تحت عنوان "هزيمة في الصحراء.. كيف فقدت إسبرطة الصغيرة قوتها"، ناقش مراسل صحيفة "التايمز" في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، تراجع قوة الإمارات بعد سلسلة من الهزائم في الشرق الأوسط.

وقال سبنسر إن الإماراتيين اعتقدوا أنهم القوة الجديدة في المنطقة أو "إسبرطة الجديدة" كما لقّب قائد القيادة المركزية ووزير الدفاع السابق الجنرال جيمس ماتيس، القوات الإماراتية ذات الخبرة القتالية التي تمتد من ليبيا إلى أفغانستان.

ولكن تلك القوات واجهت قائداً عسكرياً برجْل واحدة وسبعة أصابع، ويعد أصغر عميد في الجيش اليمني برجاله الـ300 وعدد من "الفنيين" والشاحنات الصغيرة التي أصبحت علامة على الحرب الأهلية في اليمن، كما حكى القصة بنفسه.

ودرب الإماراتيون آلافا من اليمنيين في مجموعة عُرفت باسم قوات النخبة الشبوانية، والتي اعتبرت مثل الحرس الجمهوري للجيش الإماراتي واستراتيجية أبو ظبي السياسية في جنوب اليمن.

وقال عبد ربه لعكب (32 عاما) إنهم جاءوا من كل مكان إلى مدينة عتق عاصمة شبوة، و"كانوا يحاولون السيطرة عليها، وكانوا مجهزين ومستعدين للقتال"، لكن شيئا غير عادي حدث، ففي ليلة من شهر أغسطس استطاعت مجموعة من رجاله الوصول إلى خطوط العدو الذي كان يحاصر قصر الحاكم، ومع انبلاج الفجر قام واحد من رجاله أو "فني" كما يدعونهم بعملية شبه انتحارية وسيطر على نقطة تفتيش تقع على مفترق طرق رئيسي، وتحولت قوات النخبة فجأة إلى حالة الدفاع، وبنهاية اليوم استطاع العميد وجنوده إخراج الإماراتيين والقوات التابعة لهم من المدينة.

وبتعزيزات من الشمال طردوهم حتى الساحل الجنوبي.

وقال العميد لعكب: "كان رجالهم يتصلون بي ويقولون أين كنتم، حتى يهربوا قبل وصولنا". ويرى الكاتب أن هزيمة الإماراتيين على يد جنود العميد لعكب والذي كان حليفا في الحرب ضد الحوثيين في الشمال، علامة على الحظوظ المتراجعة للدولة الخليجية ومغامراتها الخارجية، وكيف انقلبت من الخطط الكبرى والتأثير، إلى الإهانة والهزيمة في الصحراء.

وبلدة عتق غير المنظمة تعيش في مكان مختلف عن دبي وأبو ظبي المليئة بالفنادق ومراكز التسوق الحافلة بتصاميم جوتشي، ولكن العميد مختلف أيضا عن الإماراتيين الذي ينتقلون بين قصورهم في أثوابهم البيضاء وكانوا حلفاء في الحرب ضد الحوثيين؛ فقد انضم الإماراتيون إلى السعودية عام 2015 في حربها ضد الجماعة التي تدعمها إيران وسيطرت على نصف البلاد تقريبا.

وفي هذه الحرب حاز لعكب على رتبته العسكرية، وعُرف بشجاعته في القتال ضد الحوثيين؛ حيث خسر رجله وثلاثة من أصابعه، وهو يقود الآن قوات شبوة المؤيدة للحكومة؛ لكن كيف انتهى به الأمر في الصف المضاد لأصدقائه السابقين، وهو درس في سوء حسابات الإماراتيين عند تدخلهم في اليمن؟

ويقول كاتب "التايمز" إن الإماراتيين كانوا في فترة من القوى الصاعدة في الشرق الأوسط، وسفراؤهم على علاقة قريبة مع المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وأصبح سفيرهم في واشنطن يوسف العتيبة لاعبا في الدائرة المحيطة بجاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، واليوم فقدوا المبادرة، وخسروا حروبا بدا أنهم كانوا على حافَة ربحها في اليمن وليبيا، وفي وقت تم دفع حليفهم في البيت الأبيض إلى الخروج منه.

ويرى الكاتب أن المغامرات العسكرية الإماراتية كانت تحولا واضحا عن النموذج النفطي والسياحي والتجاري الذي تبنته بعد خروج بريطانيا عام 1971 وكان الغرض منها الحصول على تأثير في منطقة بدأت الولايات المتحدة تتراجع منها. وكانت تريد التأكد من عدم استغلال إيران والإخوان المسلمين والجهاديين للفراغ الذي تتركه أمريكا وراءها.

