تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا  تعلم نفسñ ما أخفى لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } (السجدة).

الصلاة زاد، ولكنها فى جو الليل وفى جوف الليل يزداد بها القرب، و الزاد و العطاء، يحن العاشقون الى الليل، والمتهجدون أشد حنيناً إليه فالذين آمنوا أشد حباً لله، فى ثنايا الليل قيام، وركوع، وسجود، وذكر، وتسبيح، وقرآن، وتوبة، واستغفار، ومناجاة، ودعاء، وبكاء من خشية الله، وفى كل ذلك زاد :{ ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً } .

- الذين يسلكون طريق الدعوة أحوج ما يكونون إلى قيام الليل؛ لما يعطيه من زاد ، فقد وجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم فى الأيام الأولى للدعوة الى قيام الليل ليعده لتحمل أمانات الدعوة الثقيلة فقال تعالى: { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً  إن ناشئة الليل هى أشد وطئاً وأقوم قيلاً }  .

- فى قيام الليل مجاهدة، وتقوية للإرادة و العزيمة، ومغالبة للشيطان، وترويض للنفس على الخضوع لله، فمن يترك النوم و الراحة و الفراش و الدفء ويقاوم رغبات الجسد ويقوم ويتطهر - وقد يكون الجو بارداً - ويؤثر التعبد لله و التقرب إليه، لاشك فى أن ذلك يكون زاداً وإعداداً له وعوناً على طريق الدعوة .

- القيام بالليل و الناس نيام فيه خلوص وتجرد وإخلاص لله وتخلية للقلب من أى أثر للرياء ... والإخلاص من ألزم الصفات للداعى إلى الله  وبدونه تحبط الأعمال .

- فى كتاب الله آيات كثيرة تحث على قيام الليل، وتبين ما خص به القائمين بالليل من خير؛ فقال :{ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً  و الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } :{ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً  } .

- وللقائمين بالليل أحوال يتقلبون فيها ذكر القرآن بعضها من قيام، وسجود، وذكر وتسبيح، واستغفار، ودعاء ففى قوله تعالى :{ أمَّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه * قل هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } ، يذكر من أرَّقَه تفكيره فى الآخرة وما فيها من حساب وجزاء ونعيم وعذاب فصار يعيش الخوف و الرجاء فى سجوده وقيامه وفى هذا زاد يعينه على العمل والاستعداد لهذا المصير .

- ذكر الله وتسبيحه فى الليل غذاء للأرواح و القلوب يحرص من تذوقه ألا يحرم منه وفى القرآن آيات تحث عليه :{ واذكر ربك بكرة وأصيلاً ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً } :{ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وإدبار السجود } .

- كلنا مذنبون مقصّöرون ، فما أجدرنا أن نطرق باب الله وقت السحر ونسأله المغفرة و الرحمة فهو وقت إجابة وقد أثنى الله على المستغفرين بالأسحار فقال تعالى :{ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها  وأزواج مطهرة ورضوان من الله  والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار  الصابرين و الصادقين و القانتين و المستغفرين بالأسحار  }  ، وقوله تعالى :{ إن المتقين فى جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون }

- الدعاء فى الليل من أروح العبادات وأفضلها جنح الظلام يتذلل العبد لمولاه الكريم يسأله ليعطيه :{ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين }  ، وعن أبى أمامة قال :( قيل يا رسول الله : أى الدعاء أسمع ؟ قال : جوف الليل الأخير  ودبر الصلوات المكتوبات )  رواه الترمذى .

وعن جابر رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن فى الليلة ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة ) رواه مسلم .

- و الدعاء أثناء السجود مطلوب؛ فهذه لحظات قرب من الله يلح فيها المسلم بالدعاء، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) أخرجه مسلم وأبو داود و النسائى .

- ما أجدر أصحاب الدعوات الذين يتعرضون لأذى الأعداء وكيدهم أن يستعينوا عليهم بسهام القدر ودعاء السحر ، قم يا أخى بالسحر وادع الله وقل : اللهم إنا ندرأ بك فى نحور الأعداء والجبارين ونعوذ بك من شرورهم ، وقل : ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين  ، وقل : اللهم اهزم أعدائك أعداء الدين وانصرنا عليهم نصراً عزيزاً يشفى صدورنا ويذهب غيظ قلوبنا . وما يفتح الله به عليك من الدعاء .

