( دعوة للتثبيت والاطمئنان لعباد الله المبتلين في كل مكان، فمن قهر الزمان لنبيه بالإسراء و المعراج هو سبحانه قاهر للطغيان في كل زمان ومكان، في الوقت الذي يريد بعد استنفاذ الوسع البشري كامل، افكانت رحلة الإسراء والمعراج التى نال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من التكريم ما لم ينله نبى مرسل، ولا ملك مقرب، وكأن الله يقول للنبى صلى الله عليه وسلم: إذا كانت ابواب الارض قدم أغلقت، فلم تفتح لك، فإن أبواب السماء مفتوحة لك، وإذا كان أهل الأرض جفوك وعذبوك فإن أهل السماء فى استقبالك، وإن قست الأرض وتجهمت لك فسأرد لك تحية مباركة فى حفاوة السماء لك، وأجعل نظام الكون يتغير لك، .فكانت المنحة بعد المحنة، وهذا ما نثق به پأن الله جاعل لما نحن فيه فرجا قريبا ومخرجا، كما قال النبي صلى الله عليه لسيدنا زيد بن حارثة: {َيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) الإسراء}وكأن القرأن يتنزل من جديد، يقول الحق تبارك وتعالى في هذه الآية الجليلة جدا : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ

1 - وهي عنوان للأمل إذا أحسن العقل المؤمن تلقيها، وهي محدد أمل بموجب السياق الذي وردت فيه، وهو سياق الأنعام،والأنعام حقل تفضّلٍ من الرب على خلقه، وحقل خدمة وتيسير لهم في دروب الحياة.

2 - والقاهر : صفة مشبهة جاءت على وزن اسم الفاعل للدلالة على قهر لا يفارق حقيقة الذات الإلهية، ولا يتصور أن يفارقه سبحانه.

3 - والقاهر مخزن مترع بالدلالات والمعاني :

القاهر هو الذي يعلو، وصفة العلو ثابتة لله تعالى، وهو ما يعني تنزيهه وتجاوزه عن خلقه الذين لم يثبت لهم نوع علو من هذا الجنس.

والقاهر مسيطر، يملك تصاريف الأمور، ويحكم فيها، عن قدرة باذخة وسلطة دائمة محيطة، يردفها ويسقيها معنى القدرة المركوز في هذه الصفة الجليلة.

4 - والقاهر قادر من الجوانب جميعًا : قدرة علم محيط ، وقدرة ملك مستفيض ، وقدرة تملك لا ينقص أبدًا، ولا حدود لتصوره كمّا وكيفَا، وقدرة تدبير وتخطيط ، وقدرة تعبيد وتذليل وتسخير، وهلمّ جرّا.

5 - والقاهر مدبر للأمر، قائم عليه، لا يند عنه ولا ينخرم منه، ولا تأتي عليه عوادي الزمان فتغيره ، ولا تطرأ عليه طوارئ المفاجآت فتفسده.

6 - والقاهر منجز عن حكمة وقدرة وغلبة وتدبير ما يريد .

7 - والقاهر مذلُّ مَنْ - عن جهل وغرور - يتعالى ويتصوّر أنه يمكنه أن يمارس قهرًا، أو إذلالا أو إعناتًا لخلق الله في أرض الله .

8 - وهذا الوجه الأخير بعض بواعث الأمل، تتعلّق به النفوس المؤمنة عندما تمنحها الأقدارُ جاهلا أو مغرورًا، يستبدّ بها ويبطشُ بأبدانها، ويهيّج تراب الخوف من حولها ، فيقرّر الله تعالى بعلوه أنه القاهر المذلّ الغالب فوقهم جميعًا، وإنْ بتجليات مختلفة ؛تتجلّى حفظًا لعباده المؤمنين، وتتجلّى كسرًا وذلا لعبيده الباغين الطاغين المستبدين المغرورين الجاهلين.

9 - وقهر الله تعالى لا حدود لتجلياته في النفس والحياة والوجود والعالم، ذلك أن الله سبحانه يتجلّى كيف يشاء، يتجلّى فيحفظ ما لا سبيل إلى حفظه إلا بقهره، فيحفظ من التقمه الحوتُ وأوغل به في الظلمات، ويتجلّى فيكشف جهالةَ الأرباب الأدعياء، فيقهرهم على التقاط مَنْ على يديه هلكتهم وذهاب ملكهم، ثم يزيد فيُمعن بقهره ليحمله على تنشئته في حجره وصيانته من عوادي الأيام وصروف الغرور والاستبداد، حتى يكون التجلّي الأخير بفقد سلطانه بله حياته، في صورة مذلة باقية على الأيام لمن خلفه ، آية على قهر الله عبيده المغرورين بالإذلال والصغار والعار، ويتجلّى فيقهر النار فلا تحرق، ويتجلّى فيرفع عبدًا تآمر اللئام عليه فلم يمكنهم منه، ويتجلّى فيقهر الزمان لنبيه فيسلّيه بالإسراء و المعراج، ويتجلّى فيقهر الأعضاء من بدن كل مخلوق للنطق بما كان من جناياتها، ساعة تهدّد عن غرورٍ بعضَ تابعيها، وتبطش عن جهلٍ ببعض من حولها .

10 - ولقد حدّثنا التاريخ عن أمثال لهؤلاء بطشوا جبارين، ثم خاروا أمام قهر الله ضعفاء مذلولين، وقد حدّثنا التاريخ عن جبارين توعدوا مخالفيهم بأنهم نار لهم، ثم قهرهم الله فأصابت نارهم أقرب من كانوا معهم؛ فلفحت من أعانوهم وكانوا من جملة وزرائهم، ثم قهرهم الله فاحتوشت نارهم صنفًا آخرين ممن آزورهم وابتهجوا بظاهر علوهم ،ثم تجلى الله فقهر أبدان هؤلاء ممن لفحتهم واحتوشتهم النار فلم تستطعْ أن تحرك ساكنًا عن قهر وذلة، لا عن فرحٍ، أو رضًى، أو بهجة .

11 - والله قاهر عن استعلاء وتمكن : ( فوق)

  وهو القاهر على جميع الخلق عن استيعاب واستقصاء : (عباده) ،وهو القاهر عن حكمة وعلم ، وعن خبرة وسوابق تجربة : (وهو الحكيم الخبير )، وهو القاهر يذل أهل الطغيان والجبابرة، وهو القاهر يملك فيحفظ أهل الإيمان والكرامة : ( ويرسل عليكم حفظة )

12 - الله قاهر فلا ييأسن أحد من علوّ الباطل وانتفاش الطغيان، من درجة الغلاء والتضييق على الناس في الأرزاق، إلى منتهى الطريق، وصولا إلى إزهاق الأرواح،     الله قاهر ؛ فاطمئنوا.