وبدأت المحاولة متواضعة مع مَهَمّة الناتو في أفغانستان. وكانت محاولة لاختبار مواطني الدولة الذي ألفوا الثروة، ولكن بدون أن يكون لهم أي رأي في حكم البلاد، والقبول بالمخاطرة والمشاركة في الحروب.

وفي 2011 انضم الإماراتيون إلى حلفائهم الغربيين في قصف ليبيا والإطاحة بالرئيس معمر القذافي. وبحلول 2019 توسعت المهمة العسكرية المرتبطة بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في معظم منطقة الشرق الأوسط، وساهمت طائراته بقصف مواقع تنظيم "الدولة" في العراق وسوريا. وفي ليبيا ساهمت الإمارات بعمليات جوية وتسليح الجنرال المتمرد خليفة حفتر، الذي عمل سابقا مع القذافي وقدم نفسه بصورة المحارب ضد الإسلاميين وسيطر على أجزاء من البلد.

 

وكما فعلت في اليمن، أنشأت الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا على الطرف الآخر من البحر الأحمر، وأخرى من دولة أرض الصومال المنفصلة، وبدأت شركة موانئ دبي العالمية بإدارة أهم ميناء صومالي، في الوقت الذي بدأت فيه القوات الإماراتية بتدريب قوات الأمن والجيش الصومالي.

ويرى سبنسر أن الهزيمة في عتق هي واحدة من سلسلة نكسات تعرض لها الإماراتيون وغيّرت كل الحسابات خلال الـ18 شهرا السابقة، وحدث هذا بعدما قامت الإمارات وبدون قصد بتقسيم قوات الحكومة إلى قسمين، مما فتح الباب أمام حرب أهلية.

ولم يثق الإماراتيون بالجيش التابع للحكومة الذي احتوى على عناصر من الإسلاميين، وفضلوا القوات الداعية للانفصال أو ما تعرف بقوات المجلس الانتقالي الجنوبي. وبالمال والتدريب الإماراتي، بدأت هذه الجماعة بالتصرف خارج إطار الحكومة قبل أن تعمل ضدها، مما قاد إلى المواجهة في عتق.

ولا تزال الإمارات وحلفاؤها يسيطرون على الموانئ الرئيسية في الجنوب بما فيها عدن وميناء بلحاف ومنشأة الغاز الطبيعي فيه، ولكن المنشأة التي بنتها شركة توتال الفرنسية بتكلفة 5 مليارات دولار ليست عاملة في الوقت الحالي.

وتقدم قوات العميد في عتق قَسَّمَ التأثير الإماراتي إلى قسمين ضعيفين، وكشف التدخل الإماراتي في اليمن عن نفس المعضلة التي تواجه الدول الغربية عندما تتورط في نزاعات الآخرين.

وقال لعكب متحدثا عن القوات الإماراتية: "كما ترى فهم ليسوا على استعداد لعمل شيء والتضحية بحياتهم".

 

وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط، ارتكب الإماراتيون نفس الأخطاء أو سوء التقدير. ودفعوا حليفهم حفتر قريبا من النصر بهجومه العام الماضي على العاصمة طرابلس، مما دفع تركيا للتدخل بشكل أدى لهزيمته وانسحابه.

وحتى في الصومال وجدت الحكومة الصومالية أن الإمارات متعجرفة وطردت مستشاريها، وشهدت المنطقة تعبئة قوى متعددة في اليمن وليبيا والصومال ضد بلد كان ينظر إليه كنموذج عن الازدهار الاقتصادي.

وقال محسن عمير المحضار (46 عاما) أحد شيوخ القبائل الذي كان ابنه واحدا من ستة رجال قتلوا أثناء في حملة دهم ليلية على قرية العائلة قامت بها القوات الإماراتية والمحلية التابعة لها: "كان حدسي منذ البداية أن الإماراتيين لم يأتوا إلى هنا لمساعدتنا"، وزعموا أنهم جاءوا لاعتقال شخص يشتبه بانتمائه لتنظيم القاعدة وتبين غير ذلك "ما فعلوه هو دعم هذه الميليشيا التي لم تكن جزءا من الدولة".

وهو سؤال يطرحه البعض في الإمارات نفسها ولكنه بصوت خافت؛ ففي الفترة الأخيرة قادت أبو ظبي عمليات التطبيع مع "إسرائيل" وبدون تنازلات مما يشير إلى ضعف موقفها، واعترفت بخسارة 100 من جنودها، وسحبت قواتها من اليمن في خروج مهين، في وقت واصل فيه الحوثيون تقدمهم.

والشيء الوحيد الذي حصلت عليه الإمارات هو مقاتلات أف-35 من الولايات المتحدة؛ وذلك لاستخدامها ضد عدوتها إيران، مما يعني العودة للمربع الأول في السياسة الخارجية، في وقت تتزايد فيه الأسئلة حول مغامراتها الخارجية، حسب "القدس العربي".