بقلم: د. رشاد لاشين
احترام الكبير من القيم الإسلامية العظيمة التي يتعبد المسلم بها إلى الله عز وجل، وهي ليست مجرد تقاليد صارمة، أو إجراءات حزم عسكري، بل سلوكيات راقية نؤديها عن طيب خاطر، ورضاء نفس، والتماس أجر، وابتغاء ثواب، وتطبيق هذه القيمة يمنع الفوضى والغوغائية في المجتمع؛ فالقيادة ليست بالغلبة، أو التسلط، أو التكبر على الآخرين، بل بمعايير محترمة يتكافأ الجميع بخصوصها من ناحية الحقوق والواجبات، وكل إنسان قد يكون كبيرًا في مَواطن ومَكبورًا في مواطن أخرى، فتكون هذه القيمة الرائعة مرة حقًّا له ومرة واجبًا عليه؛ لذا يجب أن نعمل على إحياء هذه القيمة التي كادت أن تندثر في مجتمعاتنا، ونبدأ بغرسها في نفوس أبنائنا منذ نعومة أظفارهم، وندربهم عليها بشكل عملي؛ حتى يتعودوا عليها في كل المواقف وفي كل المحافل.
إجلال الكبير من سنن الأنبياء ومن سمات المجتمع المسلم:
انظر موقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع والد سيدنا أبي بكر الصديق عند فتح مكة عندما أسلم، وأراد أن يأتي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليعلن إسلامه، فقال صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر الصديق: "هلّا تركته في بيته ونذهب نحن إليه.." في إشارة إلى احترام الكبير.
وللكبير مكانته المتميزة في المجتمع المسلم الذي يوليه عناية خاصة، ويتعامل معه بكل توقير واحترام، انطلاقًا من تعليمات عديدة لرسولنا الحبيب- صلى الله عليه وسلم- وكلها تحمل معاني معرفة حقوق الكبير والتوقير والإجلال والتشريف، ويقول فيها- صلى الله عليه وسلم-:
1- معرفة حق الكبير: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول- الله صلى الله عليه وسلم-: "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا؛ فليس منا" (حديث صحيح، رواه البخاري في الأدب، وأبو داود).
2- توقير الكبير: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر". (حديث حسن رواه أحمد في مسنده والترمذي).
3- إجلال الكبير: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يُجِل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" (حديث حسن، رواه أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك).
4- معرفة شرف الكبير: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" (حديث صحيح رواه أحمد في مسنده، والترمذي، والحاكم في المستدرك).
احترام الإخوة والأخوات الكبار:
ومن رُقِي منهج الإسلام الرائع أن ينظم العلاقة بين الإخوة؛ فيجعل للأخ الأكبر أو الأخت الكبرى احترامًا ومنزلة وحقًّا كحق الوالد أو الوالدة أو قريبًا منه، ذلك أن الأخ الأكبر له دور في رعاية إخوته الصغار؛ سواء في حياة والده أو بعد مماته، وحتى تنتظم الحياة بلا صراع ولا مشكلات، كان التوجيه النبوي العظيم لتنظيم علاقة الإخوة ببعضهم:
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده"، قال الإمام المناوي في فيض القدير، بشرح الجامع الصغير: "أي في وجوب احترامه، وتعظيمه، وتوقيره، وعدم مخالفة ما يشير به ويرتضيه"، وروى الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان عن كليب الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب".
آداب عامة بحق الكبير:
- أن توقره وتحترمه وتجله وتضعه في مكانة كبيرة تليق به.
- أن تحرص على إكرامه.
- أن تتجنب المزاح غير اللائق معه.
- أن تتجنب كل السلوكيات التي تغضبه.
- الكبير يستشفع بمقامه وبسنه.
استقبال الكبير:
- أن تنهض من مكانك وتقوم لاستقباله عند قدومه.
- أن تستقبله بالفرح والتهليل والترحاب.
- أن تحرص على عدم الدخول قبله.
مجلس الكبير:
- أن تجلسه في أفضل مكان.
- أن تتجنب الجلوس في المكان المعد لتكرمته إلا بإذنه.
- أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية.
- أن تتجنب الجلوس في مكان أعلى منه.
- أن تتجنب الجلوس أثناء وقوفه إلا بموافقته.
- أن تتجنب مد رجليك أمامه، وألا تضع رجلاً على رجل بحضرته.
- أن تتجنب النوم أو الاضطجاع بحضرته إلا بإذنه.
- ألا تشير عنده بيدك، وألا تغمز بعينك في حضرته.
- أن تحرص على عدم الخروج من مجلسه إلا بإذنه.
- ألا تفشي له سرًّا.
