بقلم: تقادم الخطيب

عجيب أن تتحول عقلية الدولة إلي عقلية قطّاع الطرق، وعجيب أكثر أن تسيطر عليها روح الانتقام بدلا من تحقيق العدالة، والأعجب أن تغذي العنف والانتقام داخل المجتمع.

من الأخبار التي قرأتها بالأمس حول الاعدامات التي حدثت، والتي تأتي تزامنا مع بث أحد المسلسلات (ليس لدي تلفزيون ولا أشاهده)، وكأنه نوع من التجهيز النفسي علي طريقة شحن روح الانتقام ثم تنفيذ ذلك الانتقام وإيجاد مبرر له.

هنا تخرج الدولة (في تلك الحالة يعتبر النظام نفسه الدولة وأنه لا فرق بينهما) من كونها دولة تعلي من قيم مثل الحق و العدالة وإنفاذ القانون إلي كونها مجموعة تعلي من روح الانتقام والثأر والتشفي، وتغييب الحقيقة وفرض سرديتها ولو علي حساب القضاء وسمعته ونزاهته واستقلاله.

وفي ذات الوقت تعلي من قيمة من ينتمون إلي النظام، في نوع من التعالي بالوطنية وامتلاكها، علي طريقة التعالي بالإيمان، وهو تحقيق لمبدأ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.

لقد هالني في الواقع من بين تلك الأخبار إعدام رجل يبلغ من العمر عتيا (81) عاما، في واقعة لم أجد لها مثيلا في تاريخ مصر الحديث، أو من بين الاعدامات التي تم تنفيذها علي مر ذلك التاريخ.

وذلك في صورة واضحة تعكس عقلية عصابة وليس عقلية دولة، يسيطر عليها شبح الانتقام، ولم تراع أي حرمات ولا حتي حرمات الشهر الكريم، أو اهتزاز جسد الرجل وضعفه، أو حتي ما قيل وما ورد من أحاديث في أن الله يستحي أن يعذب رجلا شاب في الإسلام.

في ذات الوقت قدم الرجل شهادات تثبت أنه لم يكن متواجدا في هذا المكان، وبالرغم من هذا لم يأخذ القاضي بذلك. وهنا يتساءل المرء عن أي قضاة أو قضاء، وعن روح العدالة لا تأويلات النص المملوءة بالكراهية وروح الانتقام، ويتساءل المرء هل هؤلاء بشر، يدركون أن غدا حسابا وموقفا بين يدي الله.

والأدهى والأمر من ذلك أنه قد يتم تصوير تلك المشاهد القاسية لإذاعتها في نهاية ذلك المسلسل من أجل تعميق شعور الكراهية وتغذية روح الانتقام.

وسيقوم سماسرة الدم وتجاره ووكلاء الكراهية بنشره علي أوسع نطاق، لكي تنتفخ جيوبهم وثرواتهم أكثر ، ولا همّ لهم سوي المزيد من المال والتقرب من السلطة، ولو علي حساب هذا الوطن ومجتمعه.

لكن كل ما يحدث هو تعبير عن ذلك النظام الذي أسس مشروعيته علي الدماء والمجازر  فهو يتغدي ويقتات عليه، وفي كل الأحوال تعكس أولوية النظام بأن الدماء مُقَدَّمٌ علي الماء!

* د. تقادم الخطيب ناشط وأكاديمي مصري باحث بجامعة برلين الحرة.

نقلا عن "فيسبوك"