زرْع الأباء القرآن في نفوس أبنائهم من الصغر لهو نورٌ في الأرض، ورفعه للولد والد، فما أوتي امرؤ من الخير والكرم أفضل من القرآن، لأن الله رفع به أقواما وخفض آخرين  كما قال  عمر رضي الله عنه. وإن الكرامة لتزداد بفضل القرآن بحفظه في الصدور، وإن أثره ليمتد من الحافظ إلى أهله وذويه إلى والديه وأقاربه، لأنه الله منحه فضيلة الشفاعة لهؤلاء. لذلك كان حرص الآباء العقلاء شديدا على تحفيظ أبنائهم القرآن وإقرائهم له في الصغر وتمكينهم منه في الصبا، لقوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟".

فمع بداية الدراسة وانتهاء الإجازة الطويلة لا بد أن يعلم الآباء أبناءهم بأن القرآن وظيفة العمر، وأنه مقدم على الدراسة، وأنه ليس للصيف فقط، وأن الوقت الذي نخصصه للقرآن لا يؤثر على وقت المذاكرة بل هو يزيد كل شيء بركة، وكذلك أخذه بركة، وتركه حسرة. وأن القلب الذي لا يعمره القرآن يتربع فيه الشيطان ويرتع.

متى يبدأ الطفل حفظ القرآن
تبدأ تنشئة الطفل على حب القرآن وهو جنين في بطن أمه، وقد أثبت العلماء أن الجنين يتأثر بكل الحالات التي تمر بها الأم من حزن وفرح وسعادة وقلق، وتأتي فترة الرضاعة وهي فترة لا يخفى على أحد أهميتها في تكوين شخصية الطفل، حيث تبدأ حاسة السمع عند الرضيع باستقبال كل ما يصدر في محيطه ويتفاعل ويخزن كل ما يسمعه. وقد جاء التوجيه الإلهي العظيم في سورة البقرة "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين". تأكيدا من الله تعالى على ضرورة إرضاع الطفل، إذ الرضاعة من أكثر الوسائل التي تساعد الأم على توجيه طفلها توجيها قرآنيا.

ثم تبدأ المرحلة المهمة والأساسية من مراحل التلقي عند الطفل، وهي مرحلة بداية التعلم في سن الثالثة، لأن ذاكرة الطفل عندها تكون صفحة بيضاء وفطرته صافية لا تشوبها شائبة ولا يكدر صفوها شاغل من مشاغل الدنيا.

أهمية تحفيظ القرآن في الصغر
روى البخاري في تاريخه الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلم القرآن وهو فتي السن خلطه الله بلحمه ودمه". وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا". وهذا إشارة إلى ما أعطاه الله لنبيه يحيى عليه السلام الذي آتاه الحكم أي الحكمة وهو صغير.
فتعلُّم القرآن في هذه المرحلة العمرية أدعى إلى ثبوته في القلوب والأذهان ورسوخه. إضافة إلى ما له من أثر عظيم ونور عميم يغشى الطفل. وهو خير معين وموجه ومرب للطفل في كل مناحي حياته.

تأثير القرآن على شخصية الطفل
جاء التوجيه النبوي الشريف للآباء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه". يقول الشيخ يس عبد السلام: ثم يكون القرآن محور العملية التربوية ومورد العلم وجامع العلوم لا سيما في السنوات التسع الأولى حيث يتكون النسيج الاساسي للشخصية.

تأثير القرآن على لغة الطفل
وفقا للدراسات العلمية الحديثة على أن تعليم القرآن للأطفال في الصغر يقوي الذاكرة ويضمن لهم النجاح والتفوق في مسارهم الدراسي حتى يكبرون، أضف إلى ذلك أنه يقوي لغتهم ويزيد من فصاحتهم ويصون لسانهم من كل لحن ويصحح مخارج الحروف التي هي الأساس في بناء لغة عربية سليمة، وقد أوردت كتب الأدب أن الشاعر الفرزدق لما تنبه إلى ضعف عربيته ربط نفسه إلى مكان يحفظ القرآن ليقوي لسانه، وتزداد فصاحته.

كيف نربط الطفل بالقرآن
من المعلوم أن الطفل في مرحلة معينة يصبح أكثر محاكاة وتقليدا لكل ما يرى ويسمع، وأول من يتأثر به الطفل في حياته، هما والداه، فيجب عليهما أن يكونا منارة وقدوة يهتدي الطفل بهما، فقراءة الوالدين للقرآن أمام أنظار الأبناء خير محفز وأصدق مشجع. فمرحلة الطفولة مرحلة مهمة وجب التهيؤ لها والاستعداد واستغلالها أحسن استغلال إذ التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وتتبع ذلك وسائل محفزة عديدة منها:

  • إهداؤه مصحفا خاصا به وهو ما يجعله أكثر ارتباطا بالقرآن وتعلقا به.
  • حثه على حضور مجالس العلم وتحبيبها له فهي لها خصوصياتها ومزاياها التربوية والتعلمية والروحية. وهي أيضا مجال للتنافس بين الأقران على حب الخير وحفظ القرآن.
  • المشاركة في المسابقات القرآنية واستغلال روح التنافس عند الطفل في تعلم القرآن بالمشاركة في المسابقات والمباريات القرآنية وذلك ضمانا للاستمرارية والمواصلة ودفعا للفتور لأنه سيكون له حافزا يحثه على التقدم.
  • مكافأة الطفل بالهدية ما يزيد من تعلقه بالقرآن خصوصا في سنه الصغير، نكافئه حتى يشب على حب القرآن فيكون الحافز بعدئذ ذاتيا منبعه حب القرآن خاصة.