بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

الله أكبر ولله الحمد

1

ليس هذا النداء - باليقين - كنداء كارل ماركس عام 1848م، الذي نادى فيه الطبقة العمالية المظلومة للتجمع والاتحاد؛ لمواجهة طغيان الرأسمالية التي أطلت بقرونها ثم ازداد طغيانها خلال القرنين الميلاديين الماضيين، وأفرزت مع نداء كارل ماركس صراعًا نتج عنه حربان عالميتان 1914م و1939م، إضافة إلى حروب محلية عديدة، أودت بدول وكيانات سياسية، وأنشأت أخرى فرقت بها بين أبناء بعض الشعوب، وأنشأت مؤسسات دولية (عصبة الأمم 1919م) التي لم تستطع أن تؤدي للبشرية شيئاً يعيد لها توازنها، لتأتي الثانية (الأمم المتحدة 1945م) فتتحول إلى مجرد شاهد على ما يجري على الأرض والبشر والبيئة، من تخريب وهدم لقيم العدالة والخير والإنسانية إذا قام بها الكبار، ولا يختلف أداؤها عن أداء الكيانات المحلية المماثلة مثل (جامعة الدول العربية).

تاريخ ما قبل ماركس والرأسمالية الممتد لآلاف السنين يحمل الكثير من صور ونماذج الطغيان والخروج عن رسالات السماء، مثل التي تجري على الأرض هذه السنين، رغم ما كان فيها من رسالات تحمل الرشد والإرشاد ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) فاطر 24

ويبقى- بأمر الله - واجب النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معلقًا في رقاب البشر.

2

الحصاد

( إن الله لا يصلح عمل المفسدين )

حكم رباني فاصل حتى ولو اغتر بعض الناس ببريق عملهم الذي يجهدون أنفسهم على فعله، وهو ما حدث مع شعارات ماركس وخلفائه الذين حاولوا محاربة الفطرة الإنسانية كجزء من نظريتهم، وأيضًا ما انتهت به الهجمة الرأسمالية بالتبشير بعالم الحرية والعدالة والديموقراطية تحت الشعار العتيق (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، وجرى كل عملهم باستغلال ثروات الأرض والتقسيم الواضح لدرجات البشر، ليصل الأمر خلال قرنين من الزمان، من بداية تلك المرحلة إلى التداعي للدفاع عن أصحاب البشرة المخالفة لأصحاب الطبقة الرأسمالية بعد إعلاء سطوة مالهم على مفاهيم الرسالات السماوية والإنسانية التي تقضي بأن كل البشر من أب واحد وأم واحدة.

بلاءات كثيرة شهدها تاريخ هذه المرحلة، كتب عنها مختلف العلماء حسب تخصصاتهم، ومازالت في مجالات البحوث والدراسات، ولا يمكن إنكار إيجابيات الكثير منها.

وأيضاً فقد تحدثت الدراسات ومازالت تتحدث عمّا أصاب المناخ وتكاليف السباقات على اجتياز أجواء الكرة الأرضية وسينمائيات الحرب الكونية، وإعلان الحرب لتقليل نسل بعض الشعوب باستخدام بعضها كما يتم مع الفئران في تجارب يقولون عنها إنها علمية، وإخراج الأديان السماوية من توجيه الثقافة وسلوكيات الناس إلى حد العمل على إيجاد بديل واحد يجمع الأديان السماوية ويحدد لها العقائد والسلوكيات، ويصل الأمر إلى العمل على تغيير جينات الناس وإيجاد أنواع جديدة من البشر بصفات خاصة.. وغيرها الكثير الذي أنتجته مرحلة التنافس على سلطة الكون بين متنازعين استعلوا بانحراف سلوكهما على ما قدموه.

3

القدس كمقياس

قَدًر الله سبحانه وتعالى يجري (ولا راد لقضائه) أن يأتي شهر رمضان هذا العام (1442 ه مايو 2021 م) ليتوافق معه اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2017 م بالقدس كاملة للكيان الصهيونى والذي لم يحظ بأي شرعية دولية، وتنشط مجموعات الصهاينة، تحت حماية عسكرية، للاحتفال بهذه المناسبة غير الشرعية ، ليتحول المسجد الأقصى إلي ساحة احتفال بهجوم وحشي على من فيه من المصلين من الرجال والنساء والأطفال الذين لايملكون غير سواعدهم للدفاع عن أنفسهم وغير ما تستطيع أصابعهم من الإمساك بحصاة الأرض.

الدنيا كلها تعلم، وخصوصًا دنيا ماركس والرأسمالية وما أفرزته من سياسات وهياكل، أن للمسجد الأقصى والأرض من حوله قدسية، ليس فقط عند المسلمين باعتباره القبلة الأولى في صلاتهم قبل الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وباعتباره الأرض المباركة التي جرت عليها معجزة الإسراء والمعراج مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما لقدسيته أيضًا عند الديانة المسيحية - مهد رسول الله عيسى عليه السلام - التي لم يَسْلَم أتباعها ولا كنائسها من العدوان، وأيضا عند اليهودية بما كان من تاريخ نبي الله داود عليه السلام .

والدنيا أيضًا كلها تعلم أن هناك طائفة من اليهود ترفض ما يجري على أيدي الصهاينه وتوقن - حسب ما جاء في كتبهم- أن هذه الممارسات نُذر شر.

وأيضًا فهذه الدنيا تعلم الكثير عن تاريخ الحروب التي قام بها بعضهم لانتزاع هذه الأرض من أصحابها بحملات جمع فيها المعتدون كل قدراتهم - لم تكن كلها لأسباب دينية - وتعلم أيضًا كم سال على أرضها من دماء أصحاب الأرض دفاعا عنها وعن مقدساتها، ومن دماء المعتدين ، ولم تفلح واحدة من تلك الحملات في تحقيق أطماعها، ويقيناً لن تفلح هذه الحملة الأخيرة - إن شاء الله - التي جاءت بنكهة النازية رغم الزخم الإعلامي الكبير الذي لم تحظ بمثله السابقات، فجند الله على الأرض مرابطون لا يضرهم من خالفهم.

ومع تهانينا بالعيد المبارك، الذي يأتي عليكم أيها المرابطون وأنتم في هذه الحالة وبما منّ الله عليكم من صيام وصلاة واعتكاف يتضاعف أجرها بما شاء الله من فضله، فخلفكم من يحترق قلبه ويتمنى أن يكون معكم، وينطبق عليهم - بإذن الله - ما جاء في سورة التوبة { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) }.

4

إن خزين البيانات المتعددة يكفي لتغطية ما يجري على الأقصى في آخر رمضان هذا العام، إعلاميًا من الجمعيات والأحزاب والأفراد والحكومات.

وسيبقي العمل الجاد والمنصف والمخلص هو السبيل- بإذن الله - لإنهاء هذه الكارثة بالتصدي للثقافات والسياسات التي أنتجتها مرحلة ( ماركس - رأس مالية). هذا العمل يجب أن يجمع حكماء العالم من كل الأديان والثقافات والمخلصين من الرسميين الذين يدركون ردود الفعل لما يحدث من مخاطر في مرحلة قفزت فيها إمكانيات رد الفعل، بحكم التكنولوجيا الفنية الحديثة، إلي قفزات لا نرجوها.

والآن نعود إلى ندائنا ونقول: "يا حكام العالم اتحدوا". قد لا يرضى عن ندائنا البعض، ولكن باسم جماعة الإخوان المسلمين أقول:

(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)

فهل من مجيب ؟

إبراهيم منير

نائب المرشد العام للإخوان المسلمين

30 رمضان 1442 ه، 12 مايو 2021 م