ثوابت جماعة الإخوان المسلمين هي التي تميزهم عن غيرهم، كما تبين لنا من فكر الإمام البنا رضوان الله عليه.

وثوابت الدعوة العشر

ثوابت الدعوة العشر هي:

أولاً: اسم الجماعة فكرة وتاريخاً ووفاء.

ثانياً: العمل الجماعي وسيلتنا.

ثالثاً: التربية ونبذ العنف سبيلنا.

رابعاً: الأسرة محضن التربية عندنا.

خامساً: رسالة التعاليم والأركان العشرة خاصة الأصول العشرين، ورسالة العقائد أساس لنا ومصدر تعلمنا.

سادساً: الشمول والعموم أساس نظرتنا الكلية وفهمنا الشامل.

سابعاً: الشورى الملزمة تحسم الخلاف بيننا.

ثامناً: احترام النظم واللوائح من أخلاق بيعتنا.

تاسعاً: الاختيارات الفقهية للجماعة لا خيرة للأفراد فيها.

عاشراً: الله الغاية في كل ثوابتنا ومتغيراتنا، وكل ما نقول ونعمل.

أولاً: الاسم فكرة وتطبيقاً وتاريخاً ووفاءً

اسم الجماعة علم يعرف به فكرها وتصورها وتاريخها، فبمجرد أن تذكر الاسم يبرز إلى مخيلتك الفكر الذي تحمله، والتصور الذي تدعو إليه، والرجال الذين يحملون فكرتها، وتاريخهم منذ نشأتها وبالأحداث الجسام التي مرت بها، بجهاد رجالها، بتراثها ومعاناتها، وأوصاف وصفات أفرادها.

إن مجرد ذكر اسم الجماعة يبرز إلى الذاكرة كل هذه المعاني فكيف نفرط في هذا الاسم العزيز إلى القلب الشامخ كالطود، إننا لا نرضى به بديلاً، ولو اضطر بعض الأتباع في بعض البلاد إلى اتخاذ اسم غير الاسم لظروف قدّروها تقديراً، وقالوا ليست العبرة بالأسماء ولكن العبرة بالمسميات، إن تعددت أسماء الأبناء، فجميع الأبناء ينتسبون إليها، فهم يعرفون بالانتساب إلى الأصل، ولا يجوز للأصل أن يغير من اسمه فبه يعرف الأتباع والأبناء وله ينتسبون.

إن أصحاب المحال التجارية لا يفرطون في اسم الشهرة لمحالهم بعد أن أصبح له قيمة وتاريخ، وأمامنا كثير من المحال التجارية التي ذهب أصحابها، بل اندثروا وتركوا الأوطان، ومازالت أسماء محالهم حتى الآن ترددها الألسن، تنتقل ملكيتها من فرد لآخر، ويشتريها المشتري باسمها الذي يرفع من قيمة الشراء لأنه أصبح قيمة مادية، فما بالك إذا أضيف لهذه القيمة المعنوية والتاريخية، فهل يجوز التفريط في هذا الاسم الغالي الذي يذكرنا بأخوة الإسلام.

إن اسم الجماعة هو الرمز الذي يشير إلى الفكرة والتاريخ، وبمجرد ذكر الاسم يتضح للسامع إليه ما يميز هذه الجماعة عن غيرها، فإذا ما ذكر اسمها برز فكرها وتاريخها، والعكس صحيح إذا ما ذكر الفهم والتصور والسلوك والتاريخ تردد اسمها، وبذلك أصبح الفهم والاسم كوجهي العملة لا يصح أحدهما إلا بالآخر، وكم من مرة سوومت الجماعة على تغيير اسمها فكان الرفض حفاظاً على التاريخ الذي يراد له اندثاراً، وأراد له الأتباع انتشاراً وحفاظاً فكان الإصرار على بقاء الاسم.

إن شيوع الاسم بين العامة والخاصة في الداخل والخارج، بين الأحباب والأعداء، بين المنصفين والجاحدين، بين المحبين والمشوهين، تاريخ رجال، وذكرى لمؤسس أحبه الأتباع، وبذكره يذكر الإخوان، وبذكر الإخوان يذكر الشهيد الإمام، وخلفه المحتسب الصابر الذي لم تلن له قناة، وقاد السفينة في بجر لُجِىّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب قاتم، فقادها إلى بر الأمان وكان مرشدها الثابت الأمين، ويذكر الاسم حين يذكر الناس مرشدها الثالث صاحب الصورة المشرقة الصادقة، كما يذكرون مرشدها الرابع الشامخ كالطود، كما يذكرون المرشد الحالي أطال الله في عمره. إنه تاريخ رجال آمنوا بسمو فكرتهم ونافحوا عنها وارتبط جهادهم باسم الجماعة، فبها يذكرون وباسمها يخلدون.

