اتّهمت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، الخميس، أجهزة الأمن المصرية بـ"ترهيب ومضايقة" المدافعين عن حقوق الإنسان بهدف "إسكاتهم".

وانتقدت المنظمة ومقرّها في لندن، في تقرير بعنوان "اللي بيحصل ده هيخلص لما تموتي"، استخدام جهاز الأمن الوطني "بشكل متزايد نمطا محكما من الاستدعاءات غير القانونية والاستجوابات القسرية، التي ترقى إلى المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

وأضافت أن هذا يحدث "فضلاً عن إجراءات المتابعة/المراقبة المفرطة ضد مدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين، في محاولة لمضايقتهم وترهيبهم بهدف إسكاتهم".

وثّقت المنظمة "في تقريرها هذه الممارسات تجاه أكثر من 25 حالة بين رجال ونساء تم استدعاؤهم من جهاز الأمن الوطني، ونقلت عن بعض الحقوقيين أنّ ضباطاً "دأبوا على تهديدهم في كل استدعاء بالقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة ما لم يحضروا جلسات الاستجواب، ودهموا منازل مَن امتنعوا عن الحضور".

ووصفت ما لا يقل عن 20 من الضحايا كيف يعيشون في خوف دائم من الاحتجاز على أيدي "قطاع الأمن الوطني"، ما يرميهم في حالة من القلق والاكتئاب، ويحرمهم من حقوق أساسية، ويعيق بشدة قدرتهم على أن يعيشوا حياةً طبيعية. ونتيجةً لذلك، يشعر كثيرون منهم بالخوف الشديد من التعبير عن آرائهم أو المشاركة في أنشطة سياسية، بينما اضطُر البعض إلى مغادرة البلاد.

وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قال مدافع عن حقوق الإنسان استُدعي إلى مقر "قطاع الأمن الوطني" في عام 2020: "سألني ضابط قطاع الأمن الوطني بتعمل ايه وبتشتغل على ايه، وعلى المدير، والتمويل، وانا بعمل ايه هناك… وبعدين قالي: بوص… أنا لو عرفت إنك بتكدب عليا، مش هتشوف الشمس تاني".

وأمرت الشرطة نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان، وجميعهم سبق أن احتُجزوا لفترات وصلت إلى ثلاث سنوات بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير وحرية التجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، بالحضور أسبوعياً أو شهرياً إلى مكاتب "قطاع الأمن الوطني" في أقسام الشرطة أو في مقار منفصلة للقطاع، حيث يظلون محرومين من حريتهم لساعات أو أيام من دون أي أساس قانوني أو إشراف من السلطات القضائية، ومن دون إمكانية طلب التعويض أو الإنصاف.

وترقى إجراءات المراقبة الشُرطية هذه، والمُتخذة خارج نطاق القضاء، ويُشار إليها بتعبير "المتابعة" من جانب ضباط "قطاع الأمن الوطني"، إلى الحرمان التعسفي من الحرية، وهي تختلف عن إجراءات المراقبة بأمر قضائي، كما أنّها غير محددة الأجل ولا تخضع إلا لأهواء ضباط "قطاع الأمن الوطني". وفي كثير من الحالات، تعرَّض المحتجزون للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة، كما لحقت أضرار شديدة بحقهم في العمل وفي الحياة الأُسرية.

وقال محامون في مقابلات مع المنظمة إن "كثيرا من موكليهم الذين أُفرج عنهم اعتباراً من عام 2015 تعرضوا لهذه الممارسات بشكل متزايد بدءاً من عام 2019".

وخلص الضحايا إلى عدم وجود سُبل قانونية يمكنهم استخدامها للطعن في تلك الإجراءات أو الإبلاغ عن الانتهاكات أو السعي لتحقيق العدالة، وهو الأمر الذي يضع ضباط "قطاع الأمن الوطني" فوق النظام القانوني. وقد شعر الضحايا بأنهم غير قادرين على تقديم بلاغات للنيابة أو التنديد علناً بما تعرضوا له، خوفاً من انتقام ضباط "قطاع الأمن الوطني"، وذلك بالنظر إلى التواطؤ الموثَّق للنيابة في انتهاكات "قطاع الأمن الوطني".

ووفقا للتقرير، فقد ذكر الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية أن ضباط "قطاع الأمن الوطني" كانوا يفاخرون ويتصرفون بثقة تامة بأنه لا عواقب لأفعالهم.

وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قالت ناشطةٌ إنها تعرضت للتحرش الجنسي من أحد عناصر الشرطة، وأضافت: "تم تهديدي لما قررت اشتكي الضابط اللي اتحرش بيا، اتهددت إني هرجع السجن تاني، اتقالي نصاً انتي عاوزة تعملي محضر ازاي، يعني انتي عاوزة تحبسي نفسك! مافيش حاجة اسمها تعملي محضر".

وقال فيليب لوثر، مسئول منظمة العفو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنّ "أسئلة وتهديدات مسؤولي قطاع الأمن الوطني تكشف عن هدف واضح وهو قمع أنشطة حقوق الإنسان والأنشطة السياسية".

وأضاف أنّ "هذا هو مثال آخر على إساءة استخدام السلطة (...) يؤدي إلى حرمان صارخ من الحريات وحقوق الإنسان الأساسية".

وأكّد لوثر أنّه "لم يُسمح للمستجوَبين باصطحاب محامين معهم"، حسب ما أشار التقرير، الذي أضاف أنه خلال تلك الاستجوابات، "لجأ الضباط إلى استجواب المُستدعين بشكل متطفِّل عن حياتهم الشخصية وأنشطتهم السياسية، وإلى الإيذاء البدني والنفسي الذي قد يرقى إلى المعاملة أو العقوبة القاسية".

وسبق للمنظمة أن وثَّقت تقاعس النيابة بشكل منهجي عن التحقيق في ادعاءات التعذيب والاختفاء القسري على أيدي "قطاع الأمن الوطني" ودور هذا الأخير في احتجاز نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان تعسفياً، بالاستناد فقط إلى تحريات سرية.

تشكّك النتائج التي يتضمّنها التقرير في جدية الالتزامات المذكورة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الخاصة بمصر، والتي أُطلقت خلال حفل حضره اقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 11 سبتمبر ووعد فيه بصون الحقّ في الحرية، والخصوصية، وحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التجمع السلمي.

قال فيليب لوثر: "تفضح المضايقة بلا هوادة للمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء تبنّي السلطات المصرية حديثاً لاستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان وسط جلبة صاخبة، كمجرّد محاولة ماكرة لتبييض سجلها غير المشرّف في حقوق الإنسان".

ودعت منظمة العفو الدولية النائب العام المصري إلى فتح تحقيقات وافية ومستقلة حول ممارسات "قطاع الأمن الوطني" المُسيئة، وكذا إلى محاسبة المسئولين عن تلك الممارسات على وجه السرعة، بغض النظر عن رُتبهم أو مكانتهم أو وظائفهم.