كان يوم 20 سبتمبر 2019 أحد الأيام المشهودة في مصر خلال السنوات السبع الماضية، حيث نزل آلاف المصريين إلى الشوارع كاسرين حاجز الخوف الذي فرضه عليهم النظام. وقد تجددت الدعوات لتكرار مشاهد ذلك اليوم في ذكراه الأولى يوم الأحد (20 سبتمبر 2020).

وسواء كرر الشعب النزول أم أن القمع الأمني حال دون ذلك (كتبت المقال قبل يوم 20 أيلول/ سبتمبر)، فإن النظام تعامل بمنتهى القسوة مع مظاهرات متناثرة في السويس والإسكندرية والقاهرة، وأراد من خلال ذلك إرسال رسالة تخويف جديدة للمواطنين الراغبين في التعبير عن رأيهم السلمي في سياسات السيسي، وآخرها هدم المنازل بحجة عدم حصولها على تراخيص بناء.

وقبل أيام من 20 سبتمبر، استنفر النظام قواه الأمنية، وأغلق الكثير من المقاهي وسط القاهرة، وزرع آلاف الكاميرات الخفية لمراقبة الشوارع، ولاحق النشطاء والمشتبه في مشاركتهم في المظاهرات، كما قرر تخفيض ساعات العمل في اليوم الموعود ليعود الموظفون إلى بيوتهم باكرا، ولتتمكن الشرطة من المواجهة بسهولة بعيدا عن زحام الموظفين.

حالة من الطوارئ القصوى فرضها النظام تشي بخوفه من أي حراك مهما كان صغيرا، فهو يوقن تماما بأن معظم النار من مستصغر الشرر، فقد بدأت ثورة يناير ببضعة آلاف ما لبثت أن أصبحت ملايين في عموم مصر.

كانت عمليات الهدم وإتاوات التصالح في المباني المخالفة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وفجرت غضبا مكبوتا لدى الكثيرين، فخرجوا يعبرون عن غضبهم ورفضهم للنظام وسياساته. لم يكن هناك تنظيم وراء هذا التظاهر، بل كان تظاهرا عفويا، حرص المشاركون فيه على إظهار وجوههم ورفع هتافاتهم ضد رأس النظام مباشرة، مع علمهم بما يرتبه ذلك عليهم من ملاحقة وحبس، وقد يصل الأمر إلى القتل، فقد تساوت لديهم الحياة مع الموت، والحبس مع الحرية.

في لقائه الأخير وما سبقه من لقاءات علنية لم يخف السيسي مخاوفه التي عبر عنها بطريقته الخاصة، تنديدا وتخويفا من القنوات والأصوات والدول التي تريد هدم مصر حسب زعمه، وهي جملة تكررت على لسان من سبقه من الحكام العسكريين، فقد كررها مبارك ومن قبله السادات الذي كان يصف معارضيه اليساريين والناصريين (كانوا يهاجمونه من إذاعاتهم خارج مصر) بأنهم يسبّون مصر، بينما كانت الحقيقة أنهم ينتقدون السادات شخصيا وليس مصر، واليوم يكرر السيسي الأسطوانة ذاتها، مختزلا مصر في شخصه، ومن يهجوه فهو يهجو مصر.

سواء كان الداعي للمظاهرات الفنان والمقاول محمد علي أو غيره، فإن حالة الاحتقان في مصر في أشدها، والبلاد حبلى بثورة أو انتفاضة أو انفجار، لكن موعده لا يعلمه إلا الله، وقد يحدث في أي لحظة نتيجة أي موقف غير متوقع أو غير محسوب، لكن المشكلة أنه سيكون انفجارا عفويا وفوضويا، غير منظم، وقد ينتهي إلى لا شيء، وهنا يقع العبء على القوى السياسية المنظمة والنشطاء الواعين في تنظيم أي حراك حتى يحقق النتيجة المرجوة.

