لقد وُصف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بصفات طيبة متعددة في القرآن الكريم كقول الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: من الآية 29).
وقال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)) (الأحزاب).
قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)). (التوبة).
وقال تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) (النجم).

وقد ذكرت كلمة رءوف في القرآن 11 مرة منها:
 1- منفردة (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة: من الآية 207).
 2- مقترنة برحيم (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)) (التوبة).

قال ابن عباس: سمى الله نبينا صلى الله عليه وسلم من أسمائه بــ (رءوف رحيم) وجاء في الكشاف 2/223 من أنفسكم:  من جنسكم، ومن نسبكم العربي القرشي. ثم ذكر ما يتبع المجانسة والمناسبة من النتائج بقوله:
(عزيز عليه ما عنتم):  أي شديد عليه شاق عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب.
(حريص عليكم) : حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباع دين الحق. (بالمؤمنين منكم ومن غيركم) (رءوف رحيم). وقرئ (من أَنْفَسِكُم) بفتح الفاء، أي من أشرفكم وأفضلكم.
 وقيل لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (رءوف رحيم).

وفي القرطبي 1/540.
الرأفة أشد من الرحمة، وإن كان المعنى متقاربًا. وفي تفسير المنار 2/12 يقول الأستاذ الإمام: وعندي أن الرأفة أثر من آثار الرحمة، والرحمة أعم، فإن الرأفة لا تستعمل إلا في حق من وقع في بلاء (وكذا الضعيف كالطفل واليتيم).
والرحمة تشمل دفع الألم والضر وتشمل الإحسان.
فذكر الرحمة هنا فيه معنى التعليل والسببية وهو من قبيل الدليل بعد الدعوى …. وإذا كان أثر الرأفة دفع البلاء، فيجوز أن يكون ذكر الرحمة بعدها.

ومن تفسير المنار ج 11.
عزيز عليه ما عنتم: العنت: المشقة ولقاء المكروه الشديد. وقيَّدَهُ الراغب بما يخاف منه الهلاك. وعَدَّ على فلان الأمر – ثقل واشتد عليه. 11/ 88.
وقد روى مسلم والترمزي من حديث وائلة مرفوعًا: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).

وفي نهاية مقالنا هذا نحب ان نشير إلى أن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت من الناحية الواقعية جامعة شاملة:
فكان رحيمًا بالأطفال: فقد جاء في الأثر أن الأقرع بن حابس استدعاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليوليه مال تميم، (وهو منصب يشبه وزير المالية في عصرنا). فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل حفيده الحسن – أو الحسين –، فأخذه العجب وقال – في صورة استهجان – ما هذا يا رسول الله، ما هذا يا رسول الله !!!!، والله إن لي من الأبناء عشرة إذا رأوني تركوا المنزل وفروا هاربين من هيبتي. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يا أقرع لا تلي لنا أمرًا. من لا يرحم لا يرحم.

وكان رحيمًا بالحيوان الأعجم، وهو القائل: ” عذبت امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”.
ويروى أنه وهو يزحف بجيشه الكبير لفتح مكة اعترض طريق الجيش كلبة ترضع أجراءها، فقال لا تفزعوها، واتركوها كما هي، وأمر بعض الصحابة أن يحلقوا عليها حتى لا يدوسها الجيش الكبير.
ومع أن الله سبحانه وتعالى قد وصفه بصفتين من صفاته، ولم يصف بهما أحدًا من البشر أو الأنبياء غيره، كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – متواضعًا أشد التواضع، وقد جاء في الأثر أن رجلاً ارتعش في حضرته، فقال له ”هوّن عليك فلست بجبار ولا ملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في أرجاء مكة”.

حقًا إن محمدًا – صلى الله عليه وسلم – هو الإنسان الكامل، ومن حقه علينا: أن نحبه ونعتز به ونتبع سنته، فهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.