إذا كانت الانتخابات البرلمانية الجزائرية، المقررة في 12 يونيو الجاري، لم تكشف بعد أن أبرز الفائزين فيها، لكن ليس من الصعب معرفة أكبر الخاسرين في هذا الاقتراع.

فالحراك الشعبي، الذي أسقط الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، غيّر الكثير من شروط التنافس السياسي، التي شابتها تهم التزوير، وتدخل المال الفاسد لشراء الأصوات، وترتيب المرشحين في القوائم الانتخابية.

فالزج بعدد من رموز الفساد السياسي والمالي في السجون، وتشديد شروط الترشح لمن تحوم حولهم شبهات الفساد، لن تخدم مصالح عدة أطراف كانت مستفيدة من الوضع السابق.

** "جبهة التحرير".. الصدمة الثانية

أكبر الخاسرين في انتخابات 12 يونيو بدون شك حزب جبهة التحرير الوطني (موالاة)، الذي هيّمن على الحياة السياسية منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم في 1999، وقبلها انفرد بالحكم منذ الاستقلال في 1962 إلى غاية 1991، ليمر بعدها بفترة تراجع لنحو عشرية من الزمن.

والحراك الشعبي لم يطح فقط ببوتفليقة من الحكم، بل قاد اثنين من الأمناء العامين لجبهة التحرير الوطني (جمال ولد عباس، ومحمد جميعي) إلى السجن في 2019 و2020، مما شكل ثاني أكبر صدمة للحزب بعد أحداث أكتوبر 1988، التي أنهت عهد الحزب الواحد، وفتحت المجال أمام تعدد الأحزاب.

كما أن الأمين العام الجديد للحزب أبو الفضل بعجي، تم رفض ترشحه للانتخابات، بسبب عدم إرفاق ملفه ببطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية، وهذا من شأنه إضعاف موقف الحزب أكثر أمام الناخبين، رغم أنه ليس من القيادات التاريخية المعروفة في الحزب، بل يمثل أحد الوجوه الجديدة التي صعدت إلى الواجهة بعد تراجع الحرس القديم، تحت ضغط الحراك الشعبي.

فجبهة التحرير في أسوأ أحوالها منذ 30 سنة، ومرشحة لفقدان أغلبيتها البرلمانية، حيث حصلت في آخر انتخابات على 161 مقعدا من إجمالي 462 (نحو 35 في المائة من المقاعد).

ومع ذلك تملك جبهة التحرير نقاط تمنعها من السقوط الحر، أهمها أن الرئيس عبد المجيد تبون، مناضل قديم في الحزب، وتمكن من هزيمة المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة، رئيس حزب العدالة والبناء في رئاسيات 2019.

وجبهة التحرير مازالت تحافظ على هياكلها ومقراتها، رغم الزج بالعديد من قياداتها ورجال الأعمال الداعمين لها في السجون، إلا أنه لم يتم حلها مثلما حدث للحزب الحاكم في السودان (المؤتمر الوطني) أو الحزب الدستوري في تونس.

وهذه ميزة تتفوق فيها "الجبهة" على الكثير من الأحزاب، خاصة الجديدة منها، والتي مازلت في مرحلة التأسيس.

والنقطة الأخرى التي تصب في مصلحة جبهة التحرير الوطني، دعوات المقاطعة واستمرار حالة العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وتجلى ذلك في الاستفتاء الأخير على الدستور والذي لم تتجاوز فيه نسبة المشاركة حاجز 24 في المائة، أي أقل من ربع الناخبين.

بينما يعرف عن قاعدة جبهة التحرير الوطني أنها حاضرة دوما في الانتخابات، وغالبيتهم من الفئات محدودة التعليم والكبيرة في السن والمتأثرة بثورة التحرير التي قادتها جبهة التحرير الوطني (1954-1962).

** التجمع الوطني الديمقراطي:

على غرار حزب جبهة التحرير الوطني، تعرض التجمع الوطني الديمقراطي (موالاة) لهزة كبيرة بعد سجن زعيمه أحمد أويحيى، وإخفاق أمنيه العام السابق عز الدين ميهوبي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي حلّ بها رابعا بين خمسة متنافسين.

ومن المستبعد أن يحافظ التجمع الوطني الديمقراطي على 100 مقعد التي فاز بها في انتخابات 2017، في ظل الاستياء الشعبي من الفساد السياسي الذي يتهم الحزب بأنه كان أحد رموزه منذ تأسيسه في 1997.

وفقدانه لأحد زعمائه المؤسسين ممثلا في رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى، وابتعاد أحد مؤسسيه، رئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح (2019)، عن المشهد السياسي، يجعل قدرة قياداته الجديدة على الحشد أقل.

