نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، مقالا لأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، محمد البازي، قال فيه إن إدارة جو بايدن أكدت، الجمعة، ما كان يعرفه العالم، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صادق على اغتيال كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في عام 2018.

وأوفى بايدن بوعده أثناء حملته الانتخابية بإصدار تقرير موجز عن النتائج التي توصل إليها مجتمع المخابرات الأمريكي بشأن جريمة القتل، وأنهى بذلك عامين من مماطلة دونالد ترامب.

لكن بايدن فشل في الوفاء بوعد أهم: محاسبة قتلة خاشقجي. وقرر عدم فرض عقوبات على ولي العهد خشية تعطيل العلاقات الأمريكية السعودية.

ومن خلال التسامح مع الأمير، فقد جانب بايدن العدالة الحقيقية للصحفي المقتول والمعارضين الآخرين الذين عانوا على يد الأمير محمد. وفي المقابل، فإن من غير المرجح ثني الأمير المتهور عن المزيد من القمع والجرائم، بحسب الصحيفة.

وبدلا من استهداف الأمير، فقد فرضت إدارة بايدن حظرا على السفر وعقوبات مالية ضد بعض أتباعه الذين شاركوا في اغتيال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر 2018.

وفرضت أمريكا عقوبات على قوة التدخل السريع، وهي وحدة النخبة التي تحمي الأمير محمد وتأخذ الأوامر منه فقط.

وقال تقرير المخابرات الأمريكية الذي صدر يوم الجمعة، إن سبعة من أفراد القوة كانوا ضمن الفريق المؤلف من 15 رجلا الذي قتل خاشقجي.

وألقى التقرير باللوم مباشرة على ولي العهد، مشيرا إلى أنه منذ عام 2017، "كانت لديه سيطرة مطلقة على أجهزة الأمن والاستخبارات في المملكة، ما يجعل من غير المرجح أن يقوم المسؤولون السعوديون بعملية من هذا النوع دون إذن ولي العهد".

على الرغم من هذه الأدلة، فقد قرر بايدن ومساعدوه أن الأمير محمد أكبر من أن يعاقب. وبينما وعد بايدن خلال حملته الرئاسية بتغيير العلاقة الأمريكية السعودية، فقد عاد إلى طبيعته الحذرة. وباسم البراجماتية، لجأ بايدن إلى السياسة الخارجية الأمريكية الطويلة التي تغض الطرف عندما يرتكب حلفاء أمريكا الأوتوقراطيون الفظائع في الداخل والخارج.

 ويثير إحجام بايدن عن محاسبة الأمير محمد على مقتل خاشقجي شكوكا حول ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستفي بتعهداتها بإعادة تشكيل العلاقة الأمريكية السعودية.

وكان بايدن قد قال، خلال مناظرة في الحملة في نوفمبر 2019، إنه سيجعل السعوديين "منبوذين"، مضيفا أن هناك "قيمة انعتاق اجتماعي ضئيلة للحكومة الحالية". ووعد بأن إدارته لن "تبيع المزيد من الأسلحة لهم".

وفي 4 فبراير، في أول خطاب رئيسي له عن السياسة الخارجية رئيسا للولايات المتحدة، تعهد بايدن بإنهاء دعم أمريكا لـ"العمليات الهجومية" في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. وكانت إدارته قد أعلنت قبل ذلك بأيام أنها ستجمد صفقتين جديدتين مع المملكة، بقيمة إجمالية تقارب الـ800 مليون دولار من القنابل الموجهة بدقة وأسلحة أخرى، التي سارع بها ترامب في أسابيعه الأخيرة في منصبه.

وتعهد بايدن بإنهاء التواطؤ الأمريكي في حرب أودت بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وخلقت أكبر أزمة إنسانية في العالم.

 لكن بايدن وعد أيضا بمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها ضد الحوثيين في اليمن، الذين هاجموا الأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات بدون طيار. وهذا يعني أن أمريكا ستستمر في بيع بعض الأسلحة وتقديم المساعدة العسكرية للسعوديين لأغراض دفاعية. وأرسل 41 عضوا تقدميا في الكونغرس في 25 فبراير رسالة إلى بايدن يطلبون من إدارته توضيح كيف يتم التمييز بين مبيعات الأسلحة "الهجومية" و"الدفاعية" وأنواع أخرى من الدعم العسكري للسعوديين.

