دعا المعلق جوش روجين في صحيفة "واشنطن بوست" الرئيس جوزيف بايدن للعمل بشدة ووقف الانقلاب في تونس.

وقال إن الرئيس بايدن عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما، استقبل عام 2015 في مقر إقامته بواشنطن، الرئيسَ التونسي الباجي قايد السبسي، وقال إن الأمريكيين يؤكدون على الأهمية التي تضعها الولايات المتحدة كي تنجح الديمقراطية في تونس".

وأضاف الكاتب أن الرئيس التونسي الحالي يمتحن اليوم التزام بايدن بذلك الوعد. لكن الإشارات الأولية تظهر أن البيت الأبيض قلق من التورط في الأزمة الديمقراطية التونسية المتصاعدة.

والأمور تتطور بشكل سريع في ذلك البلد، حيث أعلن الرئيس قيس سعيد عن حالة الطوارئ وعزل رئيس الوزراء والحكومة وجمد البرلمان لمدة 30 يوما، ونشر الجيش لمنع النواب من دخول بناية البرلمان. وداهمت قوات الأمن مقر قناة الجزيرة، ونهب متظاهرون مقرات تابعة لحزب النهضة الإسلامي الذي يقود أكبر كتلة برلمانية.

وقاد رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي عملية اعتصام أمام البرلمان يوم الإثنين، ورفض تحركات الرئيس التي اعتبرها غير دستورية، مؤكدا أن البرلمان لا يزال في حالة انعقاد. وفي بيان للصحيفة، دعا الغنوشي الرئيس سعيد لـ”وقف المحاولة الانقلابية، ونطالب أصدقاءنا في الداخل والخارج دعم الشعب التونسي لمواجهة قوى الديكتاتورية والطغيان”.

وأصدر البيت الأبيض والخارجية الأمريكية بيانات يوم الإثنين صممت لتجنب الظهور بمظهر من يقف مع جانب في الأزمة.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إن الولايات المتحدة “قلقة من التطورات في تونس” وأن المسؤولين الأمريكيين على تواصل مع قادة تونس "للتعرف على الوضع والحث على الهدوء ودعم التونسيين في تحركهم للأمام بناء على المبادئ الديمقراطية".

وأصدر المتحدث باسم الخارجية نيد برايس بيانا مشابها "ستواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب الديمقراطية التونسية"، وتجنب الأسئلة حول الجانب الذي تعتقد إدارة بايدن أنه يمثل القضية الديمقراطية في تونس. من جانبه حث وزير الخارجية أنتوني بلينكن "الرئيس سعيد على الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تعتبر أساس الحكم في تونس، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة الوضع وفي حالة تواصل"، وذلك حسب نص المكالمة التي نشرتها وزارة الخارجية.

 لكن سارة يركيس من وقفية كارنيجي للسلام العالمي، قالت: "هذا أقل مما كنت آمل برؤيته من حكومة الولايات المتحدة". وقالت يركيس التي عملت سابقا في البنتاغون والخارجية: "من الواضح أن المسئولين الأمريكيين يحاولون ممارسة لعبة آمنة وانتظار ما ستفضي إليه الأمور قبل إصدار تصريحات قوية. وقالت ساكي إن إدارة بايدن لن تستطيع توصيف عمل سعيد بالانقلاب حتى يراجع الفريق القانوني في وزارة الخارجية الوضع. وهذا قرار صعب نظرا لأن المحكمة الدستورية التونسية المفترض أن تقوم بالفصل في مثل هذه الأمور لم تعيّن بعد.

وفي الوقت نفسه، فاستحواذ سعيد على السلطة قد يكون البداية، ذلك أن المشرعين الأمريكيين والخبراء يناقشون أن رفض إدارة بايدن شجب تحركات سعيد الديكتاتورية قد تشجعه. وهذا بدوره، سيقوض القوى داخل البلد التي تدافع عن الفصل الدستوري للسلطات والتي حافظت خلال الأعوام العشرة الماضية على تجربة تونس في الحكم الديمقراطي. وقال السناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا للكاتب: ” هذا هو المكان الذي بدأت فيه حركة العالم العربي نحو الحكومة الممثلة والديمقراطية. ومن الواضح لي أن عدم الحسم في وجه العدوان سيؤدي لتدمير الحركة".

