التكبير يوم العيد سنة عند جمهور الفقهاء، واختلف الفقهاء في صيغة التكبير، ولا حرج من الأخذ بأية صيغة، والمهم ألا ينكر أحد على أحد جمعا للقلوب يوم العيد. وشرع التكبير في العيدين كي يوقن المسلم يقينا لا يهتز ولا يزيغ أن كل متكبر بعد الله فهو صغير، وهذا يُعلّم المسلم العزة والكرامة والإباء.
أولا: الأحكام الفقهية:
1- مشروعية التكبير: التكبير سنة مستحبة عند الجمهور فرض عند الظاهرية في عيد الفطر ومستحب في عيد الأضحى[1]، وهناك اتفاق على أن التكبير في الفطر آكد من عيد الأضحى لقول الله تعالى في آيات الصيام: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ -البقرة:185-.
وقد روى مسلم بسنده عن أم عطية قالت: "كُنَّا نُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْمُخَبَّأَةُ وَالْبِكْرُ، قَالَتِ الْحُيَّضُ يَخْرُجْنَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ:.
ومن هذه النصوص واتفاق العلماء يبدو لنا أنه يستحب التكبير في العيدين.
2- زمن التكبير: استنتج كثير من الفقهاء أن زمن التكبير يبدأ بإكمال عدة رمضان أي بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان حتى تبدأ صلاة العيد، وقيل حتى نهايتها، وتكبيرات الأضحى فيها خلاف بين أن يبدأ صباح يوم عرفة أو عصره أو بعد الغروب، وقيل بعد ظهر يوم العيد ويستمر حتى صباح أو عصر يوم الثالث عشر من ذي الحجة.
3- مكان التكبير: يسن التكبير في مكان تصح فيه الصلاة مثل البيوت والمساجد والطرق والأسواق ومواقع العمل، ويستحب بعد كل صلاة في الزمن المذكور من قبل، وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج مع ابن عباس والفضل بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن -رضي الله عنهم أجمعين- رافعًا صوته بالتهليل والتكبير ويأخذ طريق الحدادين، ويعود من طريق آخر.
4- صيغة التكبير: يرى الحنفية والحنابلة أن صيغة التكبير هي تثنية التكبير ثم (لا إله إلا الله) ثم تثنية التكبير ثم (ولله الحمدّ)، ويتوسع تلاميذ أبي حنيفة فيذكر السرخسي في المبسوط رواية عن ابن عباس أنه كان يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر لا إله إلا الله الحيُّ القيوم يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، ويقول الشافعي في الأم: (التكبير كما كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة "الله أكبر" ثلاثا، وإن قال: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، ولا نعبد إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر، فحسن وما زاد مع ذكر الله حق ذكره فحسن كذلك، وحجة من أجاز هذه الزيادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها على جبل الصفا أيام العيد)، ويتوسع أكثر الشافعية والمالكية كما ذكر ابن رشد في بداية المجتهد.
وهناك خلاف في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التكبير حيث جاء في فتوحات الوهاب (الشافعية) صريح كلامهم أنه لا تندب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبير، لكن العادة جارية بين الناس بإتيانهم بها تمام التكبير، ولو قيل باستحبابها عملا بظاهر: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ -الشرح:4- ، وعملاً بقولهم: (أن معناه لا أُذكر إلا وتذكر معي) لم يكن بعيدًا، ثم أورد أن هناك من قال باستحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وأزواجه وذريته بعد التكبير.
من هذه الجولة في الأحكام الفقهية يبدو أنه لا حرج من الأخذ بأية صيغة سواء المقتصرة على التكبير فقط وهو الذي اتفق عليه فقهاء الأمصار والمذاهب جميعا، أو زيد عليها وهي التي يوافق عليها أكثر الشافعية والمالكية، والمهم ألا ينكر أحد على أحد جمعا للقلوب يوم العيد، ورغبة في تأكيد الوحدة والقوة في التزام صيغة واحدة عند الترديد الجماعي للتكبير، أما إذا كبّر الإنسان لنفسه فليختر من هذه المذاهب ما شاء وفي كل خير إن شاء الله تعالى.
ثانيا: المقاصد التربوية للتكبير:
يقول الشيخ الغزالي عن التكبير: يتكرر التكبير في الأذان والصلوات الخمس والعيدين كيما يوقن المسلم يقينا لا يهتز ولا يزيغ أن كل متكبر بعد الله فهو صغير، وكأنما كل هذا التكبير ليرد الناس إلى الصواب كلما أطاشتهم الدنيا وضللتهم متاهاتها الطامة، ويبين أن هذا يعلّم المسلم العزة والكرامة والإباء عندما يكرر هذا التكبير ويورد مقولة سيدنا عمر: أحب للرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول بملء فيه لا!
ويقول الشهيد سيد قطب في الظلال: إن التكبير بعد تمام العدة ليشعر المؤمنون بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم، فهم من خلال الصيام صاروا مكفوفي القلوب عن التفكير في المعصية، مكفوفي الجوارح عن إتيانها، ويشعرون بالهدى ملموسا محسوسا فيشكرون الله على نعمة الهداية.
التكبير في العيدين شعيرة إيمانية تجعل الأسرة كلها تتذكر أن كلمة الله أكبر هي التي تحل الحلال وتحرم الحرام، فقد قضى المسلمون رمضان وكلمة الله أكبر في أذان الفجر تحرم كل الحلال من الطعام والشراب والشهوة، وكلمة الله أكبر عند الغروب تُحل ما كان محرما بالنهار حتى يمتلئ قلب المسلم يقينا أن استمتاعه بلذّات الحياة مرتبط بأمر الله تعالى ونهيه، وأن قلبه قد أسلم في رغباته وآماله.
التكبير الجماعي فيه نغم إيماني وتأكيد تربوي على أننا نعبد الملك الديّان وهو أكبر من كل شيء، وكلمته أعظم من كل شيء، ومن زاد: "نصر عبده وهزم الأحزاب وحده" فهي تبعث على الأمل في نصر الله وتوفيقه مهما كانت الأمة منكوبة.