إنه تاريخ أبطال فلسطين، وشهداء القتال، وشهداء طرة، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، كل هؤلاء يذكرون كلما ذكر الاسم الحبيب إلى قلوبهم (الإخوان المسلمون) فكيف نفرط في هذا الاسم الذي غُرس في القلوب بدماء الشهداء وثبات الرجال.

كبرى الحركات الإسلامية:

إن كثيراً من الكتابات التي تصف الجماعة تصفها باسمها، ففي سنة 1947 أصدر الأستاذ الدكتور موسى الحسيني كتاباً بعنوان (الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة) وهي دراسة موضوعية كما ذكر الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي وقال: إنها دراسة محايدة إلى حد كبير، وقد أنصف الإخوان وعرف الناس إنصافه، بترديده لاسم الجماعة كما عرفوا من هاجمها وتحامل عليها، وتصيد الشبهات لها بل الاختلاق للتهم حين يهاجم الاسم حاقد مثل صاحب كتاب (الإخوان في الميزان) فحين يتحدث مُعادٍ للفكرة مجرد ذكره جماعة الإخوان المسلمين يتبين للناس سبيل الكاذبين وسبيل الصادقين، فيعرفونه إن كان مغرضاً أم منصفاً محايداً أم متحاملاً.

فأصبح الاسم علماً على فكر وفهم، به تعرف وبه توزن، خاصة بعد أن اتسعت الحركة وانتشر اسمها، بعد أن أصبح لها أعضاء مشتركون وأنصار معاضدون في كل أقطار العالم العربي والإسلامي، بل وخارج العالم الإسلامي في أمريكا وأوروبا والشرق الأقصى وغيرها من بلدان العالم، وأصبح المتحدثون عنها يتحدثون باسمها للعالم بأثره، فكيف تفرط البلد الأم للحركة في هذا الرصيد الثمين، وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا ضير أن يتغير اسم الفرع ويمتد ويبقى الأصل الذي يعرف به الفرع، بعد أن شاع اسم الأصل، فالأبناء يعرفون بأسماء الآباء، فإن تعدد أسماء الأبناء فاسم الأب واحد لا يتغير وبه يعرفون ويتميزون.

قد يقول قائل: ألهذا الحد أصبح الاسم وهو اختيار واجتهاد من مؤسس الجماعة لتُعرف به جماعته، يصبح من الأمور الثابتة التي لا تقبل التبديل أو التغيير؟.

فنقول وبالله التوفيق: نحن لا ندعي أن هذا الاسم من ثوابت الإسلام، فثوابت الإسلام لا يختلف عليها مسلم كما بيّنا ولكننا نقول: إنه من ثوابت الإخوان التي يجب عدم التفريط فيها للأسباب التي ذكرناها وبسطناها.

وللذين يتعجبون من هذا القول نقول لهم: إن الأحزاب الوضعية لا تفرط في اسمها، لأنه تاريخ بالنسبة للأتباع، فحزب الوفد مثلاً حين أتيحت له الفرصة بالعودة بعد غياب طال إلى عشرات السنين، أراد أتباعه أن يبعثوا فيه الحياة، ويعودوا إلى المشاركة في الحياة السياسية اختاروا نفس الاسم "الوفد" ولما اعترضت الجهات الرسمية مع الاسم لأسباب معلومة، أضافوا إلى الاسم كلمة الجديد ليحتفظوا بنفس الاسم، وأصبح اسم "الوفد الجديد" ذلك لأن الاسم بالنسبة لهم يرتبط بمؤسس اختاره هو الزعيم سعد زغلول ويرتبط بتاريخ عزيز عليهم يذكرهم به الاسم، ولذلك أرادوا بتمسكهم بالاسم أن يذكروا الناس بهذا التاريخ، وهذا فهمهم الذي نشاركهم فيه.

وهذا هو "الحزب الناصري" اختار أتباعه هذا الاسم تخليداً لذكرى زعيمهم، وتذكيراً بتاريخه حتى أطلقوا على أنفسهم "الناصريون" فتمسكوا بالاسم بالرغم من اختلاف الرؤى في زعيمهم واختلاف الأحكام على ما كان يصنع ويفعل.

وقسْ على ذلك الكثير، فكيف باسم لا يرتبط بشخص، إنما يرتبط بفكر ومنهج، رسالة رسول فحق للأتباع أن يستمسكوا بالاسم ولا يفرطوا فيه، فبثبات الاسم ودوامه تبقى الذكرى والفهم والتاريخ، ويعرف المبدأ والتطبيق، ولذلك يتوارثه المؤمنون بالفكرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فيبقى الاسم ببقاء الفكر والفكرة والأتباع.