ودعا الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية أن تكون معا على الأرض لوقف هذا قبل خروجه عن السيطرة.

وقال جراهام إنه بدون مبادرة دبلوماسية أمريكية قوية، سيجد المدافعون عن الديمقراطية مثل الغنوشي أنفسهم وحيدين للدفاع عن أنفسهم. وسترسل الولايات المتحدة رسالة إلى من يفكرون بالتآمر وتدبير انقلابات أن عليهم عدم الخوف من مقاومة أو انتقام واشنطن.

وقالت مصادر عدة في الإدارة إنها تنتظر كيف سيتطور الوضع المتغير، ويأملون بالعمل مع سعيد بدلا من تهميشه أو تنفيره. ويبدو أن فريق بايدن يتبع دليل السياسة في عهد أوباما الذي يقوم على تمرير رسائل شديدة في المكالمات الخاصة وتجنب التصريحات العلنية ذات الآثار العكسية، لكن هذا الدليل لم ينجح مع مصر عندما قام قائد الجيش عبد الفتاح السيسي في 2013 بالانقلاب على الرئيس المنتخب، وتجنبت الولايات المتحدة التحرك حتى بعد فوات الأوان.

 لكن الأخبار الجيدة، هو أن الوقت لم يفت مع تونس. فهناك فرصة أمام الولايات المتحدة والحكومات الغربية لإقناع سعيد أن المضي قدما في محاولات السيطرة الديكتاتورية على السلطة لن يكون جيدا له. ولدى الولايات المتحدة ورقة نفوذها بيدها- وفوق كل هذا الدعم الاقتصادي بما في ذلك اتفاقية مع مؤسسة تحدي الألفية بقيمة 500 مليون دولار.

وقال إن تردد الولايات المتحدة في تولي الدور القيادي سيترك فراغا تملؤه الدول التي تدعم الانقلابات بمن فيها مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وهذه الدول تمول بالتعاون مع روسيا، جرائم الحرب في ليبيا ضد الحكومة المعترف بها في طرابلس، والقريبة من تونس. وتخشى هذه الأنظمة ديمقراطية قوية وفاعلة في العالم العربي وما تعنيه بالنسبة لسيطرتهم على السلطة.

وقال شران جيروال من كلية ويليام وماري: "لو لم تتحرك الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي لرفع البطاقة الحمراء، فستتحرك هذه الدول وتتأكد من حدوث الانقلاب إن لم تكن متورطة فيه".

وقال إن "على هذه الإدارة التعبير بصراحة أننا ندعم الديمقراطية في تونس وأننا سنبذل قصارى جهدنا لدعم من يحاولون الحفاظ على المسار".

وكتب النائب الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا والعضو البارز في لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب ورئيس لجنة أبحاث الشؤون الخارجية في الحزب الجمهوري جوي ويلسون رسالة إلى بلينكن يسأله فيها عن السبب الذي لم تشجب فيه إدارة بايدن علنا ديكتاتورية سعيد وسيطرته على السلطة وفيما إن كان فريق بايدن مستعد للعمل مع الكونغرس لممارسة الضغط على الرئيس التونسي.

وكتب ويلسون: "لو انهارت الديمقراطية التونسية فلن تهدد أمن الولايات المتحدة والشراكة الاقتصادية مع شمال أفريقيا، بل ستقدم جدلا للقوى الديكتاتورية في المنطقة، وبخاصة المنظمات الإرهابية السلفية مثل تنظيم الدولة والقاعدة بأن الديمقراطية هي نظام فاشل للحكم".

وأضاف أن رفض التحرك في تونس سيقود إلى تداعيات مدمرة لن تقوض استقرار تونس بل وتقويض منطقة شمال أفريقيا.

وطالما بشّر بايدن بأن المعركة الكبرى في عصرنا الحديث هي بين الديمقراطية والاستبداد، إلا أن إدارته تبدو غير مستعدة أو غير قادرة على عمل المزيد لمنع سقوط الديمقراطيات في العالم تحت ناظريه. وفي تونس ينفد الوقت أمام الولايات المتحدة للتحرك.