الكبير في مجلس العلم:
- أن تحسن الاستماع، وأن تحرص على حضور الذهن والقلب أثناء الشرح، وأن تصغي له بكل جوارحك.
- أن تقدِّم له التوقير والاحترام والإجلال.
- ألا تبتدئ بالكلام عنده إلا بإذنه، وألا تكثر عليه في السؤال.
- ألا تلحَّ عليه إذا كسل، وألا تراجعه إذا امتنع، وألا تأخذ بثوبه إذا نهض.
- أن تقبِّل يد العلماء الصالحين العاملين بعلمهم.
- أن تدع رأيك لرأي معلمك؛ فإن خطأ المعلم أنفع من صواب المتعلم.
- أن تستأذن قبل الحديث، وألا تقاطع زميلك، وألا تحدث من بجوارك أثناء الشرح، وألا تسأل عما تعرف.
- عدم إحداث شغب أو ضجيج في مجلسه، يقول الإمام الشافعي: "كنت أصفح الورقة بين يدي الإمام مالك صفحًا رفيقًا له؛ لئلا يسمع وقعها)، وقال الربيع تلميذ الشافعي: "واللّه ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر"، وكان هذا احترامًا وتوقيرًا وتبجيلاً للأستاذ المعلم.
مخاطبة الكبير أثناء الحديث والحوار:
- أن تخاطبه بلطف وأدب.
- ألا تخاطبه باسمه المجرد، بل بلقب من ألقابه: (الأستاذ- الدكتور- المهندس- أستاذنا الفاضل- معلمنا الجليل- شيخنا المحترم- عمي العزيز- حضرتك- فضيلتك...).
- أن تخفض صوتك عند التحدث بحضرته.
- ألا تضع يدك في جيبك أثناء التحدث معه.
- أن تحرص على عدم مقاطعته أثناء كلامه، وألا تدر له ظهرك.
- ألا تطلب منه بطريقة الأمر، بل تستأذن منه ما تريده بأسلوب مهذب.
الكبير في المواصلات:
- أن تحرص على المسارعة بفتح باب السيارة له عند الركوب، وكذلك عند النزول: (دخل زيد بن ثابت على جنازة، فقربوا إليه دابة ليركبها، فجاء عبد الله بن عباس فأخذ بزمام الدابة، فقال زيد بن ثابت له: خل عن الدابة يا ابن عم رسول الله، فقال عبد الله بن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل مع العلماء، فقبل زيد يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل مع آل بيت نبينا- صلى الله عليه وسلم).
- أن تجلسه في أفضل مكان.
- أن تساعده في حمل أمتعته.
- أن تقوم له وتجلسه.
الأكل مع الكبير:
- أن تحرص على أن يبدأ الطعام أولاً.
- أن تتجنب تناول الطعام مما يليه.
- أن تقوم على خدمته.
أثناء المسير: حقوق الكبير في الطريق:
- أن تحرص على عدم المشي أمامه إلا أن تسترشد له الطريق.
- أن تساعده في حمل أمتعته.
- أن تأخذ بيد الشيخ الكبير، وترشده عند عبور الطريق.
الكبير والزيارة:
- حُسن تحري وقت الزيارة، وألا تتصل عليه في أوقات راحته إلا لضرورة.
- ألا تطيل عليه في الحديث.
- أن تتجنب استخدام الهاتف في حضرته إلا بإذنه.
الكبير وشئون حياتك:
- أن تعمل بتوجيهات الكبير في كل أمر إلا في المعصية.
- أن تحرص على مشاورته في كل الأعمال والأمور.
- أن تقبل نصيحته بنفس راضية من غير تضجر ولا تبرم ولا ملل.
أثناء النوم والراحة:
- أن تحافظ على الهدوء في أوقات راحته.
الكبير والسلبيات:
- أن تتجنب لومه أو النظر إليه بغضب إذا عمل عملاً لا يعجبك.
- ألا تلحَّ عليه إذا كسل، وألا تراجعه إذا امتنع.
- ألا تبحث عن أخطائه.
- أن تقبل معذرته إن أخطأ، أو زلَّ.
- ألا تعرض عنه أو تظهر الملل من طول صحبته.
(الاحترام) قيمة رائعة تجعل للحياة روحًا وقيمةً ونظامًا راقيًا، وهذه القيمة كطبيعة كل القيم جب أن تكون ثابتةً ومستقرةً ودائمةً، ولا تتغير بتغير الزمن أو الظروف والأحوال، بل يجب أن يكون الالتزام بها سلوكًا طبيعيًّا، يحرص الجميع عليه برضاء نفس وطيب خاطر وبنية التعبد لله تعالى؛ فتكون النتيجة رقي السلوك وعظم الأجر.