أولاً- حقوق الزوجة على زوجها:

العلاقة بين الزوجين تقوم على المودة والرحمة، التفاهم والتعاون والاحترام، فالحياة الزوجية شركة بين الزوجين، يديرها الزوج بالتشاور مع زوجته، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾ (الروم)، وكل واحد من الزوجين له حق على الطرف الآخر.

وهذه بعض الحقوق العامة للزوجة على زوجها:

1- المهر: وهو حقها الشرعي بمجرد العقد عليها أو الدخول بها، وهو لون من تكريم الإسلام للمرأة. قال تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: من الآية 4).

فلا يجوز لأحد من الأقارب أن يأخذ شيئًا من مهر المرأة إلا برضاها، قال تعالى: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾ (النساء: من الآية 4).

2- النفقة: أي إعطاؤها ما تحتاجه من الطعام والشراب والعلاج والكسوة والسكن على حسب إمكانات الزوج من العسر واليسر، قال تعالى: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: من الآية 233)، وقال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ (الطلاق: من الآية 7)، وفي الحديث: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".

والإنفاق على الزوجة والأولاد من أفضل النفقات ويثاب الرجل على ذلك، وفي الحديث: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك".

3- السكن: أن يجعل لزوجته سكنًا مناسبًا، على قدر سعته وقدرته، قال تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ﴾ (الطلاق: من الآية 6).

4- حسن العشرة: يجب على الزوج أن يكون حسن الخلق مع زوجته حتى يكسب مودتها وحبها له، وحسن الخلق يكون بالكلمة الطيبة، وطلاقة الوجه، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: من الآية 19)، وفي الحديث: "استوصوا بالنساء خيرًا" (1). وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس عشرة لأهله، وفي الحديث: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (2)، وفي الحديث أيضًا "أحب عباد الله إلي أحسنهم خلقًا"(3).

ومن حسن الخلق احترام رأيها، والعفو عن أخطائها، والاعتذار إليها إذا أخطأ في حقها، وأن يكرمها في أهلها، من خلال الثناء عليهم، وذكر محاسنهم، ومبادلتهم الزيارات، والتهنئة في المناسبات.

 

 

يشاركها في عمل البيت، إن وجد فراغًا، وكانت لديه القدرة، سئلت السيدة عائشة (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) (4)

6- عدم الإضرار بالزوجة، من الناحية النفسية والبدنية، وفي الحديث: "لا ضرر ولا ضرار" (5) وفي الحديث: "لا يفرك- أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" (6) فالتغاضي عن بعض الأخطاء من شيم المروءة والصالحين.

7- العدل بين الزوجات عند التعدد، فالتعدد جائز في الإسلام بشروط، منها المساواة في المبيت والنفقة والكسوة، والله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (النساء: من الآية 3).

8- مساعدتها في المحافظة على دينها، بإقامة الفرائض، وترغيبها في النوافل، وتعليمها الحلال والحرام، والآداب الإسلامية العامة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم: من الآية 6)، وقال تعالى ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه: من الآية 132).

رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته فقال: ما أرحمني بعياله، فقيل له يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال إنه كبيرهم ومنه يتعلمون.

9-  أن يغار عليها في دينها وعرضها، وليس المقصود بالغيرة سوء الظن، وفي الحديث: "من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة" (7) ومن الغيرة أن يحافظ عليها من أعين الآخرين، وأن لا تخالط مَن الرجال من ليس من المحارم.

10- أن يمازحها ويلاطفها بين الحين والحين، كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع السيدة عائسة فكان يقول لها: "يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام. قلت: وعليه السلام ورحمة الله، قالت: وهو يرى ما لا نرى"(8)، وعن عائشة أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت (فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني، فقال "هذه بتلك السبقة" (9).

ثانياً: حقوق الزوج على زوجته:

1- وجوب الطاعة في غير معصية: حيث إن الرجل قوام على المرأة، في التوجيه والرعاية والنصح، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34).

وكما أن المجتمع لا يصلح إلا بقائد، فكذلك الأسرة تحتاج إلى قائد، وهو الزوج، ولا يوجد قائد بلا طاعة، وعندما سئل النبي- صلى الله عليه وسلم- عن خير النساء؟ فقال: "الذي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله" (10)

وفي الحديث: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "(11)

2- تلبية نداء الفطرة عند الرجل: فمن أهداف الزواج عند الرجل قضاء الوطر، ونيل اللذة وتحصيل الولد. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ (الروم: من الآية 21)، وقال تعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ (النحل: من الآية 72).

وفي الحديث قال- صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح" (12).

3- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف: أي بحسن الصحبة والعشرة، قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: من الآية 228).

ومن الوصايا العشر المشهورة التي قالتها الإعرابية لابنتها المتزوجة حديثًا: (فكوني له أمة يكن لكي عبدًا، واصحبيه بالقناعة، وعاشريه بحسن السمع والطاعة، ولا تعصي له أمرًا، ولا تفشي له سرًّا، وكوني أشد الناس له إعظامًا. واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فالرضا بالقناعة، وحسن السمع له بالطاعة، والتفقد لمواقع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا أطيب الريح، والاجترار لماله وحشمه وعياله. فلا تعصي له أمرًا، ولا تفشي له سرًّا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. إياك والفرح بين يديه إذا كان محزونًا، والحزن بين يديه إذا كان فرحًا).

