أحيا قرار المحكمة الجنائية الدولية الجمعة القاضي بأن اختصاصها القضائي يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، آمالا لدى عائلات فلسطينية بفتح تحقيق بشأن العدوان عليهم.

وفقدت نيفين بركات زوجها وأصيبت بجروح مع ثلاثة من أطفالها الخمسة بشظايا قذائف الصهاينة التي استهدفت مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) كانت تؤوي عشرات العائلات النازحة خلال حرب الصهاينة على قطاع غزة العام 2014.

ولا يزال دوي سقوط القذائف والانفجارات التي هزت المدرسة في شمال قطاع غزة ليل الثلاثين من شهر يوليو يتردّد في ذاكرة نيفين (34عاما) التي تروي “عددت سبع قذائف قبل أن أفقد الوعي”.

وتشرح كيف استفاقت على صراخ ابنها الأكبر ليبلغها باستشهاد والده بشظايا قذيفة أخرى سقطت في فناء المدرسة التي كانت لجأت إليها عشرات العائلات للاحتماء براية الأمم المتحدة بعدما دمّر القصف الاحتلال منازلها أو اضطرها لمغادرتها.

وأصيبت نيفين بكسر بالظهر وشلل في الأطراف السفلية، بينما أصيب ثلاثة من أطفالها الذين تبلغ أعمارهم 5 و10 و11 عاما، بجروح متفاوتة.

ولا تنجح نيفين في حبس دموعها وهي تقول “شعرت بالسعادة والأمل بقرار الجنائية الدولية وبأن العالم بدأ يشعر بنا وبضرورة وقف الظلم الصهيوني”.

واستمرت حرب غزة الأخيرة التي هدفت، وفق الاحتلال إلى وقف إطلاق الصواريخ من غزة في اتجاه الأراضي المحتلة50 يومًا، وتسبّبت بدمار ضخم في القطاع الفلسطيني المحاصر وخلّفت 2251 شهيدا في الجانب الفلسطيني، معظمهم مدنيون. بينما قتل 74 شخصا في الجانب الصهيوني، معظمهم جنود.

وتقول سمر بركات (18 عاما)، ابنة نيفين التي أصيبت في ذلك اليوم أيضا بشظية في ساقها، "من قَتل يجب أن يتلقى جزاءه ويجب أن تتم محاسبة الاحتلال على جرائمه". وتضيف: "كنت أحاول الهرب مع إخوتي لكن القذائف كانت تسقط أمامنا وخلفنا".

ثم تتابع بينما الدموع تنهمر على وجنيتها "طلبت من الطبيب أن يسمح لي بوداع والدي بينما كنت أرى المسعفين يحملونه، لكنه رفض السماح لي بذلك، لأن جسده كان مجرد أشلاء".

“لا شيء يعيد خسارتنا”

وفي وثيقة نُشرت في 27 أبريل 2015، ألقى مجلس الأمن الدولي باللوم على الجيش الصهيوني في سبع غارات على مدارس تابعة للأمم المتحدة في غزة كانت تستخدم كملاجئ للسكان. وأسفرت هذه الغارات عن استشهاد أربعة وأربعين شخصًا.

وبحسب الوثيقة، قصف الجيش الصهيوني مدرستين تابعتين للأمم المتحدة في شمال غزة في 24 و30 يوليو، ونفذّ ضربة صاروخية استهدفت مدرسة أخرى للأمم المتحدة في مدينة رفح في جنوب القطاع في الثالث من أغسطس.

وجاء في الوثيقة "هذه المباني (…) يفترض أن تكون أمكنة آمنة، لا سيما خلال فترة نزاع مسلح”، معتبرة في الوقت نفسه أنه “من غير المقبول” ان تستخدم مجموعات مسلحة مدارس الأونروا لتخزين السلاح.

على شاطئ بحر غرب مدينة غزة، يروي منتصر بكر (17 عاما) كيفية نجاته من الموت لدى سقوط صواريخ الاحتلال قبل سبع سنوات قربه وأبناء عمومته. ويقول “سأخبرهم في المحكمة الدولية أننا كنا نلعب كرة القدم حين قتل الصهاينة ابن عمي اسماعيل (تسعة أعوام) وهو في طريقه لإحضار الكرة”.

وأصيب منتصر البالغ من العمر آنذاك 11 عاما بجروح، واستشهد شقيقه زكريا (تسعة أعوام) وابن أخيه عاهد (عشرة أعوام)، إضافة الى اثنين من أبناء عمه (10 و11 عاما) في قصف للاحتلال بينما كانوا يلعبون على شاطئ بحر غزة.

وأثار ذلك صدمة لدى الرأي العام داخل غزة وخارجها بعد الصور التي نقلها مراسلو وسائل الإعلام الأجنبية مباشرة من محل إقامتهم في الفنادق التي تطل على الشاطىء.

ويقول سيد بكر (19 عاما)، ابن عمّ منتصر والذي نجا معه من القصف، “لا شيء سيعيد خسارتنا لكن حق من استشهدوا يجب ألا يضيع”.

“أنتظر منذ سبع سنوات”

وتقول والدته سلوى بكر (46 عاما) : "أنتظر هذه اللحظة منذ سبع سنوات، وإمكان محاكمة قادة الاحتلال ضد جرائمهم في حقنا".

وتبكي الأم التي فقدت أحد أبنائها في الحرب وتتابع وهي تغطي وجهها بيديها، "من نجا من الأولاد من القصف يومها لم تعد لديهم رغبة في الحياة ويعانون اضطرابات نفسية".

وبترت ساقا محمد أبو جزر (34 عاما) جراء قصف إسرائيلي على منزله في مدينة رفح في جنوب القطاع خلال حرب 2014. بينما استشهدت زوجته وكانت حينها في الخامسة والعشرين، واثنان من أبنائه (عام ونصف العام، وثلاثة أعوام).

ويقول "كنا نائمين. بدأ القصف عشوائيا على كل الحي حيث دمرت سبعة منازل كليا".

وفي سلسلة من التقارير المنشورة بين نوفمبر 2014 ومايو 2015، قالت منظمة العفو الدولية ومقرها في لندن، إنها وثّقت ثماني ضربات للاحتلال الصهيوني على منازل في غزة “من دون سابق إنذار”، وقتلت ما لا يقل عن 104 مدنيين.

 

ويعرض أبو جزر صورة على هاتفه لطفليه وهما موضوعان في ثلاجة مخصصة لتبريد المثلجات استخدمها المسعفون آنذاك، بعد امتلاء ثلاجات الموتى في المستشفيات. ويقول “أنا محبط، ولست متأكدا إذا كان قرار المحكمة الجنائية الدولية سيؤدي الى أي شيء على أرض الواقع”.