والأمر الذي يدعو إلى التعجب أن بعض المناوئين للفكرة، والمحاربين للمنهج، الكارهين للإسلام يقولون: إذا كنتم تسمّون أنفسكم "الإخوان المسلمون" فمعنى ذلك أن غيركم لا إخوة ولا مسلمون، وهذا ليس بحق أريد به باطل، بل هو بهتان وإثم مبين، وإلا لأصبح بهذا المنطق المعوّج المغرض ينطبق على حزب التجمع، ولأصبح "حزب التجمع" اليساري هو وحده حزب التجمع وغيره أحزاب تفرق ولا تجمع، فهو الوحيد "حزب التجمع" وغيره متفرقون ممزقون، أليس هذا لوناً من العبث بل من التضليل.

بل نذهب إلى أبعد من هذا ونقول: هل يعني أن هناك حزباً مسيحياً في بعض الدول الغربية ويسمى "الحزب المسيحي" ينفي صفة المسيحية لغير أعضائه من المسيحيين. أليس هذا لوناً من العبث بل من التضليل.

ولن ينتهي اعتراض هؤلاء المناوئين على اسم "جماعة الإخوان المسلمين" بل سيتعدى إلى الجمعية الشرعية، فبمنطقهم الشاذ سيصبح غير المنتمين إلى الجمعية الشرعية غير شرعيين وغير المنتمين إلى جمعية أنصار السنة محاربين للسنة ومعادين لها، ولأصبح غير المنتمين إلى "الجماعة السلفية" من المسلمين غير سلفيين، بل لأصبح الشباب المسلم غير المنتمي "لنادي الشبان المسلمين" غير مسلمين. سبحانك هذا بهتان عظيم. إنه من باب قول ربنا: )لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون( [فصلت: 26].

إننا نحب هذا الاسم ونتمسك به لأنه يذكرنا بكل معاني الإسلام "إخوة وإسلام" فنحن "الإخوان المسلمون" جماعة من جماعة المسلمين، وكل المسلمين لنا أخوة لهم كل الولاء والحب.

لقد ألهم الله الإمام البنا هذا الاسم الجامع إذ أنه يحمل معاني الإسلام وأركانه معناه ومبناه، فاسم (الإخوان المسلمون) يذكرنا بل يرمز إلى عقدين: عقد الإيمان وعقد الأخوة، وهما ركنان بدونهما لا يتحقق منهج الإسلام، فلا تقوم أركانه ولا يكتمل بناؤه.

إذ بالإيمان تنصلح القلوب ويظهر أثره جلياً حين تجتمع هذه القلوب المؤمنة على محبة الله وتلتقي على طاعته، وتتوحد على دعوته، وتتعاهد على نصرة شريعته، فتتحقق أغلى رابطة بين المؤمنين، هذه الرابطة القيمة التي جعلها المولى سبحانه وتعالى من الإيمان (إنما المؤمنون أخوة) هذا ما يميز جماعة الإخوان: إيمان وأخوة، ومن هنا كان الاسم فكرة وتاريخاً.

وبذلك يكون قد رمز الاسم لأصل الوسيلة التي لا يتحقق المنهج إلا بها ألا وهي الجماعة القائمة على الإيمان والحب، وأحسب أن الله قد ألهم الإمام الشهيد حسن البنا بهذا الاسم الجامع فكيف نفرط فيه؟.

وأخيراً أليس من الوفاء للمؤسس والمربي والمعلم والمرشد أن نخلد ذكراه، وأن يبقى الاسم الذي اختاره، فبقاؤه تخليداً لذكراه واعتراف بفضله، فإذا ما ذكره الاسم ارتبط الاسم به والعكس صحيح.

إن من دلائل حب الولد أحياناً لأبيه أو جده تخليد ذكرى والده بتسمية اسم ابنه باسم جده، فإذا ما ذكر اسم الابن تذكروا جده بأفعاله وأقواله وتوجيهاته وتاريخه، فما بالك بمن يريد أن يغير اسم الوالد والجد؟! وما بالك حين تمر الأيام وتمضي السنون بعد التغيير، سينسى الأصل تاريخاً وجهاداً وبناءً وتكويناً، بل وربما يندثر ولا يذكر إلا في مناسبة، وفي هذا جفاء وجحود وعدم عرفان بالفضل، قد تؤدي إلى طمس التاريخ، ونسيان الرجال الذين ارتبط جهادهم بالاسم، وارتبط الاسم بهم .. فهل من الوفاء تغيير الاسم وهو يذكرنا بكل ما يتصل بالجماعة منهجاً وموقفاً وقيادة ورجالاً؟ اللهم لا.