلام المرأة معدداً مظاهر التكريم. وتناول العلاقة بين أجهزة الحكم وجماهير المسلمين

تناول الكاتب بعد ذلك الانحرافات النفسية والبدنية من خلال أن الإخلاص هو روح الدين وآية صدقه ثم أظهر أصحاب القلوب القاسية.

عرض الكاتب المستوى الثقافي للأمة الإسلامية مفصحاً عن انتباهه حال تدبره القرآن هذا التعانق بين الفكر والشعور أو بين العقل والعاطفة أو بين الإيمان والسلوك. متسائلاً لم لا يسبح المسلمون في القارات ويطلعوا على أحوال الخلائق ويُجَّوِدوا بعدما تعفنت الأوضاع السياسية والاقتصادية لدينا في عصور الجمود والتخلف التي أوهنت كياننا وأسقطت خلافتنا.

فكان لابد من المصارحة لا النفاق ونؤمن بأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. موضح مكانة العقل وأن ديننا يدعونا إلى التدبر والتفكر وإعمال العقل وقد عمد إلى تناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

ثم عمد إلى تعريف كلمة مسلم تعريفاً مانعاً جامعاً من خلال الدائرة الإسلامية ، ثم أوجب التفرقة بين النوع والشخص المعين في قضية التكفير موضحاً لقوله بأننا نقول أن الشيوعيون والعلمانيون الذين يرفضون شرع الله كافرون وذلك حيث يتعلق الحكم بنوع معين (شيوعي ، علماني) فإذا تعلق الأمر بشخص معين ينتمي لهؤلاء وجب التوقف للتحقق من حقيقة موقفه من خلال مناقشته حتى تقوم عليه الحجة وتنتفي الشبهة.

عرج الكاتب بعد ذلك إلى تناول موضوع التكفير معرباً عن أن من يحاول إنقاص الناس قدرهم وإلصاق التهم بهم وتصدرهم ميدان الإسلام بغلظة وقسوة فإنهم يخالفون نهج محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو لستر العيوب بين هم فتانين ويدعون أنهم دعاة. وذكر قولاً للشيخ عبد الرحمن أبو الخير يقول فيه لقد اتفقنا في الأصول ثم اختلفنا منذ اليوم الأول في الفرعيات وعجب من تلك التي يقول عنها فرعيات وهى تمزق الأمة.

وانتهى إلى أن تاريخ المسلمين العلمي أشرف من تاريخهم السياسي.

وأنهى كتابه بخاتمة مقرراً فيها أن الله سبحانه وتعالى يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر ، فهلا تعلمنا من ذلك تجاوز الهبات إذا احترمت الأمهات.

وكما قدم ختم بأن التعاليم العشرين التي وضعها الأستاذ حسن ألبنا تضمنت خيراً كثيراً معقباً أنه تعلم منه الإنصاف للغير مهما خالف الرأي منهياً بأنه أعطى نفسه الحق في إضافة مقررات عشرة بجانب التعاليم العشرين.

__________________

مركز التأصيل للبحوث والدراسات