كشف فلسطيني مقيم في النمسا منذ 14 عاماً عن تفاصيل مروعة لـ18 ساعة من اقتحام الشرطة النمساوية لمنزله، والتحقيق معه بذريعة تنفيذ عملية لمكافحة الإرهاب، وما تسبب به هذا الاقتحام لاحقاً من فقدان عمله، وفقدان علاقته واحترامه بين جيرانه، وما تعرضت له طفلته الصغيرة أيضاً من صدمة. 

في حديث لوكالة الأناضول، شارك الفلسطيني (ك. أ.)  وزوجته تفاصيل ما عايشاه خلال اقتحام ما يقرب من 20 عنصرا شرطيا لمنزلهم، في التاسع من نوفمبر 2020، وما مرا به من معاناة بعد ذلك.

أوضح الفلسطيني أنه يعيش حياةً طبيعيةً في النمسا منذ  14 عاماً، ولم تكن لديه أي مشاكل، سواء مع جهاز الشرطة أو أي مؤسسة أخرى حتى ذلك اليوم، مشيراً إلى أنه يقوم بمهامه كفرد مسئول دون تلقي أي مساعدات مالية من الدولة، ومعرباً عن صدمته تجاه ما قامت به الشرطة من مداهمة لمنزلهم.

وقال: "استيقظنا في الصباح الباكر على وقع جلبة كبيرة، وخلال ثوانٍ فوجئنا بعشرات البنادق موجهة نحونا. كانت هناك وحدة من الشرطة الخاصة مكونة من 15 إلى 20 فرداً".

أضاف: "للوهلة الأولى ظننا أن جماعة إرهابية دهمت المنزل، كان أمراً مخيفاً للغاية، وكانوا يصرخون فينا بصوت عالٍ "ارفعوا أيديكم، افعلوا كذا"، تجمدت زوجتي من صدمتها، ولم تستطع حتى أن تجيب عمّا طُرح عليها من أسئلة. وكانت طفلتي البالغة ثمانية أشهر فقط تبكي طوال الوقت"، بعد أن اقتحمت الشرطة غرفة نومها واقتادوها إلى غرفة أخرى.

وواصل إن "الشرطة استخدمت الكلاب في تفتيش جميع أنحاء المنزل، وأخذت من المنزل أجهزة إلكترونية كالهواتف المحمولة والحاسوب، وتركوا باب المنزل الخارجي مفتوحاً، بعدما قالوا إنهم سيصطحبونني للتحقيق".

وأكد  أن الشرطة كذبت عليه أثناء احتجازه، وأخبرته أنه قدم بصفته شاهداً وليس متهماً، إلا أن الأوراق التي أُعطيت له بعد ذلك تذكر بوضوح أنه متهم.

الزوجة والطفلة تعرضتا لمضايقات 

أما زوجته فقالت إن بعض عناصر الشرطة ظلوا في المنزل بعد أن اقتادوا زوجها لمقر مديرية الأمن، وإنهم أجبروها على المكوث في مكانها لمدة طويلة دون أي حركة، لدرجة أنها كانت تذهب إلى الحمام والسلاح موجه نحوها. 

وأضافت أنها لم تكن تتوقع أن تعيش موقفاً كهذا في النمسا، وأنها أصبحت تتذكر كل ما مرت به كلما رأت أفراد الشرطة في الشارع، وتفزع عند سماع أي صوت منذ ذلك اليوم. 

كما أوضحت أنهم يعانون من مشاكل نفسية بسبب الصدمة التي عاشوها، وأن طفلتها ذات الثمانية أشهر توقفت عن الرضاعة منذ ذلك اليوم. 

وأضافت أنها لم تتمكن من التواصل مع عائلتها في فلسطين لمدة خمسة أيام، بسبب قيام الشرطة بمصادرة هواتفهم وحاسبهم الآلي ونقودهم.

أسئلة التحقيق

وعن تفاصيل التحقيق قال الشاب الفلسطيني: "كانت أسئلتهم كالتالي: هل تصلي؟ هل ترتدي زوجتك الحجاب؟ أما فيما يخص طفلتي البالغة من العمر ثمانية أشهر فقد كانت أسئلتهم سخيفة، من قبيل هل ستسمح لها بأكل كل أنواع اللحوم في النمسا عندما تكبر؟ هل ستختار لها زوجها عندما تكبر أم ستتركها تختار بنفسها؟".

وأوضح كذلك أنه رغم كونه فلسطينياً فإنه سُئل العديد من الأسئلة حول مصر وحكومتها، كما سألوه عن شخصيات مثل الرئيس الفلسطيني الأسبق ياسر عرفات، والدكتور يوسف القرضاوي، وعرضوا عليه عناوين كتب مختلفة، وسألوه إن كان قرأها أم لا، إضافة إلى توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بالفقه والسيرة، قال إنه لم يستطع الإجابة عنها.

وأكد أن الشرطة طرحت عليه الكثير من الأسئلة أثناء الاستجواب، وأنه رغم طلبه عدة مرات الدخول مع محاميه فإنهم تجاهلوا طلبه طيلة 18 ساعة من التحقيق دون انقطاع.

كما أردف: "ضغطوا عليّ لأقول إن بعض الأشخاص ينتمون إلى حزب أو جماعة معينة، أو على ارتباط بمؤسسات ما".

قال الشاب الفلسطيني: "لم يكن لديّ علم بما يسألون عنه، ولكنهم كانوا يصرون على استخراج إجابات ما مني، كما أنهم استخدموا طفلتي ذات الثمانية أشهر وزوجتي لممارسة الضغط عليّ، فكانوا يقولون إذا أردت العودة إليهما عليك أن تخبرنا، وإن لم تخبرنا الحقيقة فلن نسمح لك بالذهاب إلى عائلتك".

تأثير كبير في الحياة 

أوضح الشاب الفلسطيني أنه يعمل منذ سنوات في شركة معروفة جيداً في النمسا، ويكسب رزقه بنفسه، ولم يحصل على أي دعم مادي من الدولة، إلا أن الشرطة أرسلت رسالة إلى محل عمله تقول "لا يمكن لهذا الشخص أن يعمل هنا"، وبناء عليه تم فصله من العمل، حسب قوله. 

أشار كذلك إلى أن الشرطة أخبرته أنه يمكن أن يسحب من أرصدته التي تم تجميدها ما يكفي لسد احتياجاته الأساسية ودفع إيجار المنزل والفواتير المستحقة عليه، إلا أنه فوجئ عند ذهابه للبنك بأنه غير مسموح له بسحب أي مبالغ، مؤكداً أنه أصبح غير قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية لطفلته، ولا متطلباته الإنسانية. 

كما أضاف أن علاقته بجيرانه كانت جيدة للغاية، إلا أن نظرتهم له تغيرت بعد مداهمة الشرطة منزله، وأن زوجته أصبحت تشعر عند خروجها من المنزل أنها غير آمنة ومنبوذة. 

وفي 9 نوفمبرالماضي، نفّذت الشرطة النمساوية حملات دهم على 60 منزلاً، بتهم تشكيل كيان إرهابي وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال.

وتم توقيف 30 ناشطاً وأكاديمياً مسلماً، ثم تم إطلاق سراحهم بعد ذلك عقب انتهاء التحقيقات.