كل صفيّ من أصفياء الأصفياء هو خليفة الله في الأرض، لا يبرح قلبه وعقله ووجدانه هذا الشرف الكبير "خليفة ربي في أرضه" ويأبى إلا أن يكون لله عبدًا سيدًا للكون، فقد منحه الله "خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا"، "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" كي يتفرغ كل خليفة لله من أصفياء الأصفياء لمهمة واحدة محددة "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ".

فالوظيفة هي خليفة، والمنهج العبادة، والأدوات هي أرض وسماء، "وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" والماء والهواء، والبحار والأنهار والشمس والقمر، والنجوم والأفلاك حتى الطير " مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ".
ولا يزال خليفة الله من أصفياء الأصفياء يتقلب بين أدوات خمس تشغله وفق منهجية "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴿٧﴾"(الشرح)، فإذا فرغت من واجب فانصب لغيره، ومن جانب لآخر، ومن فضائل ونوافل إلى فروض وواجبات، وهذه الأدوار الخمسة هي:

1. العلم بهذا الدين فأول آية اقرأ علمًا منهجيًا لا عشوائيًا، قويًا لا ضعيفًا "خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ" ليصل إلى "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ".
2. العمل بهذا الدين خاصة فيما خالف الهوى الداخلي والعرف الخارجي حتى يصل إلى "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" وحمل "صِبْغَةَ اللَّـهِ".
3. الدعوة إلى هذا الدين ليكون من أهل هذه الآية "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣﴾"(فصلت).
4. الدفاع عن هذا الدين بكل ما يملك " وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿١٥﴾"(الحجرات).
5. توريث هذا الدين لنوعين: أولاده من صلبه نسبًا ورحمًا وعصبة، وأولاده من قلبه من شباب الأمة وفتياتها ليصل إلى "مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي" "وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".

فإذا قام كل صفي للرحمن وصفية للرحمن بواجبات الخلافة لقذف الله بهم على الباطل فيدمغه "فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ"، ويهتفون "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿٨١﴾"(الإسراء) ولصار الدين ظاهرًا، والقرآن مهيمنًا، والأمة شاهدة.