يا شباب الإسلام.. يا شهيدات الإسلام في بيت حانون المسلمة..
إن لله حكمةً وراء كل وضع ووراء كل حال، ومدبرُ هذا الكون كله، المُطلع على أوله وآخره، المنسق لأحواله وروابطه، هو الذي يعرف الحكمة المكنونة في غيبه المستور، الحكمة التي تتفق مع مشيئته في خط السير الطويل.
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه صحابته رضوان الله عليهم، لم ينتصروا بكثرةِ العددِ، ولا بوفرةِ العدة، ولكنهم انتصروا بقوة الإيمان، ورسوخ العقيدة، والتضحية بالدنيا، وكانوا يتصايَحون في ميدان الجهاد: هبِّي ريحَ الجنة هبِّي، والله إنا لنجد ريحَ الجنة من وراء هذا الجبل، ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: الآية 84)، لو نعلم وراء هذا المحيط أرضًا لخضناه إليها، نبلِّغ دعوة ربنا.
فلا تظنوا في أنفسكم الضعفَ، ولا يهولنكم ما وصل إليه أعداؤكم يهود من قوة مادية، ولا تدَعوا قوة عدوكم وضعف شأنكم مدخلاً للشيطان، يركب منكم مركب الخور والتخاذل.
لقد كان- صلى الله عليه وسلم- يؤدب رجاله بآداب الشجاعة في الجهاد، والثبات في مواطن اليأس، فهو الأليق بمن يحمل الرسالة ودخل في ظل ولاية الله ورسوله، ويحذرهم غضب الله الذي يلحقهم إذا ولَّوا الأدبار.
قال عبد الله بن عمر: "كنت في سرية من سرايا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحاص الناس حيصةً، وكنت فيمن حاص، فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبُؤنا بالغضب؟! فقلنا ندخل المدينة، ونبيت فيها ونذهب فلا يرانا أحد، فدخلنا، فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإن كانت لنا توبةٌ أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا، فجلسنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل صلاة الفجر، فلما خرج قُمنا إليه فقلنا نحن الفارُّون!! أقبل إلينا، فقال: "لا.. أنتم العاكرون" (أي الكارُّون الذين يقبلون على الحروب، فدنونا وقبَّلنا يدَه، فقال: "أنا فئتك وفئة المسلمين".
ولا يجوز للمسلم أن يفرَّ من عشرةٍ، فإذا رضي لنفسه بالدُّون من ذلك فإن الإسلام لا يرضَى له أن يكون كفؤًا لأقل من اثنين، ولا يحلُّ له أن يفرَّ منهما.
وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- لما نزلت ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ (الأنفال: من الآية 65)، فكتب عليهم أن لا يفرَّ عشرون من مائتين، ثم نزلت ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: من الآية 66)، فكتب ألا تفرَّ مائةٌ من مائتين.
وتذكروا.. يا من كتَبتم بدماءِ شهدائكم وجرحاكم تاريخَ أمتكم في سجلِّ الخلود، اسمعوا.. اسمعوا..
عندما ألَّب اليهود كافة عرب الجزيرة على المسلمين، فهاجموهم في المدينة واضطُّرَّ المسلمون أن يحفروا الخندقَ حولَها وحاصروهم فيها وشدَّدوا عليهم الخناق، حتى ضاقت عليهم أنفسهم، وبلغت قلوبهم الحناجر، وزُلزلوا زلزالاً شديدًا.. هنالك أرادت غطفان أن تساوِمَ المسلمين بعد ما رأت ما هم فيه من شدةٍ وضيقٍ لعلها تنال منهم بعض متاع الدنيا.
فأرسلت وفدًا على رأسه عيينة بن حصن القزازي والحارث بن عوف المري ليفاوض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له: إن اليهود وعدونا بتمرِ خيبر جميعه هذا العام لنحاربكم، فإذا أعطيتمونا أنتم ثلث تمر المدينة فسننصرف عنكم بما معنا من بني غطفان، ونخذل اليهود وباقي العرب، فاستمهلهما النبي- صلى الله عليه وسلم- لحظةً للتشاور.
واجتمع بسعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وعرض عليهما الأمر، فقالا له: يا رسول الله، أهذا أمرٌ تحبه فنصنعه لك، أو هو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع، أو هو أمر تريد أن تصنعه لنا؟! فقال: "هو أمرٌ أريد أن أصنعه لكم فإن الع