- وفى حديث رواه البخارى ومالك ومسلم وغيرهم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا حين يقضى ثلث الليل الأخير  فيقول : من يدعونى فأستجب له من يسألنى فأعطيه  ومن يستغفرنى فأغفر له )  فهل بعد هذا الإغراء و التشويق نتراخى ونتكاسل ؟ ولو قيل للناس فى هذا الوقت من الليل من يحضر فى مكان ما سيأخذ مالاً أو لحماً أو عرضاً من الدنيا لسارعوا  وتكاثروا ، ورسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه يرغبنا فى حديث له عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :( ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر و العشاء  ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) متفق عليه ، أى ما فيهما من خير .

- إن البيت الذى يحيى الليل بالقيام بيت تحفه الملائكة، وتتنزل عليه الرحمة، وتسوده السعادة الحقة، ما أجمل أن يتعاون كل من الزوج و الزوجة فى تحقيق هذا الخير  ، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح فى وجهها الماء ...  رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت  وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت فى وجهه الماء ) رواه أبو داود بإسناد صحيح .

- تقرب الى الله يا أخى ما استطعت بالنوافل، ومن أفضلها قيام الليل، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل ) رواه مسلم . ومما يعينك على قيام الليل إخلاص النية واستحضار العزيمة وتجديد التوبة و البعد بالنهار عن المعصية و التبكير بالنوم و القيلولة إن أمكن والاستعانة بالله .

- على المسلم أن يداوم على قيام الليل، وينهل من هذا الزاد؛ فقد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ياعبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل ) متفق عليه .

- أما عن عدد الركعات فعن عائشة رضى الله عنها قالت :( كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتتى الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة ) أخرجه الستة وهذا لفظ مسلم .

ما أكثر الزاد فى هذا الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند القيام من الليل للتهجد، فعن ابن عباس رضى الله عنهما  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال :( اللهم ربنا لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت مالك السماوات والأرض ومن فيهن  ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاءك حق و الجنة حق و النار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق  و الساعة حق  ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ) أخرجه الستة وهذا لفظ الشيخين .

- فى رسالة المناجاة للإمام الشهيد حسن البنا يحث الإخوان على قيام الليل : يا أخى لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلوا بربك و الناس نيام والخليون هجَّع وقد سكن الكون كله ، ورخى الليل سدوله وغابت نجومه ، فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك فتأنس بحضرته ويطمئن قلبك بذكره وتفرح بفضله ورحمته وتبكى من خشيته  وتشعر بمراقبته وتلح فى الدعاء  وتجتهد فى الاستغفار وتفضى بحوائجك لمن لايعجزه شىء ولا يشغله شىء عن شىء إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وتسأله لدنياك وآخرتك وجهادك ودعوتك وآمالك وأمانيك ووطنك وعشيرتك ونفسك وأخوتك  :{ وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } .

- إن ما فى قيام الليل و المناجاة من الأنس و الراحة النفسية ما لا يشعر بعناء الأجسام وتعب الأقدام وهذا هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويطيل القيام حتى تتورم قدماه وما يشعر بألم لاستغراقه فى القرب من الله والأنس به  ، وقد قال بعض الصالحين : ليس فى الدنيا وقت يشبه نعيم  الآخرة إلا ما يجد أهل القيام فى قلوبهم من حلاوة المناجاة فلنحاول تذوق هذه الحلاوة .

- وأخيراً أقول لك يا أخى قم من الليل قيام العبد الفقير الذليل يتسلل فى جنح الظلام ليطرق باب سيده الكريم ، ويقف على أعتاب بابه فى ذلٍ وانكسار وشعور بالتقصير واعتراف بالذنوب وإحساس بالحاجة الملحة الى عفو سيده ورضاه عنه مع الرجاء الملح فى رحمته ورضوانه وجناته .

اطرق يا أخى باب مولاك فى ظلام الليل بركعات خاشعة وسجدات طويلة ودعوات خالصة وتسبيحات ودمعات من خشيته ، وكن موقناً بإجابة ربك لدعواتك ، ولا تنس فى هذه الغمرة من الخير دعوتك فتسأل الله النصر و التمكين لدينه وتدعو لإخوانك بظهر الغيب .

سبحى نفسى وصلى                 عند سطو العاديات

فإذا القلب تنزى                       من تباريح الحياة

رقرقى النفس دموعاً               واسكبيها فى الصلاة

فإله الكون يصغى                     للنفوس الباكيات

سبق نشره في "إخوان أون لاين"