وكان الأمير محمد مهندس التدخل السعودي في اليمن عام 2015، وتوقع انتصارا سريعا على الحوثيين المتحالفين مع إيران، الخصم الإقليمي للمملكة. لكن الحرب كانت الأولى في سلسلة من السياسات المدمرة التي انتهجها ولي العهد والتي زعزعت استقرار الشرق الأوسط. ولمدة أربع سنوات، منحت إدارة ترامب الأمير ونظامه صكا مفتوحا مقابل استمرار مبيعات الأسلحة واستقرار أسعار النفط.

وكان بايدن أقل خضوعا للأمير محمد من ترامب وصهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، الذي أقام صداقة وثيقة مع الأمير. لكن من خلال رفضه معاقبة الأمير محمد على جريمة قتل خاشقجي، لم يف بايدن بالمحاسبة التي وعد بها.

وهذا سيجعل الأمير أكثر جرأة فقط. فما فعلته إدارة بايدن في الواقع هو أنها قالت للأمير محمد بشكل أساسي إنه أقوى من أن يعاقب، حتى بشكل رمزي، باعتباره الزعيم الفعلي للمملكة الذي من المرجح أن يصعد إلى العرش بعد وفاة والده المريض، الملك سلمان، البالغ من العمر 85 عاما، أو يتنازل عن العرش.

يبدو أن بايدن ومساعديه يعتمدون على التمني، بألّا يحاول الأمير بعد الآن تعقب أو خطف أو قتل المنشقين خارج المملكة، خوفا من أن تؤدي جريمة مستقبلية إلى فرض عقوبات أمريكية أو عقاب آخر.

لكن منذ مقتل خاشقجي، واصل النظام السعودي حملته ضد المعارضين السياسيين في الداخل والخارج. (في الشهر الماضي، اختفى معارض سعودي يعيش في مونتريال بعد زيارته للسفارة السعودية في أوتاوا، وظهر مؤخرا في المملكة). المشكلة في تفكير بايدن هو أن الأمير محمد، مثل غيره من الحكام المستبدين، سيتجرأ على القيام بمخاطر أكبر بدلا من إظهار ضبط النفس. وقد يستنتج الأمير محمد أنه منذ أن أفلت من مقتل خاشقجي، فإنه يمكن أن يكون أكثر قسوة عندما يعتلي العرش.

ويحتج بعض مساعدي بايدن بأن منع الأمير محمد من السفر إلى أمريكا أو استهداف ثروته الشخصية لن يكون له تأثير كبير على الأمير. لكن هذه العقوبات كان من الممكن أن يكون لها تأثير رمزي، خاصة بالنسبة لقائد حريص على صورته في الغرب. فلسنوات، أنفق القادة السعوديون عشرات الملايين من الدولارات على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط ومراكز الفكر والمؤسسات الثقافية التي تساعد في تلميع صورة المملكة في أمريكا وأوروبا.

وفي عام 2017، العام الذي عزز فيه الأمير محمد سلطته، ضاعف السعوديون إنفاقهم ثلاث مرات على جماعات الضغط والمستشارين في واشنطن، إلى أكثر من 27 مليون دولار.

وآتى هذا الاستثمار أكله في أوائل عام 2018، قبل ستة أشهر من اغتيال خاشقجي، عندما قام الأمير محمد بجولة في أمريكا وعومل كنجم موسيقى الروك. وزار وادي السيليكون، وقام بجولة في هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتقى بمدراء تنفيذيين في وول ستريت ونجوم سينما، حتى إنه التقى بأوبرا وينفري.

وتقول إدارة بايدن إن الأمير محمد لن تتم دعوته إلى أمريكا في أي وقت قريب، لكن العقوبات كانت ستحرج الأمير وتفسد صورته كمصلح شاب وقائد قوي. في الواقع، يوضح تقرير المخابرات الأمريكية أن الأمير محمد زعيم خطير في نهاية المطاف، مشيرا إلى أنه "عزز بيئة كان فيها مساعدون يخشون أن يؤدي الفشل في إكمال المهام الموكلة إليهم إلى طردهم أو اعتقالهم".

ومن خلال تعهده بإنهاء الدعم الأمريكي لحرب اليمن، اتخذ بايدن الخطوة الأولى نحو سياسة خارجية أكثر تعاطفا. لكنه فشل في محاسبة الأمير محمد على انتهاكاته وقمعه لحقوق الإنسان. وأضاع بايدن فرصة لاستعادة الثقة في أنه بعد تدليل ترامب للديكتاتوريين، فلن توفر واشنطن غطاء لحلفائها الاستبداديين.