في ظل الأحداث المتلاحقة والمؤامرات المدبرة لأهل الدعوة، وفي جولة التدافع بين الحق والباطل، واتحاد أهل الباطل لنصرته، كان من اللازم على الدعاة العاملين لنشر الحق بذل الجهد وإفراغ كل الطاقة لتمكين الحق وإظهاره ولو كره المجرمون.

يقول الأستاذ مصطفى مشهور في كتابه " مقومات رجل العقيدة " (والأخ المسلم المخلص لربه، لا تفتر همته فى بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق، ولو لم تظهر له النتائج المبشرة بالنصر، فالمطلوب منه العمل وبذل الجهد كله دون تقصير، مع إخلاص النية، أما النتائج فالله سبحانه هو الذي يرتب لها ويختار لها الوقت المناسب).

إن الدعوة إلى الله تعالى هي أجل الأعمال وأشرفها وأفضل الوظائف وأكملها..قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين).. هي وظيفة الأنبياء والرسل حيث يقول عز وجل: (وما نرسل الرسل إلا مبشرين ومنذرين)..

وبالرجوع إلى جذور التاريخ نجد أن أنبياء الله ورسله قد وهبوا أنفسهم للدعوة وباعوا كل غال ورخيص في سبيلها، وتركوا الأهل والأوطان من أجلها، ابتغاء وجه ربهم، ومن ثم فقد أدى رسل الله جميعًا الأمانة وبلغوا الرسالة بهمة وإخلاص. ومن هنا لاقت دعوتهم نجاحًا وحققت فلاحًا وتركت أثرًا طيبًا عاد خيره على الداني والقاصي .

إن سيد الدعاة - صلى الله عليه وسلم - قد وجد من الصعوبات والأشواك في طريق دعوته وتبليغ رسالته ما تنوء بحمله الجبال، ومع ذلك فقد واصل مسيرته وبلغ رسالة ربه فأثمرت دعوته وأتت أكلها كل حين بإذن ربها، وارتفعت راية الإسلام عالية خفاقة فوق ربوع أرض الله، والعلماء هم ورثة الأنبياء في تبليغ الدعوة وتوصيل الرسالة دون زيادة أو نقصان، ومن العجيب أن نرى في هذا الزمان دعوة ولم نجد أثرًا مما جعلنا نسأل أنفسنا عن سر ذلك!

إن من أوجب الواجبات على كل مسلم أن يدل أهله على الله، وأن يعينهم على طاعته، وأن يبذل قصارى جهده، ليحول بينهم وبين معصية الله؛ فهم مسئولون منه، وهو مسئول عنهم أمام الله عز وجل، نظرًا لأنها تنقذ الناس من حول الضياع والتيه والشرور والضلال الناجم عن اتخاذ ما يعرف بالأديان الوضعية والأهواء البشرية، ومن ثم فالدعوة إلى شريعة الله دعوة إلى منهج الله الذي رسمه لعباده وبين أن من اتبعه سعد ونجا ومن حاد عنه هلك وشقي، وهو واجب الدعاة إلى الله عز وجل فهم المنوط بهم إظهار محاسن الشريعة وإبراز فضل شرع الخالق على المخلوق وكمال منهج المعصوم على غيره.

الداعية لكي يكون ناجحًا يجب أن يعتمد على مقومات لا يحيد عنها أبدًا وهي: الخوف من الله وحده، والقدوة الحسنة في كل أقواله وأعماله، والصدق، والصبر على الأذى.، وتجنب المراهنة في الحق والإفراط في المدح، والرحمة والشفقة، والرفعة والتيسير، والتواضع ونبذ الكبر، والزهد في الدنيا، وأخيرًا التعفف عن سؤال الناس.

الأسلوب هو الطريق الموصل إلى الاستجابة من عدمها، فإذا ما اتسم الأسلوب باللطف واللين والمودة والعذوبة كان أولى للاستجابة وأوقع في نفس المدعو.

الداعية لكي يكون ناجحًا في تبليغ الرسالة المكلف بها يجب عليه أن يكون شاملاً في تناوله، ويتسم في أسلوبه بالرفق والحلم، والمخاطبة على قدر الفهم، وضرورة التمهل بالكلام أثناء الحديث، والنهي عن التكلف في الفصاحة، وتخير الظرف المناسب، والبدء بالأهم فالمهم، والمشاركة.

وكذلك من الأمور التي يجب على الداعية أن يهتم بها في أسلوبه الدعوي أن يقبل على الناس جميعًا في دعوته، وأن يحرص على أجواء الوئام، فكم يسر الجلساء حين يرون معلمهم أو داعيتهم إلى الخير لا تفارق الابتسامة ثغرة ولا تجافي المباسطة مجلسه، وكم يشعر الجلساء والمتعلمون بالمحبة تجاه داعيتهم حين يرون فيه المعاملة اللينة والخلق العظيم.

وعندما يتحلى الداعية بما سبق ويتخلق بطيب الخلق ويبذل سعته وجهده ولا يتوقف عن الدعوة والتبليغ والنصح والإرشاد ويستنفذ كل الوسائل فهنا يكون قد أدى كل ما عليه والنتائج على الله .