النظام بسياساته القمعية، وإغلاقه للمجال السياسي، والإعلامي، وبقراراته الاقتصادية المتتالية ضد غالبية الشعب المصري من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وبقروضه المليارية التي تجاوزت حدود الاقتراض الآمن، وأصبحت عبئا في رقبة الجيل الحالي والأجيال المقبلة، وبصفقاته الدولية المستنزفة لمصر، وتفريطه في السيادة وثروات مصر وجزرها ومائها، هو الذي يصنع وينمي بيئة الغضب، ويدفعها للانفجار.

في المقابل، تبدو المعارضة المصرية مشتتة، وقد حرص الكثير من نشطائها على إعلان تبرؤهم من مظاهرات 20 سبتمبر، ودعوا الشعب لعدم التجاوب معها بحجة أن صاحب الدعوة هو الفنان محمد علي، وهو شخصية ليس لها باع في العمل الثوري أو السياسي، ويتوهمون بذلك أنهم يحسنون صنعا، أو انهم يتجنبون أذى النظام لهم إن كانوا داخل مصر، أو أذى أهلهم إن كانوا خارج مصر، ولا يقدمون بديلا مقبولا لمواجهة النظام. وكان يسعهم الصمت على هذه الدعوات، فهي إن نجحت ستكون ثمارها للجميع، وإن فشلت فلن يحاسبهم أحد على الفشل.

أما المعارضة المنظمة في كيانات فقد أمضت السنوات السبع الماضية في شقاق، وتلاسن أحيانا استنزف الكثير من طاقاتها، ولا تزال بعض القوى والرموز الليبرالية رافضة للتعاون مع نظيرتها الإسلامية، وتفضل التحرك المنفصل. ولكن بدت في الأفق مؤخرا دعوة لجمع الكيانات المختلفة تحت مظلة تنسيقية واحدة، ولا تزال الحوارات مع هذه الكيانات جارية للوصول إلى الشكل الأنسب، وبما يضمن النجاح لهذه التنسيقية الجديدة.

وليس مطلوبا من المعارضة في الخارج قيادة الشارع ميدانيا، فذاك ليس بمقدورهم ولا من اختصاصهم، بل هي مهمة ميدانية محلية، أما الدور المنتظر من معارضة الخارج فهو توسيع الضغوط الدولية على النظام، سواء عبر العمل الإعلامي أو الحقوقي أو القانوني أو السياسي، وفضح جرائم النظام بحق مصر والمصريين، وإقناع الحكومات الداعمة له بوقف دعمها الذي يستغله في قتل المصريين، وكذا الوقوف في وجه الصفقات المليارية التي يعقدها النظام طلبا للدعم الدولي، وتستنزف الاقتصاد المصري دونما فائدة تعود على الشعب والوطن.

مع تكرار الدعوات للتظاهر يوم 20 سبتمبر، أصبح هذا اليوم شبحا مرعبا أمام النظام، يتمنى لو استطاع حذفه من أيام العام. وسواء تمكن البعض من النزول فعلا، أم تمكن النظام من وأد المظاهرات في مهدها، فإن ذلك لا يعني تراجع الغضب والاحتقان، بل الصحيح أنه سيزيد منهما.

وكما أن الشعب تجاوز حدود دعوة يوم 20 سبتمبر العام الماضي، والتي اقتصرت على النزول أمام البيوت مع إطلاق الصافرات وطرق الأواني، وذهب المتظاهرون مباشرة إلى ميدان التحرير مرددين هتافات ثورة يناير، فإن الكثيرين أيضا سبقوا دعوات يوم 20 أيلول/ سبتمبر لهذا العام، ونزلوا إلى الشوارع في بعض الأماكن خلال الأيام الماضية، ولن يتوقف هذا النزول بعد يوم 20 أيلول/ سبتمبر، لأن أسباب النزول لا تزال قائمة بل متصاعدة.
-----
نقلاً عن "عربي21"