والمزاج العام سواء الشعبي أو حتى في هرم السلطة لا يميل إلى عودة التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب جبهة التحرير الوطني، لتصدر نتائج الانتخابات، على الأقل في هذه المرحلة، لامتصاص غضب الشارع، وإعطاء انطباع بأن هناك تغييرا سياسيا في البلاد، ولا بأس بالتضحية مؤقتا بـ"حزبي السلطة"، لتجنب العاصفة التي تهدد نظام الحكم برمته.

** حزب العمال

هذه المرة الأولى في تاريخه التي يقاطع فيها حزب العمال (يساري) الانتخابات البرلمانية، التي اعتاد أن يشارك فيها منذ 1991، ما يعني غيابه عن البرلمان طيلة خمسة أعوام كاملة (2021 -2026).

وبرر الحزب مقاطعته للانتخابات بعدم قدرتها "على تصحيح القرارات غير الاجتماعية المتّخذة من طرف الحكومة".

وهذا العذر كان قائما طيلة العقود الماضية وبدرجات أشد، ومع ذلك حرص الحزب على المشاركة فيها.

لكن السبب الحقيقي يعود إلى تضرر صورة الحزب أمام الرأي العام بشكل كبير، بعد اعتقال أمينته العامة لوزيرة حنون، رفقة كل من سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل، والمدير الأسبق لأجهزة الاستخبارات محمد مدين، ومنسق الأجهزة الأمنية السابق بشير طرطاق، بتهمة "التآمر على سلطة الدولة"، و"التآمر على سلطة الجيش"، وحكمت عليها محكمة البليدة العسكرية بـ15 سنة سجنا.

مجلس الاستئناف العسكري، خفف الحكم بسجن حنون 3 سنوات منها 9 أشهر ويوما واحدا نافذة عن تهمة "عدم تبليغ عن جناية"، بعدما برأها من تهمتي "التآمر على سلطة الدولة"، و"التآمر على سلطة الجيش"، وتم الإفراج عنها بعد انتهاء مدة سجنها.

وكان الحزب يسوق نفسه كمعارض شرس، خاصة عبر منبر البرلمان، لكن اجتماع زعيمته بشقيق الرئيس وشخصيتين بارزتين في المخابرات، في ذروة الحراك الشعبي، كشف للرأي العام مدى ارتباطها بمن وصفهم رئيس الأركان الراحل أحمد قايد صالح بـ"العصابة".

لذلك فمقاطعة حزب العمال للانتخابات لأول مرة منذ تأسيسه جاء لتفادي هزيمة قاسية مع تراجع شعبيته، ففي انتخابات 2017 حصل على 11 مقعدا متراجعا بتسعة مقاعد عن انتخابات 2012، أي أنه خسر قرابة نصف مقاعده.

وليس من مصلحته المراهنة مجددا على هذه الانتخابات وهو في أضعف حالاته، حتى ولو تسبب في غيابه خمس سنوات عن البرلمان.

** رجال الأعمال

يشكل رجال الأعمال وكبار التجار أحد أكبر الخاسرين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعدما انخرطوا في السنوات الأخيرة بشكل مكثف في النشاط السياسي.

وفتح حزب جبهة التحرير الوطني، الأبواب على مصراعيه في الـ15 سنة الأخيرة، أمام رجال الأعمال للالتحاق بصفوفه والترشح في قوائمه والاستفادة من قوتهم المالية في الحملات الدعائية للحزب، على غرار تجربة الحزب الوطني الديمقراطي، الحاكم في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

غير أن دخول رجال الأعمال معترك السياسة أدى إلى حدوث تنافس بينهم وبين قدماء المناضلين في حزب جبهة التحرير على سبيل المثال.

وحسم المال معركته أمام أسبقية النضال الحزبي وحتى أمام العصبية القبلية والجهوية في بعض المناطق، وارتقوا في مناصب قيادية بالعديد من الأحزاب، إلى درجة أن رجل الأعمال محمد جميعي، الذي كان نائبا حرا في الولاية البرلمانية (2002-2007)، انضم إلى جبهة التحرير الوطني ووصل في وقت وجيز إلى قيادتها، قبل أن يزج به في السجن في قضية متعلقة بسوء استغلال الوظيفة.

فكل من جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحزب العمال وطبقة رجال الأعمال، الخاسرون الكبار قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، غير أنه بعد 12 يونيو قد تكشف نتائج الانتخابات عن خاسرين جدد أو مفاجآت قد يحدثها أحد الأطراف.

نقلا عن "الأناضول"