4- حفظ الزوج في عرضه: أي تحفظه في غيبته، فتصون شرفه وعرضه، قال- صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: "أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقًّا، ولهنّ عليكم حقًّا، لكم عليهن أن لا يُوطئّن فرشكم أحدًا تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبيّنة" (13).

ومن صور الحفاظ على العرض تحذير النبي- صلى الله عليه وسلم- من دخول الأجانب على النساء فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار، يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"(14).

كما حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تخلع ثيابها في غير بيت الزوجية، فعن عائشة قالت سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلاّ هتكت الستر بينها وبين ربها" (15).

وأن لا تخرج من البيت إلا بإذنه، فليس من حقها أن تخرج لزيارة أهلها، أو إعادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج. وأن لا تدخل أحدًا بيته إلا بإذنه، ولا تصوم النافلة وزوجها حاضر إلا بإذنه، وفي الحديث قال- صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بأذنه" (16).

5- حفظ الزوج في ماله: فالزوجة مؤتمنة على مال زوجها، فلا تأخذ منه إلا بإذنه، ولا تتصدق منه إلا بإذنه، وفي الحديث قال- صلى الله عليه وسلم-: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته" (17).

وفي الحديث قال- صلى الله عليه وسلم: "وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره" (18).

وإذا كان الزوج بخيلاً أو شحيحًا فيجوز أن تأخذ من ماله دون إذنه لكن بالمعروف، أي حسب الحاجة أو الضرورة، وفي الحديث قالت هند أم معاوية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن آخذ ماله سرًّا؟. قال: "خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف"(19).

ثالثًا- الحقوق المشتركة بين الزوجين:

الحياة الزوجية شركة بين طرفين، وكل منهما له حقوق، وعليه واجبات، وقد تحدثنا عنهما من قبل، وكذلك أيضًا هناك حقوق مشتركة بين الطرفين منها:

1- التعاون على جلب المودة والسرور:

أن يحرص كل من الطرفين على إدخال السرور على الآخر، فالمرأة تنادي زوجها بأحب الأسماء إليه، وتكون في استقباله عند عودته من العمل، وتهيئ له وسائل الراحة داخل بيته، وتحسن الاستماع إليه، وتكثر من والمدح الحقيقي له بما يقدمه لها من مساعدات، وكذلك الزوج يبحث عن كلِّ ما يدخل السرور على زوجته ويفعله.

وليس من المروءة والأدب أن يكثر الرجل من انتقاص زوجته، أو يقلل من قيمتها في حياته، أو يحتقرها بذكر عيوبها، فهذا كله يطرد المودة والسعادة من البيت.

2- غض الطرف عن الهفوات:

الزوجان بشر، وليسا ملائكة، وليسا من عالم الشياطين، وكل إنسان له عيوبه، ونقاط ضعفه ولا يوجد أحد من البشر كاملاً، من أجل ذلك لا بدَّ أن يغض الطرفان عن الأخطاء غير المقصودة، وأن ينسى كل منهما الهفوات، ولا يتصيد أحدهما الخطأ للآخر، أو يحمل كلامه على سوء النية، أو الظن السيئ، وعند الخلاف يبقى العتاب والحوار الهادئ بين الطرفين.

إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه * وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب

3- أن يتزين كل من الطرفين للآخر:

جبلت النفس على حب الجمال، والرجل يحب أن يرى زوجته في أحسن هيئة وفي أجمل صورة، حتى تشبع رغبته النفسية، وتعينه على غض بصره خارج البيت.

والمرأة لديها من الوسائل الكثير ما تجعل نفسها جميلة في عين زوجها، وجمال الروح لا يقل أهمية عن جمال الجسد.

وكذلك الحال بالنسبة للرجل يتزين لزوجته، والله تعالى يقول: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: من الآية 228).

4- حفظ أسرار الحياة الزوجية:

الزوجان صفحة مكشوفة أمام الآخر، وكل إنسان في بيته يظهر على طبيعته، وكلاهما يعرف عن الآخر كل شيء، فيجب عند الخلاف أن يحفظ كل واحد منهما سرَّ الآخر، والله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 237)..

وهنا ينبغي التنبيه إلى مجالس النساء، فغالبًا لا تخلو من الأحاديث عن أسرار الحياة الزوجية، وفي ذلك جاء الحديث: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها" (20)

وينبغي أيضًا عند الخلاف أن تبقى المشكلة داخل البيت، فهي حينئذ قابلة للعلاج والحل، فإذا ما خرجت المشكلة إلى الجيران والأقارب، أصبحت معقَّدة وأصبحت الحلول صعبة.

5- التعاون في السراء والضراء:

الحياة الزوجية مليئة بالتقلبات، ففي وقت الرخاء يعين كلٌّ من الطرفين الآخر على طاعة الله، فيحثُّ الرجل زوجته على أداء الصلاة في وقتها، ويشجعها على صلاة النافلة، وفي الحديث: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء" (21)

ووقت الشدة يقف كل منهما خلف الآخر، يقوِّي من عزمه، ويعطيه جرعة من الصبر والثبات، ويخفف عنه المصاب، فالناس لا يُعرَفون إلا وقت الشدة، وهذا ما فعلته السيدة خديجة- رضي الله عنها- مع زوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما نزل عليه الوحي وعاد خائفًا مضطربًا فقالت خديجة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ليسمع ويجد عنده تفسيرًا لما وقع له.

هذه أمور هامة في أساسيات الحياة الزوجية السعيدة، مَن واظب عليها منحه الله المودة والرحمة والسعادة في الدنيا والآخرة.

نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

د. أحمد شاهين